استمع إلى الملخص
- **انتعاش محدود**: شهدت سوق العقارات انتعاشًا طفيفًا بفضل تحويلات المغتربين اليمنيين بالعملة الصعبة، مما جعلهم الفئة الوحيدة القادرة على البناء، بجانب قادة الجيش وأثرياء الحرب.
- **تحديات إضافية**: تعرضت مصانع الإسمنت للتدمير والنهب، وواجه القطاع تحديات مثل الجبايات المالية ونهب الأراضي، مما جعل البيئة الاستثمارية طاردة.
ألقت الحرب التي يشهدها اليمن منذ عام 2015 بآثارها على مختلف القطاعات في اليمن، ومنها قطاع العقارات الذي شهد تدهورا ملحوظا في بعض جوانبه، وانتعاشا طفيفا في جوانب أخرى. يشهد قطاع العقارات في اليمن تحديات جسيمة تتمثل بغلاء مواد البناء عدة أضعاف نتيجة انهيار سعر الصرف منذ بدء الحرب، حيث ارتفع سعر الدولار من 214 ريالاً في العام 2015، ليصل إلى 1900 ريال للدولار الواحد في مناطق الحكومة الشرعية، وإلى 535 ريالا في مناطق سيطرة الحوثيين.
تهاوي سعر الصرف انعكس سلبا على أسعار مواد البناء، حيث بات سعر الطن الحديد في مناطق الشرعية مليوناً وثلاثمائة ألف ريال، كما ارتفع سعر الإسمنت ليصل سعر الطن إلى 200 ألف ريال.
حكر على المغتربين
ورغم الأزمات التي يعيشها القطاع، شهدت سوق العقارات انتعاشا طفيفا حيث تزايدت عمليات البناء داخل المدن، غير أنها ظلت حكرا على فئة المغتربين اليمنيين في الخليج وبريطانيا وأميركا، إذ لم يتضرر المغتربون من ارتفاع أسعار مواد البناء بالعملة الوطنية نتيجة تحويلاتهم بالعملة الصعبة.
عامل في مجال البناء، عزت الحداد، قال لـ"العربي الجديد" إن الظروف الاقتصادية وتهاوي القيمة الشرائية للريال اليمني جعلنا بصفتنا عمالا نقوم برفع أجرتنا اليومية إلى ما بين 15 - 20 ألف ريال في اليوم، كي نتمكن من مواجهة التزاماتنا اليومية، وأجرة ثلاثة أيام تساوي راتب موظف حكومي، لذا صار من المستحيل أن تجد موظفا حكوميا يستطيع بناء بيت هذه الأيام". وأضاف الحداد أن المغتربين وقادة الجيش وأثرياء الحرب هم فقط من يستطيعون البناء هذه الأيام.
وتابع: "مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، فإن سوق العقارات شهدت تطورا ملحوظا، حيث يحرص المغتربون على تشييد منازل لهم في اليمن استعدادا لعودتهم، خاصة أنهم يواجهون صعوبات في بلاد الاغتراب مثل رسوم الإقامة والكفيل وغيرها، وهذا يجعلهم حريصين على تشييد منازل لهم كحصاد لغربتهم".
المستثمر في مجال المقاولات علي الصعدي قال لـ"العربي الجديد" إن "هناك تحديات كبيرة تواجه قطاع العقارات، وبسبب النزوح بداية الحرب، انتعشت عمليات البناء وكذا بيع وشراء العقارات في المدن اليمنية، غير أنها تراجعت بعد ذلك بسبب ارتفاع مواد البناء، ونحن مستمرون في عملنا مقاولين وإن قلت نسبة العمل بشكل كبير عما كانت في السابق، حيث أصبح قطاع العقارات حكرا على المغتربين الذين لم يتضرروا كثيرا من ارتفاع الأسعار".
وأضاف الصعدي أن الإجراءات التي تمارس ضد المغتربين، وخاصة في الخليج، تجعلهم حريصين على الاستثمار في قطاع العقارات داخل اليمن من خلال بناء أو شراء العقارات، والبعض يعود من الغربة للعمل في هذا القطاع عبر بيع وشراء الأراضي". وتشير التقديرات إلى أن نحو 1.5 مليون يمني يعملون في قطاع العقارات عمالا، ما يجعل هذا القطاع من أهم القطاعات الاقتصادية التي تساهم في توفير فرص العمل، وبالتالي تساهم في الحد من البطالة والفقر.
تدمير مصانع إسمنت اليمن
جاء ارتفاع أسعار البناء في ظل تعرض عدد من مصانع الإسمنت للتدمير والنهب، وأبرزها مصنع إسمنت البرح بمحافظة تعز الذي حوله الحوثيون إلى ثكنة عسكرية، لتتعرض أجزاء منه لقصف من قبل التحالف العربي في 2015 قبل أن يقوم الحوثيون بنهب معداته، وخاصة الديناميت الخاص بالمصنع بغرض استخدامه في أغراضهم العسكرية، ما تسبب بتوقف المصنع بشكل تام.
القائم بأعمال مدير عام مصنع إسمنت البرح في حكومة الحوثيين المهندس عبد الخالق سلام قال، في تصريحات صحافية سابقة، إن الخسائر المترتبة على قصف مصنع إسمنت البرح بمحافظة تعز بلغت 26 مليونا و950 ألف دولار.
استهداف مصنع البرح أدى إلى ضعف إنتاج السوق المحلية لمادة الإسمنت، وبالتالي ارتفاع أسعارها، حيث كان المصنع ينتج حسب التقديرات أكثر من نصف مليون طن سنويا. بالإضافة إلى ذلك، ارتفعت أجرة عامل البناء في محافظة تعز لتصل إلى 20 ألف ريال في اليوم الواحد، فيما تجاوزت أجرة النجار 30 ألف ريال في اليوم. وجاء هذا الارتفاع المهول في ظل ثبات الرواتب والأجور، حيث يبلغ متوسط الأجور للموظف الحكومي 50 ألف ريال فقط ما يعني عجز الموظف العادي عن البناء.
الجبايات المتعددة
ومن ضمن التحديات المفروضة على قطاع العقارات، الجبايات المالية التي تُفرض تحت مسميات مختلفة مثل تراخيص البناء، ورسوم تعميد ملكية الأرض، والضرائب، والواجبات، إضافة إلى فرض نافذين عسكريين رسوما مالية تحت مسمى "بدل حماية". أضف إلى ذلك عمليات نهب الأراضي والممتلكات من قبل نافذين عسكريين في الدولة، حيث تزايدت عملية نهب الأراضي بشكل لافت خلال فترة الحرب التي تشهدها البلاد، ما مثَّل عاملا طاردا للمستثمرين ورجال الأعمال.
رجل الأعمال اليمني محمد الدبعي قال لـ"العربي الجديد": "فكرت بمشروع استثماري في مجال العقارات باعتبار أن العقارات من الأصول الثابتة والمربحة، وقمت بشراء قطعة أرض بهدف البناء عليها، وقام نافذون عسكريون بمنعي من البناء حيث ادعوا أن الأرض تعود لهم، ودخلت معهم في مشاكل حيث ما زالت قضيتي مطروحة أمام القضاء".
وأضاف الدبعي أن قطاع العقارات لا يمكن أن ينهض وينتعش إلا بوجود دعم من الجهات الحكومية من خلال تقديم التسهيلات، وذلك من خلال إلغاء الجبايات المالية المفروضة تحت عدة مسميات، وكذا توفير الحماية من ناهبي الأراضي الذين يكونون بالعادة مدعومين من قيادات عسكرية للأسف، أما في هذا الوضع فهو بيئة طاردة".