سجلت أسعار الملابس الشتوية في قطاع غزة ارتفاعاً ملموساً لهذا العام مقارنة بالعامين الماضيين، الأمر الذي أثار سخط شريحة واسعة من المواطنين، في ظل الواقع الاقتصادي المأزوم نتيجة تلاحق الحروب والحصار والأزمات الاقتصادية.
الارتفاعات لم تقتصر على أصناف بعينها من الملابس أو فئة عمرية بذاتها، إذ ارتفعت الأسعار على صعيد ملابس الأطفال مروراً بالفتية وسن الشباب من الجنسين وحتى الفئة العمرية الكبيرة. بينما حاول التجار جذب الزبائن عبر الترويج لمختلف الأصناف من خلال صفحات وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"انستغرام" إلا أن الإقبال يبدو ضعيفًا ولا يقارن بالمواسم السابقة.
ويستشعر الفلسطينيون أن هذه الأسعار لا تراعي أحوالهم الاقتصادية الصعبة التي يعانون منها جراء استمرار الحصار الإسرائيلي المشدد المفروض منذ عام 2006 وارتفاع معدلات البطالة والفقر وانعدام الأمن الغذائي بوتيرة واضحة.
في الوقت ذاته، انتقدت بعض الفئات حالة الارتفاع في أسعار الملابس الشتوية لا سيما مع بداية هذا الفصل، فيما وصفها البعض بـ"غير المبررة" أو محاولة من التجار لاستغلال الموسم، عدا عن الانتقادات التي وجهت للجهات الحكومية في غزة.
ويتبادل التجار والجهات الحكومية التي تديرها حركة "حماس" الانتقادات بشأن الأسباب الخاصة بارتفاع أسعار الملابس لهذا العام أو غيرها من المنتجات المستوردة، سواء عبر الحديث عن فرض ضرائب جديدة أو رسوم جمركية، في الوقت الذي ترد فيه الحكومة في غزة بعدم فرضها أي ضرائب جديدة وتكتفي بالإشارة لأسباب أخرى مثل ارتفاع تكاليف النقل أو تذبذب أسعار صرف عملة الدولار الأميركي أمام الشيكل الإسرائيلي المستخدم في التداول اليومي في فلسطين.
وشهدت الفترة الأخيرة تفاوتاً حقيقياً في سعر صرف الدولار أمام عملة الشيكل الإسرائيلي، حيث لم يكن يتجاوز العام الماضي حدود 3.3 شواكل لكل دولار، فيما يتفاوت سعر الصرف حالياً بين 3.45 و3.55 شواكل للدولار.
وبالنسبة للسكان فإن جميع هذه المبررات والأسباب أصبحت غير مقبولة لا سيما مع انخفاض الحد الأدنى للأجور والذي لا يزيد عن دولار يومياً، إلى جانب اعتماد 80% من السكان على المساعدات الإغاثية المقدمة من المؤسسات المانحة.
في الأثناء، يقول أمين سر نقابة تجار الألبسة في قطاع غزة ناهض السودة، إن أسعار الملابس الشتوية المستوردة لهذا العام سجلت ارتفاعاً يتراوح بين 15% و17% مقارنة بالعام الماضي على صعيد جميع الفئات العمرية.
ويرجع السودة في حديثٍ مع "العربي الجديد" أسباب الارتفاع لعدة عوامل أبرزها ارتفاع تكلفة النقل من ميناء أسدود الخاضع للسيطرة الإسرائيلية وعملية الشحن إلى القطاع عبر معبر كرم أبو سالم، فضلاً عن التخزين في المخازن وغيرها من الإجراءات.
وبحسب أمين سر نقابة تجار الألبسة في القطاع، فإن الرسوم الجمركية لحاويات الملابس سجلت ارتفاعاً ملموساً عما كان في السابق، فبعد أن كان التاجر يدفع مبلغاً مالياً يتراوح بين 15 و20 ألف شيكل قفزت هذه الرسوم لتصل إلى ما بين 30 و40 ألف شيكل.
ويلفت السودة إلى الرسوم الضريبية التي يدفعها التجار لصالح وزارة المالية في غزة التي تديرها حركة "حماس" وهو الأمر الذي يسهم في تعزيز الارتفاع في أسعار الملابس، من خلال نسبة 17% وبند ضريبي آخر يتم من خلاله تحصيل الرسوم من التجار.
ورغم هذه الأسباب، إلا أن هذا المشهد يتكرر سنوياً، حيث ترتفع أسعار الملابس خلال الفترات الأولى للموسم وهي فترة يسعى فيها التجار لتحقيق أعلى ربح ممكن ثم تعود الأسعار للانخفاض بشكل واضح وملموس نهاية الموسم بشكل قد يكون أدنى من سعرها.
ويرجع بعض التجار زيادة الأسعار بداية الموسم وتخفيضها في نهايته، إلى رغبتهم في توفير أكبر سيولة ممكنة لشراء بضائع جديدة للموسم الجديد وعدم تخزين البضائع الفائضة داخل المخازن للموسم الذي يلي الموسم الحالي.
وفي مقابل انتقادات التجار للحكومة بالمساهمة في رفع الأسعار عبر زيادة الضرائب، يؤكد مدير عام السياسات في وزارة الاقتصاد في غزة أسامة نوفل لـ"العربي الجديد" عدم وجود أية ضرائب على الملابس الشتوية المستوردة عبر المعابر الحدودية من قبل وزارته باستثناء المفروضة على ملابس "الجينز".
ويقول نوفل إن اختلاف أسعار صرف الدولار الأميركي بين الموسم الحالي والموسمين الماضيين لعب دوراً رئيسياً في ارتفاع أسعار الملابس الشتوية لهذا العام، حيث وصلت الأسعار خلال الشهر الماضي إلى 3.55 شواكل للدولار كسعر صرف متوسط.
ويشير إلى أن مستوردي الألبسة من الخارج يقومون بالشراء بالدولار ثم يعملون على بيع هذه الملابس بعملة الشيكل الإسرائيلي، وهو الأمر الذي أدى لارتفاع واضح في الأسعار لهذا العام مقارنة بالعام الماضي.
ويلفت مدير عام السياسات في وزارة الاقتصاد في غزة إلى أن اختلاف الأسعار بين بداية الموسم ونهايته نابع من رغبة التجار في توفير السيولة النقدية وعدم تحمل تكاليف تخزين إضافية في المخازن وبقاء هذه البضائع لعام جديد.
وتعتبر رواتب الموظفين المحسوبين على السلطة الفلسطينية وحكومة غزة التي تديرها حركة حماس إلى جانب مستحقات الشؤون الاجتماعية والمنحة القطرية هي المحرك الرئيسي للأسواق والشراء، غير أنها لا تفي بتوفير جميع الاحتياجات للأسر الفلسطينية.