عودة شبح المجاعة شمالي غزة بعد انفراجة مؤقتة

31 مايو 2024
فلسطينيون يُخرجون خبزاً من أنقاض منزل دمره الاحتلال (سعيد خطيب/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- نحو 700 ألف فلسطيني في شمال غزة يواجهون خطر المجاعة، وأكثر من 1.5 مليون في المناطق الوسطى والجنوبية يخشون من نقص السلع بسبب الإغلاق الإسرائيلي.
- العدوان الإسرائيلي المستمر لأكثر من 238 يوماً أدى لاستشهاد وإصابة الآلاف، معظمهم من الأطفال والنساء، مما ينذر بعودة خطر المجاعة.
- الوضع الاقتصادي المتدهور وارتفاع أسعار السلع يفاقم معاناة الفلسطينيين، مع تحذيرات دولية من مجاعة حقيقية إذا استمر الإغلاق الإسرائيلي للمعابر.

 

يُطارد شبح المجاعة نحو 700 ألف فلسطيني شمالي قطاع غزة، فيما يتخوف ما يزيد على 1.5 مليون فلسطيني في المناطق الوسطى والجنوبية من النقص المُتزايد في السلع والمواد الغذائية، جراء الإغلاق الإسرائيلي للمعابر، ومنع دخول المواد الأساسية.

تفتقر أسواق المُحافظات الشمالية لقطاع غزة إلى مُختلف أصناف المواد الغذائية الأساسية، والبقوليات، والخضروات واللحوم، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان تفاصيل المجاعة التي أدت إلى استشهاد 31 فلسطينياً نتيجة سوء التغذية، ونفاد المواد الغذائية، والماء.

ومع دخول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يومه الـ 238، الذي أدى إلى استشهاد وفقدان ما يزيد على 46 ألف فلسطيني، وإصابة 81 ألفاً بجراح مُختلفة، 71% منهم من الأطفال والنساء، بدأت ملامح المجاعة تتجسد على أرض الواقع، بعد انفراجة بسيطة شهدها أهالي شمالي القطاع، لكنها انتهت بالإغلاق التام للمعابر، قبل أن تؤثر إيجاباً في الواقع الإنساني.


شبح المجاعة


لم يُدخِل الاحتلال الإسرائيلي الشاحنات المُحملة بالبضائع والمواد الغذائية إلى مُحافظتي غزة والشمال مُنذ قرابة شهر، الأمر الذي يُنذر بعودة خطر المجاعة لتهديد مئات آلاف الفلسطينيين الذين يُعانون تفاصيل المأساة الحقيقية جراء تواصل العدوان الإسرائيلي مُنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

ويقول الفلسطيني هاني اشريم، وهو من سُكان حي الشيخ رضوان شمالي مدينة غزة، إن أسواق القطاع تُعاني شُحاً كبيراً في مُختلف الأصناف، وفي مقدمتها أنواع الخضروات والفواكه، كذلك الدواجن، أو البيض، أو اللحوم، بعد فترة قصيرة من توافرها لمُدة محدودة، "اختفت غالبية السلع مُجدداً".
ويلفت اشريم في حديثه مع "العربي الجديد" إلى أن حالة الأسواق في مدينة غزة غير مستقرة، مضيفاً أن "هناك نُدرة كبيرة في البضائع، التي ارتفعت أسعارها بشكل خيالي، كذلك في المُعلبات التي ارتفع ثمنها ما يزيد على خمسة أضعاف، في ظل القدرة الشرائية المعدومة لدى المواطنين الذين انهكتهم مُجريات العدوان".

ولم يُخفِ الفلسطيني إبراهيم جمال انزعاجه من الوضع العام للأسواق العشوائية وغير المنتظمة في كل شيء، سواء في البضائع المعروضة، أو الأسعار، ويقول: "نستيقظ في كل يوم على واقع مُختلف، وأشد سوءاً من اليوم الذي يسبقه بسبب تحكم الاحتلال الإسرائيلي في فتح المعابر وإغلاقها، أو في دخول البضائع من عدمه".
ويُبين جمال لـ"العربي الجديد" أن الأسر الفلسطينية في مدينة غزة لم تعد تُقرر الطبخة التي يودون طهوها، بل تُحدد الأسواق طبيعة تلك الطبخة وفقاً للأصناف المتوافرة، إلا أن "الشُّح الكبير في الخضروات والمواد الغذائية بدأ يقلقنا، ويعيد إلى أذهاننا قساوة المجاعة التي عشناها، ويبدو أننا لم ننجُ منها بعد".

ويوضح جمال الذي يعيل أسرة مكونة من خمسة أفراد الاختلاف الكبير في أسعار بعض الخضروات والمواد الغذائية، إذ ارتفع سعر كيلو السكر من 3 شيكل إسرائيلي إلى ما يزيد على 50 شيكلاً، فيما وصل سعر الكيلو الواحد للبصل إلى قرابة 80 شيكلاً، وسعر كيلو الطماطم إلى 60 شيكلاً، وارتفع سعر اللحوم المُعلبة من 2 شيكل إلى 10 شواكل، وسعر علبة الفول من 3 شواكل إلى 15 شيكلاً. (الدولار الأميركي يساوي 3.67 شواكل).


نفاد البضائع يفاقم المجاعة


أما الفلسطينية سماح أبو العيس، فتوضح لـ"العربي الجديد" أن ترافق نفاد البضائع من الأسواق مع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية المتوافرة، في ظل الحالة الاقتصادية المعدومة يسبب تضاعف مُعاناة الفلسطينيين، الذين يتعرضون لأبشع حرب إبادة عرفتها البشرية.

وتوضح أبو العيس التي بدا الإرهاق واضحاً على ملامحها وهي تتجول في سوق الصحابة الشعبي شرقي مدينة غزة أن أسرتها تعاني من صعوبة بالغة في الحصول على كل شيء، في ظل نفاد المواد الغذائية، والماء الصالح للشرب، أو الاستخدام الآدمي، وتضيف: "نوزع الأدوار فيما بيننا، لتوفير الماء والغذاء في ظل حالة الشح الشديد والمتزايد".
وتتفاقم الأزمة الإنسانية ويسود القلق من عودة شبح المجاعة إلى مدينة غزة وشمال القطاع تحديداً، في الوقت الذي تتواصل العملية العسكرية الإسرائيلية في مدينة رفح جنوبيّ القطاع، مُنذ السابع من مايو/ أيار الجاري، وهو التاريخ الذي سيطرت فيه قوات الاحتلال على معبر رفح الحدودي، ما أدى إلى إغلاقه، ومنع دخول البضائع والمُساعدات من معبر كرم ابو سالم مُنذ ما يزيد على ثلاثة أسابيع.

ويتزامن استنفاد أسواق شمال قطاع غزة للبضائع والمواد الغذائية، مع الارتفاع الخيالي في أسعار البضائع المتوافرة بكميات محدودة للغاية مع أزمة مالية خانقة، وانعدام في القدرة الشرائية عند المواطنين الذين يعانون كذلك من شبح الفقر بسبب إغلاق فروع البنوك، وعدم القدرة على صرف رواتبهم أو توفير السيولة التي تُمكنهم من شراء أدنى مُتطلباتهم المعيشية.

في الإطار، حذر المكتب الإعلامي الحكومي من عودة خطر المجاعة إلى غزة والشمال، وتفاقم أزمة الأمن الغذائي في المحافظات الوسطى والجنوبية لقطاع غزة، بعد نزوح عشرات الآلاف من مدينة رفح، في الوقت الذي يشهد ضعفاً في جهود الإغاثة، إذ دخل نحو 100 شاحنة فقط عبر الرصيف البحري العائم الذي أنشأته الولايات المُتحدة، بينما لم يدخل مُحافظتي غزة والشمال الأسبوع الماضي سوى 214 شاحنة، نصفها طحين، وست شاحنات أدوية، وهي كميات لا تكفي ليوم واحد.

وطالب الإعلام الحكومي في بيان بانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من معبر رفح، على اعتبار أن المعابر البرية هي الأكثر فاعلية وجدوى لإدخال المُساعدات والمواد الغذائية والبضائع، داعياً المُجتمع الدولي إلى الضغط على الاحتلال الإسرائيلي للسماح بدخول المُساعدات عبر معبري رفح وكرم أبو سالم، كذلك تفعيل معابر بيت حانون والشجاعية والمنطار، منعاً لخطر المجاعة وسوء التغذية. 

وحذرت مجموعة من المؤسسات المحلية والدولية والأممية ومسؤولون من مجاعة حقيقية في قطاع غزة في حال عدم رفع الاحتلال الإسرائيلي يده عن المعابر، التي تعتبر شريان الحياة الرئيسي للفلسطينيين، وسماحه بدخول المُساعدات الإنسانية، والمواد الغذائية والأدوية والوقود الذي يتيح عودة الخدمات الأساسية والحيوية للفلسطينيين في مجالات توفير المياه النظيفة، والرعاية الصحية، وجهود مكافحة سوء التغذية.

المساهمون