كشف مصدر من داخل اللجنة التي تباشر التحقيق في ملابسات جنوح السفينة "إيفر غيفن" في قناة السويس قبل أيام، عن أن التحقيقات الأولية تشير لحدوث أعطال فنية مفاجئة في أجهزة السفينة.
وقال المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه وصفته، لـ"العربي الجديد"، إن "الأعطال الفنية التي حدثت في أجهزة السفينة أفقدت القبطان القدرة على المناورة لصد النفحة (العاصفة الرملية العاتية)"، في الوقت الذي أوردت "رويترز" أن الشركة التايوانية المشغلة لسفينة الشحن التي أوقفت حركة الملاحة بالقناة تقول إنها غير مسؤولة عن أي أضرار مالية نجمت عن الواقعة.
وبدأ خبراء الملاحة والفنيون، أول من أمس الثلاثاء، مراجعة ظروف وأسباب جنوح سفينة الشحن العملاقة "إيفر غيفن" في قناة السويس، بعد وصولها إلى البحيرات المرة بالإسماعيلية.
وتشارك هيئة قناة السويس المصرية والشركة اليابانية المالكة للسفينة في التحقيقات. وستتركز التحقيقات على أسباب الحادث والمتسبب به والمسؤولية القانونية التي يتحملها وطرق تعويض الخسائر والتلفيات.
وستحدد من خلال التحقيقات والفحص الفني الجهات التي ستدفع أو تتلقى تعويضات، كما ستكشف التحقيقات مدى صلاحية السفينة كي تواصل رحلتها نحو ميناء روتردام في هولندا.
وقال رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، إن الهيئة ستطلب أكثر من مليار دولار في شكل تعويضات من الشركة المشغلة للسفينة "إيفر غيفن" بسبب الخسائر الناجمة عن توقف الملاحة بالقناة نتيجة جنوح السفينة وتعطل حركة الملاحة لمدة 6 أيام.
وأشار ربيع في تصريحات تلفزيونية، مساء الأربعاء، إلى أنه سيتم منح حوافز بتخفيضات تراوح بين 5 و15% للسفن المتضررة بسبب السفينة الجانحة، وفقا لانتظار كل منها، مؤكدًا أن نحو 800 شخص ساهموا في إنجاز تعويم السفينة الجانحة.
وقال إن السفينة الجانحة بقناة السويس لن تخرج من مصر إلا بعد دفع التعويضات، موضحًا أن تحقيقا بدأ الأربعاء للوقوف على ملابسات ما حدث.
وردت شركة الشحن اليابانية "شوي كيسن كيه كيه"، المالكة لسفينة Ever Given، على تصريحات ربيع، وقالت في تصريحات صحافية، اليوم الخميس، إنها لم تتلق "أي مطالبات بالتعويض عن الأضرار من السفن العالقة"، قبل أن تساعد جهود الإنقاذ في تعويم الناقلة العملاقة التي أوقفت الملاحة في قناة السويس لمدة 6 أيام.
وأضافت الشركة لـCNN: "لا نعرف أساس مبلغ المليار دولار (في المطالبة بالتعويض). نعتقد أنه يتعين علينا التحدث بحسن نية بعد تلقي مطالبة بالتعويض".
وأضافت "شوي كيسن كيه كيه" أن الشركة لديها "تأمين على السفن" لكن "مبلغ التأمين يعتمد على العقد"، وقال إنه من السابق لأوانه التعليق، لأنه لم يتم تقديم أي مطالبات حتى الآن.
وقال أستاذ القانون الدولي العام في مصر الدكتور أيمن سلامة إن تحديد الجهة المسؤولة عن الحادثة، سواء كانت الشركة المالكة أم المشغلة، لن يكون سهلا، وإن قيمة التعويضات التي ستحددها لجنة التحقيق متعددة الجنسيات، ستكون الأكبر في تاريخ حوادث النقل البحري. إذا ثبت أن الخطأ يقع على عاتق عامل بشري ضمن مسؤولية قبطان السفينة والمعدات بها، فإنه على الشركة المالكة دفع التعويضات الواجبة لهيئة قناة السويس، وهي التعويضات عن كل خسائر الهيئة، وكلفة عمليات التكريك والتعويم والقطر.
وأضاف سلامة أنه يوجد تشابك كبير بين الأطراف التي تحقق في الحادث وهو ما يزيد من صعوبة عملية التحقيق، وتلك الأطراف هي: الشركة المالكة للسفينة، والشركة المشغلة، ودولة علم السفينة، وهي "بنما"، وهيئة قناة السويس، وشركات التأمين على السفينة من قبل كل من الشركة المالكة والشركة المشغلة لها.
وقال إن عمليات التفتيش بدأت أول من أمس، برئاسة لجنة التحقيق متعددة الجنسيات، لإجراء فحص كلي وشامل لبدن السفينة للتأكد من صلاحيته وصلاحية كافة معدات الإبحار ومعدات السلامة، وماكينات القوى الكهربية والميكانيكية، موضحا أن هيئة قناة السويس يقع ضمن مسؤولياتها إصدار شهادة صلاحية السفينة للإبحار مرة أخرى أم لا.
واستؤنفت حركة الملاحة في قناة السويس مساء الاثنين الماضي، بعدما أعادت قاطرات مصرية وهولندية تعويم السفينة إيفر غيفن الجانحة التي يبلغ طولها 400 متر، والتي تسببت في تكدس للسفن المنتظرة بالقناة.
مصر تتوقع مليار دولار تعويضات
هذا وتوقع الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، حصول مصر على أكثر من مليار دولار كتعويض عن جنوح سفينة الشحن في قناة السويس لمدة أسبوع تقريبًا. كما أنذر بعدم السماح للسفينة وحمولتها بمغادرة مصر إذا وصلت قضية التعويضات إلى المحكمة.
وقال ربيع في مقابلة عبر الهاتف، الأربعاء، إن مبلغ التعويض يأخذ في الاعتبار عملية تعويم السفينة وتكاليف حركة المرور المتوقفة ورسوم العبور المهدرة خلال الأسبوع الذي أعاقت فيه السفينة "إيفر غيفن" حركة المرور في القناة.
وقال ربيع "هذا حق الدولة"، دون أن يحدد الجهة المسؤولة عن دفع التعويضات. وأضاف أن العلاقة بين سلطات القناة وأصحاب السفينة في السابق كانت جيدة.
وذكرت شركة "برنارد شولت شيب مانجمنت"، وهي الشركة المشغلة لسفينة الحاويات، في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى "أسوشييتدبرس"، أن طاقم السفينة يتعاون مع السلطات في تحقيقاتها لمعرفة سبب جنوح السفينة، وأنها منحت محققي هيئة قناة السويس حق الوصول إلى مسجل بيانات الرحلة، المعروف أيضًا باسم الصندوق الأسود للسفينة.
وقال ربيع أيضًا إنه إذا سارت التحقيقات بسلاسة وتم الاتفاق على مبلغ التعويض، فيمكن للسفينة مغادرة القناة دون مشكلات. لكنه حذر من أنه في حال تضمنت مسألة التعويض دعوى قضائية فلن يُسمح لـ"إيفر غيفن" وحمولتها التي تبلغ قيمتها 3.5 مليارات دولار، بمغادرة مصر.
لكن التقاضي قد يكون معقدًا، نظرًا لأن السفينة مملوكة لشركة يابانية، وتديرها شركة شحنة تايوانية، وترفع علم بنما.
تطوير القناة لتجنب تعطلها مستقبلاً
في السياق، نقلت "رويترز" عن مصادر في قطاع الشحن البحري أن على قناة السويس التحرك سريعا لتحديث بنيتها التحتية الفنية حتى تتجنب تعطل الملاحة في المستقبل، بينما تحاول القناة النهوض بعد إغلاق باهظ الكلفة استمر 6 أيام.
وارتبكت سلاسل الإمداد العالمية في 23 مارس/ آذار عندما جنحت سفينة الحاويات "إيفر غيفن"، البالغ طولها 400 متر في القناة، واستغرقت أعمال فرق الإنقاذ المتخصصة نحو أسبوع لتحرير السفينة بعد أعمال حفر مكثفة وعمليات قطر متكررة.
وقال رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع بعد تحرير السفينة، إن مصر ستحصل على زورقي قطر جديدين، أحدهما خلال الأسبوع المقبل والآخر في أغسطس/ آب، إضافة إلى أكبر جرافة في الشرق الأوسط وتدبير 5 زوارق قطر أخرى صينية. لكن مصادر في قطاع الشحن قالت إن المعدات المتخصصة والإجراءات ذات الصلة لا تكاد تواكب منذ وقت طويل أحجام السفن التجارية التي تزيد زيادة مطردة.
دروس مستفادة
وتقول هيئة قناة السويس إن القناة يمكنها بأمان استيعاب سفن بحجم إيفر غيفن، بسعة قصوى 20 ألف حاوية مكافئة، حتى في الأحوال الجوية السيئة. وقالت مصادر القطاع إنه بجانب الحاجة إلى قاطرات وجرافات أكبر ووسائل للتفريغ، فمن الضروري أيضا توافر تعليمات أشد صرامة بخصوص كيفية عبور السفن في القناة، مثل استخدام زوارق قطر لمساعدة السفن الكبيرة أو السماح بالعبور في ساعات النهار فقط.
ولم يتضح بعد ما إذا كان سيتقرر حفر قناة فرعية ثانية جنوبي تلك التي افتتحتها مصر في 2015 بكلفة بلغت 8 مليارات دولار وبموازاة جزء من الممر المائي يمتد 70 كيلومترا. ومثل هذه التوسعة ستسمح باستمرار حركة الملاحة حتى لو جنحت إحدى السفن.