عمال غزة المياومون.. الحرب تثقل كاهلهم والحد الأدنى ليس متوافراً

05 يناير 2025
من أسواق رفح في قطاع غزة، 17 فبراير 2024 (جهاد الشرفي/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه عمال غزة تحديات كبيرة بسبب العدوان الإسرائيلي، حيث أدى النزوح القسري إلى تفاقم الأزمات المعيشية ونقص المأوى والاحتياجات الأساسية، مما زاد من صعوبة الحياة اليومية.
- فقد العمال مصادر دخلهم نتيجة تدمير أماكن العمل وإغلاق المحال، مثل سائد عودة وتوفيق عليان ومحمود الجوجو، مما زاد الأعباء المالية عليهم بسبب ارتفاع الأسعار ونقص السلع.
- تفاقمت الأوضاع الاقتصادية بسبب الحصار الإسرائيلي المستمر، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وزيادة الأزمات الإنسانية مع نقص المساعدات وارتفاع الأسعار.

إلى جانب الأزمة المادية الخانقة، يواجه آلاف عمال غزة المياومون مجموعة من التحديات الإضافية التي أفرزها العدوان، وفي مقدمتها النزوح القسري الذي فرضته قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد أن أجبرت الأهالي على ترك بيوتهم ومناطق سكنهم على وقع القصف والمجازر المروعة، والذي فتح الباب واسعاً أمام عدة أزمات إضافية جراء عدم وجود المأوى الآمن بسبب تواصل عمليات القصف، بالتزامن مع حالة النقص الشديد في مختلف المتطلبات المعيشية الأساسية، بفعل تكدس نحو مليوني نازح في مناطق محددة تفتقر إلى أدنى درجات الحماية والرعاية والمقومات الأساسية.

ويعاني عمال غزة الأمرّين مع تصاعد التحديات المعيشية. ومن بينهم، نزح العامل الفلسطيني سائد عودة من حي النصر شمالي مدينة غزة إلى معسكر دير البلح للاجئين وسط القطاع ويقول إنه فقد عمله منذ الأيام الأولى للعدوان بسبب إغلاق محل البقالة الذي كان يعمل فيه نظراً لخطورة الأوضاع الميدانية، فيما تعرض المبنى الذي يضم المحال التجارية للقصف مع بدء طلبات إخلاء المدينة نحو المناطق الوسطى والجنوبية.

ويشير عودة لـ"العربي الجديد" إلى أن واقع عمال غزة قبل الحرب كان صعباً بفعل العائد المالي الضعيف الذي كان يتقاضاه أسبوعياً، بمتوسط 20 شيكل (5.5 دولارات تقريباً) يومياً، إلا أنه كان يعينه على قضاء لوازم أسرته الأساسية، وقد بات يشعر بعمق الأزمة بعد خسارة مصدر رزقه وتفاقم الأوضاع جراء النزوح والغلاء الشديد في الأسعار. (الدولار= 3.65 شيكلات).

ويوضح عودة أن الأزمة لا تقتصر على انقطاع مصدر الدخل فقط، بل تجاوزت ذلك بفعل تزايد المتطلبات بسبب الحاجة الماسة لمختلف الحاجيات الأساسية التي لم يتمكن من نقلها معه، كالملابس والفراش والأغطية والمستلزمات المطبخية، فضلاً عن الطعام والماء، وهي لوازم تزيد من حجم المعاناة. أما العامل توفيق عليان، فيشير إلى أنّ الأيام تزيد قسوة وصعوبة مع مرور الوقت بسبب طول فترة العدوان، حيث خرج من بيته مع بداية الشهر الثاني للحرب نحو المناطق التي يدعي الاحتلال أنها آمنة بسبب اشتداد الأوضاع خطورة، وقد فوجئ بعدة أزمات إضافية تمثلت بنقص المتطلبات الأساسية كافة.

ويوضح عليان لـ"العربي الجديد" أنه كان يعمل سائقاً على سيارة أجرة لأحد أقاربه مقابل نسبة من الربح اليومي، فيما سلّم السيارة لصاحبها في الأيام الأولى للحرب بسبب عدم القدرة على الحركة في ظل الأوضاع الخطيرة، ويقول: "كنت أعتقد أنها أيام صعبة وتنقضي مثل جولات التصعيد السابقة، إلا أنها تضاعفت سوءاً منذ أكثر من عام".

ويلفت عليان إلى أنه توقف عن العمل لعدة أشهر بسبب النزوح المتكرر من منطقة إلى أخرى، إلا أن تزايد متطلبات أسرته اليومية وغلاء الأسعار دفعاه إلى البحث عن أي مصدر دخل مهما كان بسيطاً، إلى أن بدأ العمل على مقطورة خلف سيارة أجرة للمناداة على الركاب، وقد توقف مجدداً عن العمل بسبب نفاد الوقود والبدائل نتيجة الإغلاق التام للمعابر.

أما الفلسطيني محمود الجوجو، الذي يعمل في صالون حلاقة بمدينة غزة، فيقول إن الصالون أغلق أبوابه مع اندلاع الشرارة الأولى للحرب كما كان يفعل صاحبه في كل جولات التصعيد السابقة بسبب الأوضاع الخطيرة، وترافقها مع الانقطاع التام للتيار الكهربائي، ما تسبب بأزمة مادية صعبة، نظراً لاعتماده على اليومية في توفير قوت أسرته. ويلفت الجوجو لـ"العربي الجديد" إلى أنه لم يكن يعلم بأن هذا الإغلاق سيكون الأخير، حيث نزح صاحبه برفقة أسرته، فيما لحق به جراء اشتداد سوء الأوضاع الميدانية والمعيشية، ليبدأ فصولاً جديدة من المعاناة بسبب فقدان مصدر دخله وعدم امتلاكه أدوات العمل التي من شأنها فتح مجال جديد للعمل في تخصصه، ولو بإمكانات بسيطة.

ويوضح الجوجو أنه تنقل بين عدد من المهن المؤقتة التي لم يعمل بها سابقاً، في محاولة لتوفير مصدر دخل، حيث عمل على بسطة لبيع الخضار، وفي عتالة البضائع، إلا أنه فقد تلك المصادر غير الثابتة وغير المستقرة بفعل اعتمادها أساساً على توافر البضائع، حيث تسبب إغلاق المعابر بنفادها وقطع مصادر دخله المؤقتة مجدداً. ويقول: "لم يعد لي أي مصدر دخل، باستثناء بيع أو تبديل بعض المعلبات والمساعدات الغذائية البسيطة التي حصلت عليها خلال رحلة النزوح القاسية"، مبيناً أن مقايضة تلك المنتجات زهيدة الثمن لا تمكنه من توفير أدنى المتطلبات الأساسية لأسرته، في ظل تزايد الاحتياجات نظراً لطول أمد الحرب.

ولا تختلف صعوبة واقع عمال غزة عند الفلسطيني عرفات الأشرم ويعمل نادلاً في إحدى الاستراحات البحرية غربي مدينة غزة، حيث تعطلت عن العمل منذ بدء العدوان، فيما تعرضت مرافقها لعدة قذائف، وصولا إلى التدمير والتجريف مع بدء العملية الإسرائيلية البرية، ما أفقده خيط الأمل الأخير الذي يربطه بمكان عمله ومصدر دخله. ويوضح الأشرم لـ"العربي الجديد" أنه صرف مبلغاً من المال كان قد ادخره لتجهيز مولوده الثاني لشراء مستلزمات خيمة النزوح وبعض المتطلبات الأساسية، فيما بات يعتمد على المساعدات الإنسانية الشحيحة وتكايا الطعام لتوفير قوت أسرته الصغيرة بعد فشله في إيجاد فرصة عمل تمكنه من توفير مصدر دخل يساعده على مواجهة قساوة حياة النزوح ومتطلباتها المتزايدة.

وفي السياق، يشير الباحث الاقتصادي محمد أبو جياب إلى أنّ العدوان المتواصل تسبب بتعطيل نحو 93% من القطاعات الصناعية والتجارية والزراعية والسياحية، التي تضم مئات آلاف العمال، ومنهم عمال المياومة الذين يعتمدون على دخلهم اليومي لتوفير متطلبات عوائلهم، وقد أدت خسارتهم لمصادر دخلهم إلى تفاقم أوضاعهم المعيشية والمادية سوءاً.

ويشير أبو جياب لـ "العربي الجديد" إلى أن التأثيرات الكارثية الصعبة للحصار الإسرائيلي الذي سبق العدوان تسببت في زيادة نسب الفقر والبطالة، فيما جاءت الحرب لتضاعف تلك النسب، إذ أصبحت نسبة الفقر تتخطى 90% وفق بعض الإحصاءات، وذلك تزامناً مع شح المساعدات المادية والإنسانية والارتفاع المستمر والخيالي في الأسعار.
ويبيّن أبو جياب أن تلك الأزمات تترافق مع الإغلاق الإسرائيلي التام للمعابر، وتجفيف الأسواق من السلع الأساسية، ما تسبب بتضاعف أسعارها، علاوة على الاستهداف الإسرائيلي المباشر للأسواق والمحال التجارية والشركات، وتضييق الخناق على إمكانية عودتها للعمل في القريب العاجل من خلال مواصلة الإغلاق والاستهداف، الأمر الذي من شأنه إطالة مدة تعافي الاقتصاد الفلسطيني بمختلف قطاعاته.

ويسعى معظم عمال غزة المياومون لتوفير حلول مؤقتة وإن كانت غير مجدية، في محاولة لمساعدتهم على الإيفاء بمتطلبات أسرهم النازحة وتزاحم الأعباء عليهم، حيث اتجه البعض لبيع المساعدات البسيطة التي يحصل عليها واستبدالها بمنتجات أكثر أهمية وحاجة، أو الاصطفاف في طوابير طوال للحصول على ماء الشرب، أو ماء الاستخدام اليومي، أو تكايا الطعام المجانية.

ويتسبب طول أمد العدوان ودخوله الشهر الخامس عشر على التوالي دون أية هدن إنسانية تمكن الفلسطينيين من التقاط أنفاسهم بتفاقم الوضع الإنساني والمعيشي لمختلف شرائح أهالي قطاع غزة، حيث طاولت العقوبات الإسرائيلية الجميع بلا استثناء من خلال مسح مربعات سكنية بأكملها، وقصف ما يزيد على 70% من المباني والمنشآت التي تضم الشركات والمنشآت الاقتصادية والمصانع والمحال التجارية والمرافق السياحية، التي تعيل بمجملها مئات الآلاف من عمال المياومة.

وأفرزت الأزمات المعيشية مساحة واسعة لعمال غزة المياومين الذين يعتمدون على عملهم اليومي في توفير قوت أسرهم، فيما حرمهم تدمير الأماكن التي كانوا يعملون فيها مصادر دخلهم، في الوقت الذي لم تسعفهم الأزمات السابقة التي عصفت بقطاع غزة جراء الآثار الكارثية للحصار الإسرائيلي المتواصل منذ تسعة عشر عاماً من ادخار أي مبلغ مالي من شأنه أن يخفف من وطأة الأزمات المتلاحقة والمتزايدة على مدار الوقت.

ولا تكاد تتوقف الأزمات التي تواجه العمال الفلسطينيين، والتي تتدحرج وتتعاظم من مرور الوقت ككرة الثلج، بفعل الأعباء المادية المترافقة مع نفاد المتطلبات الأساسية، وسط النقص الحاد في المساعدات الإنسانية، والغلاء الجنوني في أسعار مختلف البضائع والمواد الغذائية، الأمر الذي يبقيهم في حالة من العوز الدائم.

المساهمون