تجتاح الأدوية المهربة والمزورة الأسواق اليمنية بشكل لافت، خلال الفترة الأخيرة، إذ باتت تجارة الدواء منفلتة بشكل كبير مع ارتفاع أسعارها منذ انتشار فيروس كورونا بصورة تفوق قدرات المواطنين. ويأتي ذلك في الوقت الذي يتفشى فيه فيروس كورونا ويهدّد بمزيد من الإصابات ومواصلة حصد الأرواح.
وتسبب الحصار والانقسام وغياب التنسيق والتكامل بين الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية والجهات المختلفة ذات العلاقة مثل الجمارك والإدارات المختصة بوزارة الصحة والجهات الأمنية، في عدم القدرة على ضبط ومكافحة الأدوية المهربة والمغشوشة والتي تشكل ما نسبته 60% من حجم الأدوية المعروضة في سوق الدواء، حسب تقارير غير رسمية.
وتكشف بيانات رسمية اطلعت عليها "العربي الجديد"، عن تداول أكثر من 400 نوع من الأدوية المهربة والمقلدة في الأسواق اليمنية، إضافة إلى 200 نوع من الأدوية التي تدخل البلاد بطرق غير مشروعة.
وساهمت الحرب في تضخم فاتورة استيراد الأدوية في اليمن والتي تصل إلى ما يقارب 100 مليار ريال سنوياً (الدولار = نحو 830 ريالا في السوق السوداء)، تمثل الصناعة المحلية منها 20%، ما كبد خزينة الدولة خسائر باهظة لصالح تجار ومهربين ومزورين تعج بهم أسواق الدواء في البلاد.
ويكشف تقرير صادر عن الهيئة العليا للأدوية الخاضعة لسيطرة الحوثيين عن اختفاء نحو 240 صنفاً معظمها علامات تجارية معروفة، 50% منها خضعت لاستنساخ تجاري من قبل الفئات المستحدثة في تهريب وتقليد الأدوية، ونفاد 362 اسماً تجارياً من مخازن وزارة الصحة العامة والسكان في صنعاء والسوق التجارية.
معظم هذه الأصناف تحتاج لظروف خاصة جداً للنقل كالتبريد وسرعة التوصيل التي لا تتسنى إلا عبر مطار صنعاء، ومنها أدوية مشتقات الدم والأدوية الهرمونية والمناعية والأمصال ومخثرات الدم وأدوية الإنعاش والتخدير وبعض المحاليل المخبرية والتشخيصية.
ويؤكد عضو الاتحاد اليمني لمنتجي الأدوية، فائز سنان، أن هناك انتشارا وإغراقا كبيرا للأسواق اليمنية بالأدوية المهربة والمغشوشة يرافقها استغلال كبير لحاجة الناس في اليمن، كما حدث في أزمة كورونا الأخيرة، لذا يرى أن تعمل الأجهزة المعنية على الحد من هذه التصرفات التي تفاقم انهيار الوضع الاقتصادي بشكل عام.
ويقول سنان لـ"العربي الجديد"، إن القيود المفروضة على المطارات والموانئ منذ ما يزيد على خمسة أعوام أثرت على مختلف القطاعات التجارية والاقتصادية في اليمن وأبرزها عدم تكوين مخزون كاف من الدواء، وكذا عرقلت كثير من المكونات الصناعية ومدخلات الإنتاج التي تحتاجها شركات الأدوية الوطنية التي تكافح للبقاء بهدف تغطية احتياجات السوق المحلي من بعض الأصناف الدوائية.
وتقدر نسبة تغطية المنتجات الدوائية المصنعة محلياً نحو 18% من احتياجات السوق الدوائية في اليمن، بينما ينتج القطاع الخاص 200 صنف من الأدوية، إلى جانب إنتاج الأدوية المنقذة للحياة ذات الصلة بالأمراض المزمنة، وفق تقارير رسمية.
في السياق، شهدت العاصمة المؤقتة المفترضة للحكومة اليمنية عدن، في الأسبوع قبل الماضي، توقيع مذكرة تفاهم للتعاون الفني المشترك بين الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية والهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة، بهدف تعزيز مجالات التعاون الفني والرقابي المشترك، ورفع مستوى التنسيق والتعاون بين الهيئتين منها التعاون في مجال الفحص والاختبار والبحوث والتطوير وقواعد البيانات والمعلومات، بما يحقق خدمة حماية وسلامة المستهلك وتعزيز الاقتصاد الوطني.
وشملت المذكرة نقاطا عديدة لضبط الاختلالات الراهنة في سوق الدواء اليمني، والعمل على تبادل المعلومات والمطبوعات والمراجع والمواصفات القياسية الوطنية والإقليمية والخليجية والدولية، وتبادل الخبرات والبرامج المشتركة التي تخدم مجال العمل الفني.
وأدت الحرب التي دخلت عامها السادس في اليمن إلى سيطرة التحالف على جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية، وفرض إجراءات تفتيش صارمة على دخول البضائع والسلع والمواد الخام الصناعية إلى البلاد، بينما تم تقويض السلطات الحكومية في الداخل، وهو ما خلق اقتصادا وأسواقا تجارية موازية ونمو فئات تجارية جديدة أفرزتها الحرب وانخفاض الإنتاج الصناعي الوطني.
وساهم ذلك في فتح باب واسع للتهريب والتقليد والغش التجاري، حيث تضررت أكثر من 700 سلعة وعلامة تجارية من تنامي ظاهرة الاعتداءات على حقوق الملكية الفكرية للسلع والمنتجات، سواء المستوردة أو المصنعة محليا.
يرى الخبير الاقتصادي، نجيب الحميري، أن وضعية سوق الدواء في اليمن ليست وليدة الحرب الراهنة، بل هي وضعية مختلة من قبل الحرب، موضحاً أن تهريب وتزوير الأدوية أصبحا يشكلان كارثة صحية واقتصادية على حياة المواطن اليمني، وخطرا كبيرا يضر بالأسواق المحلية.
ويتطرق إلى نقطة مهمة في هذا الخصوص، تتعلق بالأدوية وكيف كان أحد المنافذ التي تسلل إليها تجار الحرب في اليمن يدر أموالا طائلة تجنيها بعض الفئات التجارية، والتي لا تقل أهمية عن السوق السوداء للوقود والعملة والكهرباء، في ظل تحول تهريب الأدوية إلى ظاهرة تؤثر بشكل كبير على المستهلك وصحته.
ويشير الحميري لـ"العربي الجديد" إلى أن الحرب نمت عديد الظواهر السلبية مثل تهريب وتقليد وغش الأدوية، والتي استغلت انهيار المنظومة الاقتصادية بسبب الانقسام الراهن، إذ أصبحت هذه الظواهر السلبية تشمل سلعاً ترتبط بحياة الناس مثل الأدوية، وهذا سم قاتل على المستهلك وعدم وعيه من جهة، وضعف القوة الشرائية من جهة أخرى أخل بنسق المنافسة غير الشريفة في السوق المحلية اليمنية.
ويشكو مسؤولو شركات أدوية ومستوردون من ممارسات غير قانونية بحقهم من قبل مختلف أطراف الحرب في اليمن والجهات والمؤسسات الرسمية الخاصة بالأدوية والمستلزمات الطبية، مثل التأخير في المنافذ الجمركية والإجراءات المعقدة بمنح الموافقات للأصناف الدوائية، والتي تكبدهم خسائر فادحة.
وتبرز دراسة رسمية للاتحاد العام للغرف التجارية، اطلعت عليها "العربي الجديد"، تناميا مخيفا لظاهرة الغش التجاري في اليمن، إذ تسيطر السلع المغشوشة والمقلدة والمهربة على النسبة الأكبر من حجم السوق اليمنية، مع توقع بطغيان هذه السلع على الأسواق، في ظل ما ألحقة فيروس كورونا من تداعيات على مختلف المستويات التجارية والاقتصادية والخدمية والمعيشية والاجتماعية.
التصدي لهذه الظاهرة المتفشية في بلد بوضعية اليمن يتطلب، وفق المستشار القانوني حسن القيان، تكثيف برامج التوعية الشاملة من خلال الورش والندوات، وتنظيم برامج تدريبية تستهدف الموظفين المعنيين في الأجهزة الحكومية، وكذلك السلطة القضائية ممثلة بالمحكمة التجارية والاستئناف ومكتب النائب العام ونقابات الصناعة والتجارة، إضافة إلى مأموري الضبط القضائي والرقابة والتفتيش في الجهات الوزارية المعنية.
ويتحدث القيان لـ"العربي الجديد" عن مجموعة من العوامل التي كان لها دور في تنامي هذه الظاهرة، أهمها اختلال المنظومة القانونية وتوسع الفجوة التشريعية وغياب القوانين المنظمة، إضافة إلى ارتفاع الأسعار وتدني الوعي لدى المستهلكين نتيجة انخفاض مستوى المعيشة، وما رافق ذلك من زيادة الإقبال على السلع المقلدة والمهربة لتدني أسعارها.
ويعتبر المستشار القانوني أن ظاهرة الغش والتهريب مزمنة في اليمن على كل المستويات، ليس فقط في الأدوية والمستلزمات الطبية، بل في مختلف السلع والخدمات.