لم تتردد الرئاسة البرازيلية التي استضافت في الأسبوع الماضي اجتماع كبار مسؤولي المال في مجموعة العشرين، في دعوة الاقتصادي الفرنسي، غابرييل زوكمان Gabriel Zucman المتخصص في الفوارق والملاذات الجبائية والداعي لفرض ضريبة على الثروة، إلى ذلك الحدث للتحدث عن فضائل سن ضريبة تصيب الثروات الكبيرة.
وطرحت مسألة فرض ضريبة على الثروات الكبيرة في العديد من المناسبات من قبل اقتصاديين بارزين ومؤسسات تعنى بالفوارق، غير أنه لأول مرة يثار هذا الموضوع في قمة يشارك فيها كبار العالم، علما أن مجلة فوربس أحصت حوالي 2700 ملياردير عبر العالم.
ويدافع الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، الذي يرأس بلده منتدى مجموعة العشرين هذا العام، عن فرض حد أدنى من الضريبة على ثروات المليارديرات، حيث يعتبر أن محاربة الفوارق بين البلدان الغنية والسائرة في طريقة النمو يمر عبر ضريبة أكثر عدالة.
ولفت الاقتصادي الفرنسي الانتباه إليه بمؤلفاته حول الفوارق الجبائىة في الولايات المتحدة، التي أهلته لأن يهمس في أذن اليسار الأميركي، حيث كان من الذين يستشيرهم فريق عضو مجلس الشيوخ الأميركي بيرني ساندرز، بل إن هناك من وصفه بـ"محقق الأموال المخفية".
يؤكد زوكمان أستاذ الاقتصاد بجامعة باريس وجامعة بركلي بكاليفورنيا، أن التهرب الضريبي للشركات متعددة الجنسيات يمثل 1000 مليار دولار من الأرباح المحققة في الحصيلة الجبائية ويذهب إلى أن تقدما حدث في محاربة التهريب، إلا أنه ينبه إلى خيبات كبيرة متمثلة في تهرب الشركات متعددة الشركات وعدم الحصول على الضرائب كاملة من المليارديرات.
ويلاحظ أن المليارديرات يؤدون رسم ضريبة بين 0 و0.5 في المائة من ثرواثهم، معتبرا أن ذلك عائد إلى استعمال شركات وهمية، مقترحا في الوقت نفسه تطبيق ضريبة بنسبة 2 في المائة على أصول أقل من ثلاثة آلاف ملياردير عبر العالم، حيث سيجلب ذلك 250 مليار دولار.
يسجّل أن معدل جمع ضرائب المليارديرات في العام يظل أقل من 0.5 في المائة، ويؤكد أن التهرب الجبائي ليس قدرا، حيث يرى أن التبادل الأتوماتيكي للبيانات بين الدول يمكن أن يفضح إخفاء الأصول من قبل الأكثر ثراء.
يتميز زوكمان بمعية الاقتصاديين إيمانويل سايز ولوكاس سانشيل وطوماما بيكوتي، بتركيز أبحاثهم على القضايا المرتبطة بالفوارق، فقد تجلى اشتغاله بتوزيع الثروات أكثر في رسالة الدكتوراة، التي أنجزها تحت إشراف الاقتصادي طوما بيكوتي.
لقد انشغل زوكمان البالغ من العمر 36 عاما بقياس التهريب الضريبي. كان ذلك تحديا كبيرا بالنسبة لباحث اقتصادي، فهو حرص على إبراز أن الأصول المالية التي يصرح بها في بلدان غربية، تقدم بقيمة لا تعكس حقيقتها، ما يدفعه إلى التوصل إلى أن البلدان الغنية هي أكثر غنى مما يعتقد، لأنها أضحت فراديس (ملاذات) جبائية.
قبل سبعة أعوام نشر كتاب "الثروة المخفية للأمم" الذي ترجم إلى سبع عشرة لغة، حيث اهتم بالفراديس الجبائية، ويوضح أن 8 في المائة من الثروة العالمية توجد بالمناطق الحرة، ذلك أهله لأن يكون في 2018 عضوا في اللجنة التنفيذية التي أشرفت على تقرير الفوارق العالمية. يُبرز أن 0.01 في المائة من الأسر الأكثر ثراء تتمكن من تفادي 25 في المائة في المتوسط من الضرائب التي تفرض عليها، كما تمكن من إثبات أن 36 في المائة من الأرباح التي تحققها في المتوسط الشركات متعددة الجنسيات توجه إلى الفراديس الجبائية.
في الكتاب الذي ألفه بمعية زميله بجامعة بيركلي الاقتصادي إيمانويل سايز "انتصار عدم الإنصاف... الثروة والتهرب الضريبي والديمقراطية"، يجري التشديد على أن اللامساواة الجبائىة تمثل خطرا على الديمقراطية والعولمة.
يعتبر زوكمان أنه إذا كانت العولمة تعني ضرائب أقل للأثرياء والشركات متعددة الجنسيات وضرائب أعلى للذين لا يستفيدون حاليا من ثمار العولمة، خاصة المتقاعدين والشركات الصغيرة، فلن تعدو أن تكون نوعا من الاحتيال.
ويتصور مدير الدراسات بالمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية، ومدرسة الاقتصاد بباريس، طوما بيكوتي، أن كتابات زوكمان تبرز أهمية التهرب الضريبي للأكثر ثراء، بما في ذلك البلدان الإسكندنافية، التي تعتبر نموذجا للفضيلة.
في مايو/أيار الماضي، منحته الجمعية الأميركية للاقتصاد، أهم منظمة مهنية للاقتصاديين بالولايات المتحدة وسام جون بايتس كلارك، حيث استحقه بفضل أبحاثه حول تركيز الثروات والتهرب الضريبي. هذه الجائزة تحمل اسم الاقتصادي الأميركي جون بايتس كلارك، وتمنح منذ منتصف القرن الماضي للاقتصاديين الواعدين الذين لم يبلغوا من العمر أربعين عاما. وهي من بين أهم الجوائز التي فاز بها اقتصاديون أصبح لهم شأن كبير في ذلك التخصص مثل جوزيف ستغليتز أو بول كروغمان.