خسائر متوالية يُكبدها قطاع الطيران المدني لموازنة سلطنة عُمان منذ عام 2015 وحتى 2022، والتي تفاقمت جراء تداعيات جائحة كورونا وتأثيرها الخطيرة على حركة السفر وأنشطة السياحة.
وبدا أن شركة الطيران العُمانية لم تستطع التعافي منها بشكل كامل، كما جرى بشركات الطيران في دول الخليج الأخرى، خاصة السعودية والإمارات وقطر.
فالشركة الحكومية سجلت خسائر بلغت 415 مليون ريال عُماني (1.08 مليار دولار) في عام 2020، بزيادة 360% عن عام 2019، وشهد منحنى الخسائر تراجعاً حتى عام 2022 بنسبة بلغت 35%، لكن دون نهاية لاستمرار الخسائر، حسب بيانات رسمية.
وتؤثر تلك الخسائر على ميزانية السلطنة بشكل كبير، خاصة أن قطاع الطيران المدني يشكّل أحد المصادر المهمة للإيرادات غير النفطية، ويسهم في دعم قطاعات أخرى مثل السياحة والتجارة والصناعة، إذ اضطرت الحكومة إلى تقديم دعم مالي لشركة الطيران الوطنية لتجاوز أزمة الجائحة، ما أضاف عبئاً على حجم العجز المالي، حسب تقرير نشرته مؤخرا صحيفة "تايمز أوف عُمان".
وأشارت الصحيفة العُمانية، الصادرة باللغة الإنكليزية، إلى أن تدهور أداء شركة الطيران العُمانية يتسبب في خفض التوظيف والاستثمار في قطاع الطيران المدني بوجه عام، ما يؤثر سلباً على التنمية الاقتصادية للسلطنة.
غياب الاستراتيجيات
يلفت الخبير الاقتصادي اللبناني حسام عجاقة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن خسائر قطاع الطيران المدني بسلطنة عُمان بلغت 3.4 مليارات دولار في الفترة بين عامي 2015 و2019، وهي الخسائر التي تفاقمت بعد جائحة كورونا.
ويؤكد عجاقة أن شركة الطيران العُمانية تفتقر إلى وجود استراتيجيات واضحة في ظل المنافسة القوية مع شركات الطيران الخليجية الأخرى.
ومن شأن استمرار الوضع الحالي للشركة استنزاف الموازنة العامة لعُمان، مقابل تحقيق شركات الطيران الخليجية الأخرى أرباحاً لموازنات دولها، خاصة السعودية وقطر والإمارات، ما يفرض وضع استراتيجيات واضحة تخص أسلوب الإدارة وشراء الطائرات وغيرها من التفاصيل التي تمثل أهمية خاصة لوقف الهدر المالي بالسلطنة، حسب عجاقة.
ويحتاج وضع الاستراتيجيات إلى خبرة فنية تبدو ملامحها ماثلة في قرار سلطان عُمان، هيثم بن طارق، بإسناد إدارة الشركة إلى وزير النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، سعيد بن حمود المعولي، وتوجيهه بالاستعانة باستشاري أجنبي على مستوى عالمي لحل إشكال قطاع الطيران واستنزافه المزمن موازنة السلطنة.
لكن عجاقة يتوقع ألا يظهر المردود الإيجابي للإجراءات الإصلاحية بقطاع الطيران المدني في عُمان قبل سنوات.
آفات الملكية العامة
يشير الخبير الاقتصادي، حسام عايش، إلى أن خسائر قطاع الطيران المدني ليست مشكلة خاصة بسلطنة عُمان فقط، بل بعديد من الدول حول العالم، خاصة تلك التي تتملك فيها الحكومات شركات الطيران الوطنية، إذ كثيراً ما يضربها التسيب الإداري وشبهات الفساد وإهدار الأموال، وغيرها من آفات إدارة الملكية العامة، حسبما صرّح لـ"العربي الجديد".
ويوضح عايش أن الخسائر تعود إلى شراء طائرات بأعداد أكبر من حاجة شركات الطيران، أو التوجه إلى خطوط نقل جوي قد لا تكون هناك جدوى اقتصادية منها، مشيراً إلى أن الطيران الوطني العُماني نادراً ما يحقق أرباحاً، وفي كثير من محطاته تمت إدارته بطريقة التوريث العائلي لمواقع الإدارة.
ولأن عُمان تواجه عجزاً بالموازنة العامة وتحديات تواجه الإنفاق العام، فإن خسائر شركة الخطوط الجوية الوطنية تجعل قطاع الطيران المدني عبئاً على الحكومة، باعتباره أحد مصادر الهدر المالي بالسلطنة، حسبما يرى عايش.
ومن هذا المنطلق، أصبحت الحاجة ملحة إلى مراجعة جدول رحلات الطيران الخاصة بالخطوط العُمانية واستبعاد غير المجدي اقتصادياً منها، حسب عايش، إضافة إلى الإعداد لخصخصة هذا القطاع، في إطار سياسة التخارج الحكومي من شركات خاسرة، وتحويلها إلى رابحة عبر خصخصتها.
وإلى حين المضي قدماً في عملية الخصخصة، يرى عايش ضرورة إعادة تقييم العملية الإدارية بالخطوط العُمانية، خاصة أن سلطنة عُمان لا تزال تعاني من عبء أقساط وفوائد ديون تقدر بنحو 46 مليار دولار، والذي يلتهم جزءاً معتبراً من عائدات النفط والغاز حالياً.
ويحذر الخبير الاقتصادي من استخدام "التنويع الاقتصادي" كتوجه عام في سلطنة عُمان كذريعة لاستمرار خسائر قطاع الطيران المدني، واصفاً ذلك بأنه أحد أشكال المخالفات التي تؤثر في النهاية على أداء الحكومة وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها.
كما يشير عايش إلى أن حكومة السلطنة لم يعد لديها رفاهية التأخر في معالجة وضع قطاع الطيران المدني، خاصة في ظل المنافسة الشرسة من شركات الطيران في دول خليجية أخرى، والتطوير الكبير للمطارات فيها.