تستمر أزمة الكهرباء بالتفاقم في اليمن، مخلفةً تبعات جسيمة على المستويات الاقتصادية والمعيشية والإنسانية كافة، وسط احتقان شعبي متزايد، الأمر الذي أثار توترات بين شركاء الحكومة المعترف بها دولياً، ودفع لاجتماع طارئ من أجل بحث إجراءات لتخفيف الأزمة، بينما يشير خبراء في قطاع الطاقة إلى وجود فساد وصراع بين نافذين مستفيدين من الوضع الراهن، ما يحول دون تحقيق تحسن.
وقالت مصادر مطلعة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن المجلس الأعلى الحكومي للطاقة اعتمد في اجتماع طارئ عقده، نهاية الأسبوع الماضي، خطة تتضمّن مجموعة من الإجراءات التنفيذية لإصلاح وتحسين الكهرباء، منها تنفيذ أعمال صيانة لرفع كفاءة محطات التوليد العامة، التي تزود عدن والمحافظات والمناطق الحكومية بالتيار، بهدف تقليل استخدامها للديزل مرتفع التكلفة، ودراسة تحويل تشغيل المحطات للعمل بالمازوت الذي يعتبر أقل كلفة مقارنة بالديزل.
وأشارت المصادر إلى أنّه من المقرر كذلك تحسين خطوط نقل الطاقة للمحطات الكهربائية العاملة في عدن (جنوب) التي تتخذ منها الحكومة عاصمة مؤقتة، وتنفيذ مشاريع محطات توليد غازية وزيادة الطاقة التوليدية، وإنشاء محطات طاقة شمسية في محافظات لحج وأبين والضالع (جنوب) عبر الاستفادة من التمويلات الخارجية، منها قرض مقدم من قبل مؤسسة التمويل الدولية لتنفيذ هذه المشاريع.
كانت المؤسسة العامة للكهرباء في عدن قد حذرت مراراً في أغسطس/ آب الماضي من نفاد الوقود الخاص بتشغيل محطات الكهرباء العامة. بينما قالت الحكومة إنها ستتخذ الإجراءات اللازمة لتحسين خدمة الكهرباء، ومواصلة كل الجهود الرامية إلى تحقيق إصلاحات حقيقية في القطاع.
في المقابل، قال المحلل الاقتصادي وليد الفقيه، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الاجتماع الذي سارعت الحكومة لعقده عبر المجلس الأعلى للطاقة الذي يرأسه معين عبد الملك رئيس الحكومة، جاء لامتصاص الغضب الشعبي مع تفاقم معاناة المواطنين والأوضاع المعيشية بسبب تردي وضعية الكهرباء وما نتج عن ذلك من أزمة حادة بين شركاء التشكيل الحكومي المنبثق عن اتفاق الرياض.
ويشير خبراء اقتصاد ومختصون في قطاع الطاقة إلى أن هناك تعقيدات وصعوبات تُعرقل الجهود التي تستهدف هذا القطاع، الذي تدور حوله شبهات فساد ومحور صراع طاحن بين نافذين مستفيدين من وضعيته الراهنة.
ولفتت مصادر حضرت اجتماع المجلس الأعلى للطاقة إلى أن الاجتماع ناقش الاختلالات التي يعاني منها القطاع وممارسات الفساد والهدر التي قد تشكل عقبة أمام الجهود التي تستهدف إصلاح ومعالجة وتحسين أوضاع الكهرباء في مناطق إدارة الحكومة المعترف بها دولياً.
وأوضحت المصادر أنه "جرى التأكيد على ضرورة إنفاق الأموال المخصصة لتحسين الكهرباء من المنحة السعودية وغيرها من التمويلات والمنح والقروض بطريقة صحيحة بعيداً عن الفساد الإداري والهدر المالي، وتحقيق منظومة الرقابة على هذا القطاع، بما ينعكس بشكل مباشر على تحسين الخدمة وتخفيف معاناة المواطنين".
ووفق تقرير صادر عن البنك الدولي في مايو/ أيار الماضي، فإن مدفوعات واردات الوقود لإنتاج الكهرباء تمثل استنزافاً كبيراً لاحتياطيات النقد الأجنبي في اليمن، إذ يميل دعم الكهرباء إلى إفادة الأسر الميسورة، وتشويه الأسعار، وتشجيع عدم الكفاءة، وتمكين الفساد.
ويرى الاستشاري في تنمية الموارد الطبيعية عبد الغني جغمان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن وضعية الكهرباء عبء مزمن يعاني منه اليمن منذ سنوات بسبب التقاعس الحكومي والفساد والعبث الذي يجتاح هذا القطاع، إذ خسر اليمن فعلياً ما يقارب 5 مليارات دولار مقابل تكلفة شراء مازوت وديزل لتوليد محطات الكهرباء خلال الفترة (2009- 2013)، في حين قد تتجاوز هذه الخسائر في ظل الوضع الراهن الذي تمر به البلاد 20 مليار دولار.
في المقابل، تقول وزارة الكهرباء والطاقة إن المعالجات العاجلة التي اتخذتها أخيراً ستعمل على تحسين خدمة الكهرباء بشكل تدريجي وتقليل عدد ساعات الانقطاع، وذلك مع بدء تدفق الوقود لمحطات الكهرباء وتفريغ 23 ألف طن من مادتي الديزل والمازوت إلى خزانات مصافي عدن.
وبحسب مسؤولين في الوزارة فإن عملية تزويد محطات التوليد بالوقود ستستمر خلال الفترة المقبلة لتحسين الخدمة، بعد أن تم تجاوز أزمة خروج 80% من منظومة التوليد الكهربائي في عدن نتيجة نفاد الوقود.
بينما، رأى الخبير الهندسي في مجال الطاقة الكهربائية هارون الشميري لـ"العربي الجديد" أنه لا جدوى من الحلول والمعالجات التي يجرى الإعلان عنها من وقت إلى آخر، بالنظر إلى حجم المشكلة الذي يفوق الخطط التي يصفها بالضعيفة والمحدودة لحل ومعالجة المشكلة، لافتاً إلى تدهور وضع محطات التوليد العامة وتهالكها واستنزافها لمنح مشتقات نفطية بمبالغ طائلة وسط صراع أقطاب حكومية نافذة للسيطرة على الموارد الضخمة التي يجرى توجيهها لتوفير واستيراد الوقود لتشغيل محطات متقادمة ومتهالكة.