في إشارة إلى رفضه البيانات المذكورة فيها، أعلن مكتب المحاسبة مازارس، الذي يراجع القوائم المالية لشركات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، عن تبرّئه من القوائم المالية الخاصة بشركات الأخير، مؤكداً عدم تحمّله المسؤولية عما جاء فيها في السنوات العشر الأخيرة.
ورغم أن مكتب المحاسبة الشهير سبق له اعتماد هذه القوائم المالية، إلا أنهم أكدوا، ما هو معروف بالضرورة، من أنهم قد اعتمدوها بناءً على البيانات والإيضاحات التي حصلوا عليها من الشركات، وصاحبها، والإدارات المالية التي قامت بإعدادها، نافين أي مسؤولية عما قد تحمله من أخطاء أو بيانات غير صحيحة.
وفي تطور قد يسبب تحولاً كبيراً في التحقيق الجنائي والمدني الذي يجري حالياً، والذي أظهر بالفعل التوصل إلى أكثر من عشر حالات تتضمن تقييما غير صحيح، أو غير حقيقي، للأصول المملوكة لشركات الرئيس الأميركي السابق، طالب المكتب مؤسسة ترامب بسحب القوائم التي تم إعدادها عن الفترة بين 2011 – 2020، وإخطار أي جهة أو شخص سبق إرسالها إليه بعدم الاعتداد بها بعد الآن.
وكما شهدنا خلال السنوات الأربع التي سكن خلالها البيت الأبيض، اشتهر ترامب بولعه الشديد، من قبل وصوله لمنصب رئيس الولايات المتحدة، بالمبالغة في كل ما يخصه، وممتلكاته، وإنجازاته، في كل مرحلة من مراحل حياته المهنية، بوصفه واحداً من "حيتان" العقارات في إحدى أغلى مدن العالم فيها، وهي مدينة نيويورك، أو واحداً من أبرز نجوم برامج تلفزيون الواقع الذي يتمتع بشعبية كبيرة في أميركا.
ولم ينف ترامب قيامه بذلك الأمر في ما يخص نتائج أعماله وأعمال شركاته، إلا أنه وصف تلك الممارسات بأنها كانت حالات استثنائية، مشيراً إلى أن "الجميع" يفعل الأمر نفسه، ومؤكداً أنه لم "يتجاوز المنطق" في أي مرة في عمل ذلك.
وتبرز أهمية خطوة مكتب المحاسبة الأخيرة في التوقيت الذي حدثت فيه، حيث يقوم مكتب المدعي العام في نيويورك حالياً بمحاولة التأكد مما إذا كانت مثل هذه "المغالطات" تهدف فقط للاستعراض وإظهار كفاءته في إدارة الأعمال، أم أنها تمثل نوعاً من الاحتيال.
ويرى المدعي العام أن هذه المغالطات لو قام بها الرئيس الذي تجاوزت ثروته قبل وصوله للبيت الأبيض ثلاثة مليارات دولار فإنها تسمح له بالحصول على عدة امتيازات مالية من المقرضين وشركات التأمين، بالإضافة إلى مصلحة الضرائب الأميركية.
وحتى اتخاذ مكتب المحاسبة قراره الأخير، لم يعترف ترامب أم المتحدث باسم المؤسسة التي يملكها وعائلته بتلك الأخطاء، بل أشارا إلى أنها لا تقوم على أي أساس سوى الخلافات السياسية.
وتمثل القوائم المالية، إن ثبت عوارها، ضربة قوية لمؤسسة الرئيس في وقتٍ تتعرض لتحقيقات دقيقة ومطولة في كل ما يخص مواردها ونفقاتها.
أما ترامب، الذي لا يمكن التمييز بين مالياته الشخصية وتلك الخاصة بالمؤسسة التي تمتلكها عائلته، فقد واجه منذ فترة طويلة مساءلات تتعلق بالضرائب التي دفعها، والتي ثبت في إحدى السنوات أنها لم تتجاوز سبعمائة دولار.
ولا تعد مازارس الشركة الأولى التي تتبرأ من الرئيس السابق، حيث سبقها العام الماضي العديد من البنوك وشركات التأمين والمحامين، الأمر الذي ربما يُصَعِّب مهمة ترامب إن أراد العودة إلى البيت الأبيض في 2025.
وتعد أزمة ضرائب ترامب وقوائم شركاته المالية الحلقة الأحدث في سلسلة الاتهامات المشينة التي وجهت للرجل من قبل وصوله للبيت الأبيض في يناير / كانون الثاني من عام 2017، وكان أشهرها اتهام بعض النساء له، وصل عددهن إلى 18 على الأقل، بممارسة سلوك غير لائق معهن، وشمل ذلك مزاعم تحرش جنسي، وفي بعض الأحيان اتهامات بالاعتداء الجنسي، كما الاتفاق مع بعضهن على السكوت مقابل حصولهن على بعض الأموال.
وبعد إعلان خبر تخلي مكتب المحاسبة يوم الإثنين عن ترامب وشركاته، قال جورج كونواي، الكاتب الشهير بجريدة واشنطن بوست، إن ما حدث يعد أسوأ من "عزلٍ ثانٍ"، حيث إن العزل الثاني كان يمكن أن يطيح برئاسته للولايات المتحدة، ويعيده إلى صفوف المواطنين العاديين، إلا أن ما يحدث حالياً ربما يؤثر على حياته الخاصة كمواطن أميركي، وقد يتسبب في خسائر كبيرة له ولعائلته ولشركاته في المستقبل القريب.
وخاض ترامب معركة طويلة مع المحاكم لمنع نشر إقراراته الضريبية خلال السنوات القليلة التي سبقت وصوله للبيت الأبيض، إلا أن العام الماضي شهد صدور حكم نهائي، تمكن المدعي العام من خلاله من الحصول على تلك الإقرارات من مكتب مازارس للمراجعة المحاسبية، وشمل ذلك كل الإقرارات منذ عام 2011 وحتى عام 2020.
ولم تكتمل حتى الآن التحقيقات في أحداث اقتحام أنصار ترامب لمبنى الكابيتول، مقر اجتماع الكونغرس الأميركي، في السادس من يناير / كانون الثاني 2021 في أعقاب فوز منافسه الرئيس الحالي جوزيف بايدن، لكن من الواضح أن الأمور تسير باتجاه إدانته بعد استدعاء العديد من أفراد إدارته للشهادة، والحصول على المكاتبات المتبادلة بينهم خلال الساعات التي سبقت أو شهدت عملية الاقتحام.
طالت مقابلات واتصالات ترامب والقادة العرب خلال فترة رئاسته، فتعلم منهم الانقلاب على الديمقراطية، وتحقير المؤسسة التشريعية، والتصرف كأن البلد ضيعته، بالإضافة إلى الاستهزاء بالقانون ورجاله في الكثير من الأحيان، إلا أنه من المؤكد أنه لم يتعلم منهم الدرس الأهم، وهو أن أموالهم وأملاكهم ونتائج أعمالهم من الأسرار العليا في كل الأوقات، التي لا ينبغي أن يطّلع عليها أحد تحت أي مسمى.
ربما يحتاج الرئيس السابق والمرشح المحتمل القادم لأربع سنوات أخرى يتواصل فيها مع زعمائنا لاستيعاب الدرس كاملاً، ويومها لن يسمع أحد خبراً عن أصول ترامب، إن صحت قيمها أم تمت المبالغة فيها، وربما تبحث عنه مصلحة الضرائب وقتها لمنحه بعض الإضافات الضريبية، ليتمكن، كما يفعل القادة العرب، من مواجهة أعبائه العائلية، في عصر التضخم.