تلقى القطاع العقاري صدمة قاسية في مصر مع بداية العام الجديد، جعلته يواصل السير في نفق مظلم، بعد عامين من المعاناة والركود، إثر تدهور بأسواقه، عقب انتشار وباء كورونا، واندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا خلال السنوات الماضية.
أوقفت الحكومة مع بداية يناير/ كانون الثاني الماضي، توجيه أية استثمارات لمشروعات عقارية وعمرانية جديدة، في المدة المتبقية للعام المالي الحالي، 2022/ 2023، والمقررة العام المقبل 2023/ 2024، وعدم تنفيذ المشروعات القومية الحالية إلا التي استكملت 70% من معدلات الأداء بها، والمتوقع الانتهاء منها خلال العام المالي المقبل.
تحت ضغوط أزمة مالية خانقة، أعلن وزير المالية، محمد معيط، عن مخطط بمشروع موازنة للعام المالي القادم، يتضمن استثمارات بنحو 391 مليار جنيه، لاستكمال المشروعات القومية، يخصص منها 4.5 مليارات جنيه فقط لقطاع الإسكان.
يضع مشروع الموازنة أولويات للإنفاق العام، بعيدا عن الاستثمار العقاري، الذي خصصت الحكومة من أجله نحو 40% من إجمالي النفقات العامة، بلغت نحو 8 تريليونات جنيه، خلال الفترة من 2014 – 2020 (الدولار = نحو 30.6 جنيها).
اقترضت الحكومة نحو 150 مليار دولار، في السنوات الأخيرة، خصصت منها نحو 57 مليار دولار لبناء العاصمة الإدارية الجديدة، والبنية الأساسية المرتبطة بها، وفقا لدراسات دولية. بينما تعترف الحكومة بأنها استثمرت نحو 45 مليار دولار، على بناء مشروعات فاخرة وقصور وملاهٍ، بالعاصمة الجديدة، بالتوازي مع مشروع قومي يستهدف بناء وتوسعة 20 مدينة تعرف بمدن "الجيل الرابع" الأكثر حداثة وتكنولوجية.
تعمل الحكومة على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، في تشغيل وإدارة تلك الأصول والتوسع في "التصدير العقاري"، بينما عكست تصرفاتها عقب الأزمة المالية اضطرابا ماليا وهيكليا أصاب صناعة العقار في مقتل.
وقعت الحكومة اتفاقا مع صندوق النقد الدولي، يلزمها بالتوقف عن تمويل القطاع العقاري والبنية الأساسية والمشروعات غير المدرة للربح، ومنع البنك المركزي من تمويل مبادرات دعم الفائدة البنكية، التي كان القطاع التجاري أكبر المستفيدين منها، خلال السنوات الماضية.
أسندت الحكومة مؤخرا، تمويل مبادرة القطاع العقاري إلى وزارة الإسكان، التي وجهت كل المخصصات للفئات متوسطة ومنخفضة الدخل من الموظفين العموميين، والمواطنين أصحاب الوظائف الثابتة، التي أدرجتها بمشروعات الإسكان الشعبي، العام الحالي، بفائدة 3% لمحدودي الدخل و8% لأصحاب الدخل المتوسط.
بعد سنوات حصلت شركات عقارية خلالها على أراض شاسعة في المدن الجديدة، بأسعار زهيدة، عبر نظام التخصيص المباشر، خاصة للمقاولين والمطورين الداعمين السياسيين والمتبرعين بالمال لصندوق "تحيا مصر"، جاءت أزمتا كورونا والحرب الروسية في أوكرانيا، لتكشفا هشاشة سوق العقار، وبدء السنوات العجاف، مع عدم قدرة الحكومة على دفع استحقاقات المقاولين المشاركين في المشروعات القومية، مع وضع قيود على استيراد مدخلات الإنتاج، وتصاعد موجة غلاء في أسعار المواد الخام.
أوقفت الحكومة أعمال البناء في المشروعات القومية، مع عدم سداد الرسوم المتأخرة للمقاولين عن المشروعات المنفذة، خلال العام الماضي، وفقا لمصادر بشركات مقاولات خاصة كبرى.
وأدى تراجع قيمة الجنيه عدة مرات أمام الدولار إلى زيادة كبيرة في تكلفة التشغيل تسببت في توقف شركات المقاولات عن تنفيذ عقودها، وتباطؤ أو امتناع المطورين العقاريين عن استكمال مشروعاتهم المتفق عليها مع العملاء.
فشلت محاولات الاتحاد المصري لمقاولي البناء والتشغيل، في التوصل إلى اتفاق مع الحكومة حول تعويض خسائر الشركات، عقب تراجع قيمة الجنيه، بنحو 75% العام الماضي. يقدر رئيس الاتحاد محمد سامي سعد التعويضات بنحو 40 مليار جنيه، بزيادة 100%، عما دفعته الحكومة من تعويضات للمقاولين، بعد أزمة التعويم الأولى للجنيه، عام 2016.
لم تنظر الحكومة في طلب المطورين العقاريين، بضمهم إلى مبادرة "دعم الصناعة" التي حددتها وزارة المالية، بنحو 150 مليار جنيه، لمدة 5 سنوات، بفائدة 11%، بعد زيادة معدلات الفائدة، إلى نحو 17.25% بالبنوك.
شكل رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، لجنة وزارية، تستهدف دعم نشاط تصدير العقار، بما يسهم في توفيره النقد الأجنبي، الذي تتعطش له الموازنة العامة. جاء ذلك عقب اجتماع مدبولي مع محافظ البنك المركزي ووزير الإسكان ورئيس هيئة الرقابة المالية والرئيس التنفيذي لصندوق الإسكان الاجتماعي مؤخرا، دون النظر في مواجهة المدفوعات المتأخرة للمقاولين، وطلبات المطورين العقاريين.
في هذا السياق، قال نائب رئيس جمعية رجال الأعمال، مصطفى إبراهيم، لـ"العربي الجديد" إن رفع البنوك معدلات الفائدة على شهادات الادخار قضى على أي أمل لدى المصنعين والعقاريين، في إقامة أية مشروعات جديدة، وجعلهم يعانون من استكمال أو تشغيل مشروعاتهم الحالية، مع تحملهم أعباء مالية باهظة، جراء انخفاض قيمة الجنيه مع نقص السيولة بالدولار، وخيارات التمويل المحدودة، والفائدة المدعمة.
وسجلت وزارة الإسكان ارتفاعا في أسعار مواد البناء خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، شمل 15 سلعة حيوية في صناعة العقار، بمتوسط 40%. وتفاقُم الأزمة المالية خلال الأيام الماضية، دفع مطوري العقارات إلى موجات من رفع سعر العقار، قادها المسوقون في العاصمة الإدارية وانتقلت شرارتها إلى المدن الجديدة والأحياء الراقية والمتوسطة بعواصم المحافظات والمدن. هكذا، بلغ سعر المتر في الأبراج الإدارية الصينية نحو 200 ألف جنيه. كما قفز متوسط سعر المتر السكني بنسب كبيرة.
واكبت زيادة الأسعار ندرة في المبيعات، مع إحجام المصريين عن الشراء، بسبب تراجع قيمة الدخول، وتفضيل العاملين بالخارج، اكتناز الدولار أو الذهب، وتوقف البنوك عن دعم مبادرات التمويل العقاري، أو وضع شروط قاسية على المشترين، مع البيروقراطية في إنهاء الإجراءات، وارتفاع كبير في قيمة الفائدة، وكلها عوامل أدت إلى رفع سعر الوحدة، المباعة عبر هيئة التعمير الحكومية، بمشروعات فاخرة وفوق المتوسطة منها إسكان مصر وجنة والإسكان الساحلي ودار مصر، بما يزيد عن 30% من قيمتها خلال الأسبوع الماضي.
دفع التجاهل الرسمي أعضاء مجلس إدارة غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات، إلى عقد اجتماع موسع مع أعضاء شعبة الاستثمار العقاري باتحاد الغرف التجارية، قاده رئيس الغرفة، طارق شكري، حيث استعرضوا تقريرا عن أزمة القطاع العقاري، لمناقشته في البرلمان، ومجلس الوزراء.
أوضح التقرير أن القطاع العقاري يمثل 20%، من الناتج الإجمالي المحلي، ويوفر 5 ملايين فرصة عمل، ويرتبط به 100 صناعة ومهنة.
طلب الأعضاء إضافة مدة زمنية لتنفيذ مشروعاتهم المتوقفة، تتراوح ما بين 9 و12 شهرا، بدون احتساب أي فوائد، وإزالة الشروط التعجيزية التي يفرضها مشروع التمويل العقاري، الممول من صندوق التمويل العقاري الحكومي، على المشترين، وأن يمتد أجل سداد أقساط الأراضي التي حصلوا عليها من الدولة خلال الفترة الماضية من 4 إلى 10 سنوات، واعتبار المشروع العقاري مكتملا إذا حقق نسبة إنجاز تصل إلى 90%.
اعترض مشترون على طلب المطورين زيادة أجل تنفيذ المشروعات، خاصة من حاجزي الوحدات العقارية الفاخرة، في العاصمة والعلمين والمدن الجديدة، متهمين الحكومة بالتستر على المطورين المتأخرين في تنفيذ المراحل المتفق عليها قبل حلول الأزمة المالية الحالية بالشركات.
وأكد مشترون لـ "العربي الجديد" أن المطورين يبيعون مشروعاتهم للجمهور بمجرد حصولهم على قرارات تخصيص الأراضي، ويستخدمون أموال المشترين في البناء مع توظيف طلبات الشراء، في الحصول على قروض عقارية، دون أية ضمانات رقابية من الدولة بجدية التنفيذ.
قدم مشترون لـ"العربي الجديد" مستندات حول مشاركة هيئة التعمير الحكومية في رفع أسعار الوحدات المباعة ورسوم المياه والخدمات، تابعة لشركات كبرى، وأخرى استحوذت عليها شركات عربية، وتغيير المخططات العامة لمشروعات متفق عليها، نظير حصول الهيئة على نسبة من الوحدات أو المساهمة في الملكية والعوائد، مع ظهور مشاكل كبيرة في تسجيل الوحدات المباعة، ونقل الملكية، تحول دون دخول العقار كسلعة تصديرية، أسوة بما يحدث في دبي وتركيا وقبرص، وهي الأسواق المنافسة للسوق العقاري لمصر في المنطقة.