لم يفق المواطن السوداني من أزمة رفع الدعم عن الوقود، حتى فوجئ باتجاه الحكومة نحو تحرير سعر الدواء. ودفعت الإمدادات الطبية السودانية (مؤسسة حكومية) بمسودة إلى الجهات الحكومية لتحرير ورفع تسعيرة دولار استيراد الدواء من 18 إلى 55 جنيهاً (الدولار = نحو 55 جنيهاً)، في وقت تعاني فيه البلاد والمرضى من أزمة ندرة وارتفاع لأسعار الدواء والمستلزمات الطبية.
ويروي صيادلة مأساة انقطاع الدواء، خاصة طيلة عام 2020، إذ لم يدخل إلى البلاد أي دواء يذكر سوى المهرب عبر تجار الشنطة.
عضو تجمع الصيادلة المهنيين، عوض عبد المنعم، توقع ارتفاع أسعار إلى 300% حال تم اعتماد المقترح، رغم أنه ما زال قيد الدراسة، وقال لـ"العربي الجديد": إلى الآن لم يصدر قرار رسمي بهذا الشأن.
الصيدلي محمد عبد القادر القاسم، قال لـ"العربي الجديد" إن مشكلة ندرة وغلاء الدواء تكمن في عدم توفر الدولار والسبب في ذلك عدم مقدرة الدولة علي توفيره لذا يقوم المستوردون بشراء الدولار من السوق السوداء، وعلى ضوء ذلك يتم استيراد الدواء ليفاجأوا بأن إدارة الأدوية والسموم تقيمه بالتسعيرة القديمة.
وأشار إلى أن بعض ضعاف النفوس يتاجرون بأرواح الناس ويجلبون دواء بطرق غير رسمية يتعرض فيها لدرجات حرارة عالية وليست عليه رقابة، ما يهدّد صحة السودانيين.
من جانبه، أكد الناطق الرسمي باسم غرفة مستوردي الأدوية، يوسف كشاك، أن حقيقة الأمر ترجع إلى عدم قدرة الدولة على حسم السياسات المالية، خاصة شحّ الدولار، كما أن شركات الأدوية الخارجية أوقفت حصص صندوق القومي للإمدادات الطبية، ورهنت استئناف التعامل معه بسداد الديون التي تزيد عن 100 مليون دولار.
وأضاف كشاك لـ"العربي الجديد" أن سوق الدواء العالمي تحكمه الثقة بين شركات الأدوية والدولة في التزامها بالسداد، ما خلق الأزمة الحالية التي يعاني منها المواطن، مقدراً حاجة البلاد من الاستهلاك اليومي للدواء في الوضع الصحي الطبيعي من غير ظهور الأوبئة بما تتراوح ما بين 1.5 مليون ومليوني دولار.
وقال إن نسبة وفرة بعض الأدوية بالبلاد أقل من 5%، مضيفاً أن شركات الأدوية المستوردة دفعت لوزارة المالية مبلغ 30 مليون دولار بسعر بنك السودان المركزي (55 جنيهاً)، لكن المالية لم تسلم الشركات الدولار حتى الآن على الرغم من حاجة البلاد الماسة للأدوية.
رئيس اللجنة التسييرية لأصحاب الصيدليات، محمد جمال، عبّر عن رفضهم تحرير أسعار الدواء، وقال إن حل مشكلة الدواء تحت رحمة الحكومة بتوفير 10% من حصائل الصادرات لقطاع الدواء، مؤكداً توقف استيراد الأدوية منذ بداية العام الحالي وأن غالبية الأدوية المتوفرة حالياً وصلت إلى الصيدليات عن طريق التهريب لا عن طريق وكلاء الشركات.
وأشار إلى الانعدام التام لأدوية المضادات الحيوية والأمراض النفسية بسبب إغلاق الشركات التي كانت تستوردها وتسريح موظفيها بسبب عدم توفر دولار الاستيراد.
وبدأت الحكومة السودانية في اتخاذ إجراءات قاسية من أجل إصلاح الاقتصاد كان آخرها قرار رفع أسعار المشتقات البترولية بموجب سياسة جديدة قررت الحكومة تطبيقها بتحرير أسعار كل من البنزين والغازولين.
وبموجب القرار الصادر الأسبوع الماضي، والذي تلاه وزير الطاقة والتعدين خيري عبد الرحمن، في مؤتمر صحافي، ارتفع سعر ليتر البنزين من 28 جنيهاً إلى 120، بينما ارتفع سعر ليتر الغازولين من 23 جنيهاً إلى 106، على أن يباع بتلك الأسعار في 14 شركة بترول، فيما تبيع بقية الشركات بسعر 56 جنيهاً لليتر البنزين و46 لليتر الغازولين.
رئيس لجنة الاقتصاد بحماية المستهلك، حسين القوني، قال لـ"العربي الجديد" إنه رغم اتباع الدولة سياسة التحرير فإن الدواء له خصوصية يجب أن توليها الاهتمام وتعمل على توفيره بكل الوسائل خاصة الأدوية المنقذة للحياة.
وكشف القوني عن إحصائيات حديثة قدرت أن 60% من السكان بالبلاد تحت خط الفقر وهذا يلزم الحكومة بتوفير الدواء لأنه مسألة ضرورية. وأضاف: في حال لم تلتزم الحكومة بذلك سيؤدي الأمر إلى تدهور الصحة العامة وربما يساهم في ضعف الناتج الإجمالي القومي.
المحلل الاقتصادي والأكاديمي عصام الدين عبد الوهاب بوب، أكد لـ"العربي الجديد" أن أسطوانة رفع الدعم عن المحروقات لتوفيره وإصلاح الاقتصاد لم تفلح، مشيراً إلى استمرار عدم توفر الوقود في محطات الوقود رغم رفع سعره والصفوف تصل في طولها إلى عدة كيلومترات. وأضاف: نقيس على ذلك الخبز والغاز وغيره، والآن خرجت تصريحات من الصيادلة أنفسهم لتحذر من شح الدواء.
ويقول الأكاديمي إن الحكومة رفعت يدها عن كل متطلبات المواطن، وتابع: لا أدري ما وظيفة الحكومة الحالية غير الأحاديث المنمقة.