عودة السوريين إلى بلدهم تهدد بمضاعفة أزمات الاقتصاد الألماني

16 ديسمبر 2024
آلاف السوريين يحتفلون في دمشق بسقوط نظام الأسد، 13 ديسمبر 2024 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعتمد ألمانيا بشكل كبير على العمالة السورية، خاصة في قطاع الرعاية الصحية، حيث يعمل أكثر من 6,000 طبيب سوري. وتؤكد وزيرة الداخلية الألمانية على ضرورة شعور السوريين بالأمان في ألمانيا.

- يعارض قادة الأعمال والنقابات إعادة السوريين إلى بلادهم، مشيرين إلى أهمية العمالة السورية في قطاعات مثل النقل العام والشركات الخاصة، حيث تم استثمار الكثير في تدريبهم.

- علّق المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا البت في طلبات اللجوء السورية، بينما دعا بعض السياسيين إلى تقديم حوافز مالية للراغبين في العودة.

أبدت السلطات الألمانية قلقها المتزايد بشأن مغادرة اللاجئين السوريين وعودتهم إلى سورية بعد إطاحة نظام بشار الأسد، بينما دعم عدد من قادة الأعمال والنقابات في ألمانيا التوجه للإبقاء على العمالة السورية في البلاد.

ويعتمد الاقتصاد الألماني بشكل كبير على السوريين في العديد من قطاعاته، إذ يتجاوز عددهم مليون شخص، ونجح أغلبهم في الاندماج جيداً في المجتمع الألماني. ووفقاً لتقرير لموقع schengen.news، المتخصص في تقديم الأخبار المتعلقة بمنطقة شنغن والاتحاد الأوروبي، ففي حال ازداد عدد السوريين العائدين إلى وطنهم، سيكون نظام الرعاية الصحية في ألمانيا من أكثر القطاعات تأثراً.

وأشارت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، إلى أنه بغض النظر عن التطورات الأخيرة، يجب أن يشعر السوريون وغيرهم من المهاجرين في ألمانيا بالأمان، إذ لن تتم إعادتهم إلى أوطانهم إلا إذا كانوا يرغبون بذلك.

وتأتي تلك الأحداث في وقت وصفت فيه "بلومبيرغ" الأوضاع الاقتصادية في ألمانيا بـ"الأسوأ" منذ إعادة توحيد ألمانيا في عام 1990. وارتبط الخوف من إعادة السوريين بالتصريحات الأخيرة لقادة الاتحاد الأوروبي، التي أشارت إلى ضرورة إعادتهم إلى بلادهم، وجاء أبرزها من اليونان، فقد أشار بافلوس ماريناكيس، المتحدث باسم الحكومة اليونانية، إلى أن التطورات الجديدة يجب أن "تمثل نهاية تدفق اللاجئين من هذا البلد".

وحذرت الوزيرة فيزر من أن مغادرة السوريين لألمانيا يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على سوق العمل، مع التركيز على قطاع الصحة. ووفقاً لوزير الصحة الألماني، هناك أكثر من 6,000 طبيب سوري يعملون في النظام الصحي الألماني، وتُعتبر مساهمتهم ذات قيمة عالية.

وتُشير التقديرات إلى أن إجمالي عدد السوريين الذين يعملون ويدفعون الضرائب في ألمانيا يبلغ حالياً 236,000 شخص، ويُعد ما يقرب من ثلثيهم عمالاً أساسيين. وكشفت الجمعية الفيدرالية للأطباء في ألمانيا (Bundesärztekammer) أنه في نهاية عام 2023، كان هناك 5,758 طبيباً سورياً يعملون في ألمانيا، معظمهم (5,000 طبيب) في المستشفيات الألمانية.

نحن لسنا مجرد عمال وأرقام في سوق العمل. نحن مواطنون بنينا حياة هنا بجهد كبير. هذا الجانب تم تجاهله تماماً من السياسيين والصحافة الألمانية.
— فيصل شهدا، رئيس جمعية الأطباء والصيادلة السوريين

ويفكر العديد من السوريين بجدية في العودة إلى وطنهم، إذ وفقاً لمسح أُجري بين الأطباء السوريين في ألمانيا، أبدى 941 من أصل 1,238 مستجيباً، أي ما يعادل ثلاثة أرباع (76%) من إجمالي المشاركين، رغبتهم في العودة إلى سورية بعد سقوط الأسد. ومع ذلك، أشار فيصل شهدا، رئيس جمعية الأطباء والصيادلة السوريين في ألمانيا، في تصريح لموقع InfoMigrants، إلى أن تصوير العمال المهرة السوريين في ألمانيا ليس عادلاً.

وقال شهدا: "نحن لسنا مجرد عمال وأرقام في سوق العمل. نحن مواطنون بنينا حياة هنا بجهد كبير. هذا الجانب تم تجاهله تماماً من السياسيين والصحافة الألمانية".

ووفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، عاد نحو 34,000 لاجئ سوري إلى وطنهم خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2024، مما يمثل زيادة مقارنة بالبيانات خلال نفس الفترة من العام الماضي.

وفي السياق، ورداً على اقتراح سياسي محافظ بإعادة السوريين إلى بلادهم بعد إطاحة نظام بشار الأسد، أعرب عدد من قادة الأعمال والنقابات في ألمانيا، خلال عطلة نهاية الأسبوع، عن دعمهم للإبقاء على العمالة السورية في البلاد.

وقال إنغو فورتمن، رئيس اتحاد شركات النقل الألمانية (VDV)، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية (dpa): "لا يمكننا الاستغناء عنهم في العديد من المجالات"، مشيراً إلى أن قرابة 2000 سوري يعملون في قطاع النقل العام في البلاد. وأضاف: "بدونهم، ستزداد حدة النقص الحالي، إذ تواجه معظم المدن الألمانية الكبرى بالفعل نقصاً في السائقين، وتنتشر في الشوارع لافتات تدعو الأشخاص للتقدم للعمل في قطاع النقل العام".

عمالة السوريين في الشركات الخاصة.

وأعرب ممثلو قطاع الأعمال عن رفضهم لإعادة العمالة السورية إلى بلدهم، وانتقدوا الدعوات التي تطالب بوقف قبول المزيد منهم، وهو اقتراح طرحته السياسية المحافظة في حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي (CSU)، أندريا ليندهولتز.

إجمالي عدد السوريين الذين يعملون ويدفعون الضرائب في ألمانيا يبلغ حالياً 236,000 شخص، ويُعد ما يقرب من ثلثيهم عمالاً أساسيين 

وقالت ماري-كريستين أوسترمَن، رئيسة اتحاد الشركات العائلية، لصحيفة "فرانكفورتر ألجماينه زونتاج تسايتونغ": "نعتمد على العمالة المؤهلة والمندمجة جيداً". وأضافت أن العديد من الشركات استثمرت في تدريب وتعليم العمالة السورية لتعويض النقص في العمالة الماهرة وغير الماهرة. وأوضحت: "لا ينبغي بعد ذلك أن يتم ترحيلهم".

من جهته، صرح مارك تينبيغ، عضو مجلس إدارة جمعية الشركات الصغيرة والمتوسطة الألمانية، للصحيفة بأن الشركات الصغيرة والمتوسطة "ستفتقد بشدة العمالة السورية". وأضاف: "لا يمكن للشركات المتوسطة الحجم الاستغناء عن العمال المستعدين للعمل. لذلك، نرفض أي قرارات متسرعة بشأن إمكانية إعادة السوريين إلى بلادهم".

وقال فرانك ويرنيكه، رئيس نقابة "فيردي": "سواء كان ذلك في الرعاية الصحية أو المستشفيات أو خدمات البريد والشحن أو التسوق عبر الإنترنت أو العديد من المهن الأخرى. في أماكن عديدة، تساهم العمالة السورية الوافدة إلى هنا في الحفاظ على سير الحياة اليومية في هذا البلد".

وأكدت كريستيان بينر، رئيسة نقابة "آي جي ميتال"، للصحيفة: "نحتاج إلى العمالة الماهرة والعادية من الخارج".

وبحسب وزارة الداخلية، هناك نحو 975 ألف سوري يقيمون حالياً في ألمانيا. وقرر المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF) يوم الاثنين الماضي تعليق البت في طلبات اللجوء المقدمة من السوريين، بسبب التغيرات في الوضع داخل سورية، على الأقل في الوقت الراهن.

ويوم الاثنين، دعا ينس شبان، وزير الصحة السابق، إلى استئجار طائرات خاصة لإعادة السوريين الذين فروا من نظام بشار الأسد إلى بلادهم، مع تقديم حوافز مالية لتشجيعهم على العودة. وقال شبان لمحطة RTL/ntv: "كخطوة أولى، يمكن للحكومة الألمانية أن تعلن: من يريد العودة إلى سورية، سنوفر لهم الطائرات وندفع لهم مبلغاً ابتدائياً قدره 1000 يورو".

وانتقد دينيس رادتكه، رئيس جناح العمال في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، اقتراح شبان، مشيراً إلى أنه "لأسباب إنسانية ومن منظور اقتصادي، ينبغي ألّا نوزع تذاكر العودة بتسرع".

وعلى الرغم من ذلك، هناك فئة واحدة من السوريين يُطلب منهم عدم التقدم لدخول البلاد، وهم مجرمو الحرب. وحذرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك ووزيرة الداخلية نانسي فيزر، اليوم الأحد، جميع مؤيدي عائلة الأسد من محاولة الاختباء في ألمانيا.

وقالت بيربوك: "أي شخص من جلادي الأسد يفكر في الفرار إلى ألمانيا، أقولها بوضوح: سنحاسب جميع أتباع النظام بأقصى ما نملك من القانون على جرائمهم المروعة". وأكدت ضرورة تعاون الأجهزة الأمنية والاستخبارات الدولية بشكل وثيق.

وبعد إطاحة النظام السوري سيء السمعة، تولى تحالف من فصائل المعارضة، بقيادة إسلاميين، السلطة، بينما فر الأسد مع عائلته إلى روسيا. وخلال فترة حكمه، احتُجز عشرات الآلاف بشكل غير قانوني وتعرضوا للقمع والتعذيب والقتل.

وشددت فيزر على وجود عمليات تفتيش أمني على كل الحدود، قائلة: "نحن متيقظون للغاية. إذا حاول أعوان نظام الأسد الإرهابي الفرار إلى ألمانيا، فيجب أن يعلموا أن قلة من الدول تطارد جرائمهم بصرامة مثل ألمانيا. هذا يجب أن يردعهم عن المحاولة".

المساهمون