استمع إلى الملخص
- انخفاض شحنات الغاز من حقل "تامار" الإسرائيلي إلى مصر وتوجيه جزء منها للاستهلاك المحلي الإسرائيلي، مما يعكس اعتماد مصر الكبير على الغاز الإسرائيلي.
- التقرير يتوقع استمرار الأزمة لعامين، مشيرًا إلى تحديات كبيرة أمام الحكومة المصرية لإيجاد حلول فعالة ومخاوف متزايدة بشأن الأمن الطاقي والاقتصادي لمصر.
رأى تقرير مطول أصدرته مجموعة "ميس" المتخصصة في دراسات الغاز والطاقة أخيراً أن مصر وقعت في "فخ الغاز الإسرائيلي" إذ أصبحت عالقة بين العجز الشديد الذي تعاني منه مع تراجع الإنتاج المحلي من الغاز، وعدم قدرتها على تدبير احتياجاتها العاجلة من الغاز المسال من الأسواق الدولية، والضغوط التي يمارسها الطرف الإسرائيلي بسبب التوقف المفاجئ عن ضخ الكميات المتفق عليها يومياً، في شبكات الغاز المصرية. وأزمة نقص الغاز الطبيعي أوقفت تشغيل محطات توليد كهرباء ومصانع أسمدة وبتروكيماويات ورفعت ساعات انقطاعات التيار في مصر إلى ثلاث ساعات يومياً، الأسبوع الماضي.
ويشير خبراء في قطاع الطاقة، إلى أن أزمة تدبير الغاز بلغت ذروتها الأيام الماضية، وستواصل قبضتها على قطاعات البترول والكهرباء والصناعة لفترة زمنية تمتد لأكثر من عامين على الأقل، مع تأخر الحكومة في مواجهة الأزمة وارتباكها في طرح الحلول القادرة على الحد من كوارثها الاقتصادية والاجتماعية. وذكر تقرير "ميس" الذي جاء بعنوان "انقطاع غاز تامار الإسرائيلي يتسبب في فوضى الغاز والطاقة في مصر" أن انقطاع إمدادات الغاز من حقل نيلد تامار الثاني حجماً في إسرائيل، لمدة عشرة أيام أخيراً، أدى إلى انخفاض الشحنات إلى أقل من نصف الكميات المتفق عليها يومياً، عند مستويات مليار قدم مكعبة.
وأشار إلى أن "تعطل الإمدادات أعطى إشارة واضحة إلى مدى اعتماد مصر على واردات الغاز من جارتها إسرائيل، وكانت النتيجة إغلاق المصانع وانقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع". وأوضح التقرير أن الجانب الإسرائيلي أوقف حقل تامار ثاني أكبر حقل للغاز لديه، والذي تبلغ طاقته الإنتاجية 14 تريليون قدم مكعبة الذي تنافس مع حقل ليفياثان، الأعلى إنتاجية بما هو أكبر منتج في البلاد، عن العمل في الفترة ما بين 27 مايو/أيار الماضي إلى الخامس من يونيو/حزيران الجاري، لافتا إلى أنه في حين أن تدفقات الغاز إلى الأردن لم تتأثر، فإن مصر هي التي عانت خلال تلك الفترة من انقطاع الغاز لمدة عشرة أيام، بما دفع مصر إلى وقف إمدادات الغاز لمصانع الأسمدة والبتروكيماويات وفرضت انقطاعات إضافية للكهرباء على عملاء الطاقة المحليين.
كما بيّن التقرير أن كمية الغاز المتدفقة من إسرائيل لمصر هبطت إلى الثلث بمعدل 319 مليون قدم مكعبة يومياً، من إنتاج" تامار" البالغ 1.025 مليار قدم مكعبة. وواكب تراجع الغاز من "تامار" توجيه شركة شيفرون الأميركية المشغلة لحقلي ليفياثان وتامار، جزءا من مخصصات الإنتاج لمصر إلى السوق الإسرائيلي، لمواجهة الاحتياجات المحلية، بما رفع من انكشاف إمدادات تامار المفقودة.
وقال بيتر روبنسون مُعد التقرير إن "ميس" تدرك استناداً إلى مصادر داخل الحكومة الإسرائيلية وشركة تامار، أن انقطاع الإمدادات من الحقل كان مخططاً له، على الرغم من وجود خطط لتوسعة إمداد مصر من الغاز لترتفع من 1.1 مليار قدم مكعبة إلى 1.2 مليار يومياً، على المدى القريب، و1.6 مليار قدم مكعبة منتصف 2025. ذكر التقرير أن شركة "بلو أوشن إنيرجي" المسؤولة عن تشغيل خط إمدادات الغاز من الجانب المصري، تلقت إشعاراً مسبقاً من " شيفرون" المشغل الأميركي لخط الغاز، حول نقص الإمدادات، قبل حدوث الانقطاع بنحو 14 يوماً وهو الذي دفع المسؤولين في وزارة البترول المصرية، إلى وقف الإمدادات بنسبة 30% عن المصانع كثيفة الاستهلاك للغاز لعدة أيام، تبعها غلق شامل استمر 24 ساعة، ثم عودة تدريجية للإمدادات لقطاع الصناعة، ثم محطات توليد الكهرباء والمنازل.
يؤكد التقرير أنه رغم إبلاغ شركة الغاز الحكومية المصرية "إيجاس" في الرابع من يونيو/حزيران الجاري، المستهلكين الصناعيين الرئيسيين، بما في ذلك شركات الأسمدة والبتروكيماويات، بأنه سيتم خفض إمدادات الغاز لها بنسبة بين 20% و30% على الفور، فإن التخفيضات على أرض الواقع، كانت أكبر من هذا، مشيراً إلى إعلان العديد من الشركات عن وقف فوري لعمليات الإنتاج، متأثرة ليس فقط بانخفاض إمدادات الغاز بشكل كبير ولكن أيضا من التقلبات الواسعة في ضغط الشبكة.
يعلق محمد فؤاد خبير اقتصاديات البترول على التقرير، بقوله إن خط غاز الشرق الذي يربط مصر بإسرائيل، أصبح يوفر 16% من احتياجات مصر من الغاز، منوها إلى أن تعطله أصبح يمثل مشكلة عميقة، والاعتماد عليه يفاقم أزمات المصريين. يؤكد فؤاد في تصريح لـ"العربي الجديد" أن تراجع إنتاج الغاز محلياً أدى إلى زيادة الإمدادات من الجانب الإسرائيلي إلى الضعف، في ظل تزايد العجز اليومي من حاجة البلاد إلى الغاز إلى نحو مليار قدم مكعبة، مشيرا إلى أن تراجع الإمداد المتعاقد عليه مع الجانب الإسرائيلي والذي يجب ألا يقل عن 1.1 مليار قدم مكعبة يومياً يدفع البلاد إلى أزمة عميقة، خاصة في حالة تعرض الإنتاج المحلي لأي هزات أخرى من حقول ظهر وشمال الدلتا.
ويرى خبير اقتصاديات الطاقة، أن أزمة الغاز ستستمر في مصر لمدة عامين على الأقل، ما يعني استمرار قطع التيار الكهربائي وفق جداول مخططة، ولا يمكن حسم الأزمة دون حلول مستدامة، تستهدف كثرة التوسع في الاستكشافات الجديدة، محذرا من مواجهة الأزمة عبر حلول وقتية. يشير فؤاد عضو لجنة الطاقة السابق في البرلمان، إلى أن الحكومة لم تتعلم الدرس من تاريخ الأزمات التي شهدها قطاع البترول والكهرباء، حيث اعتادت البلاد المرور بفترات من الوفرة في الإنتاج تتبعها انكسارات وتراجع، دون أن تخطط على المدى البعيد، بما يضمن تدفق الكميات المطلوبة لتشغيل محطات الكهرباء والمصانع والمنازل دون المرور بأزمة عميقة تجبرها على وقف العمل بشركات أو الإظلام لساعات طويلة.
ويقول إن الحكومة كانت لديها معلومات مسبقة أن أزمة الغاز ستبدأ بحلول إبريل/ نيسان الماضي، وعندما أخفقت في تدبير شحنات الغاز، وبدأت تبحث عنه حالياً في سوق الدفع الفوري، بما رفع قيمة المليون وحدة حرارية بمعدل يتراوح ما بين 1.1 دولار و1.7 دولار، بما يرفع سعر الوحدة المباعة بالآجل، منذ إبريل/نيسان بنسبة 6.8%، بما يقارب من ضعف قيمتها. ويحذر من تسبب الطلب المرتفع من جانب مصر في رفع سعر المليون وحدة حرارية إلى 13 دولاراً في المتوسط بالأسواق الدولية، خلال الأسابيع المقبلة، مع تنامي الطلب بكميات كبيرة، من دولة بحجم مصر، بما يحرم البلاد من نسب الخصم التي كان يمكن تدبيرها عند شراء 20 شحنة من الغاز المسال، تعادل تكلفة 35 شحنة بأسعار إبريل/ نيسان.
ويشير خبراء إلى أن الأزمة الاقتصادية دفعت الحكومة إلى تأخير مستحقات شركات الغاز والموردين الأجانب، مؤكدين لـ"العربي الجديد" أن وزارة البترول تتفاوض حالياً على دفع مستحقات الشركات العاملة في مصر بالجنيه، بما أدى إلى توقف العديد منها عن العمل. وطلبت بعض الشركات وفقا للمصادر أن تلتزم الحكومة بدفع 75% من مستحقاتها بالدولار، و25% بالجنيه، حيث تعتمد على شراء مستلزمات التشغيل والإنتاج من الأسواق الدولية.
ويُحمّل الخبراء الحكومة المصرية مسؤولية أزمة الغاز، لعدم وجود شفافية مع المواطنين والمصنعين في مواجهة تراجع الإنتاج المحلي والامدادات الدولية، بما يوقعها رهينة الإمدادات الإسرائيلية. ووفق تقرير "ميس" فإن شركة ميثانيكس الكندية، المالكة لأكبر منشأة لنوعها في البلاد وهي مصنع الميثان في دمياط على ساحل البحر المتوسط شمال مصر بطاقة إنتاجية 1.26 مليون طن سنويًا "توقف مصنعها عن العمل مؤقتاً في الرابع من الشهر الجاري، بسبب انخفاض إمدادات الغاز وزيادة الطلب الموسمي على توليد الطاقة، مما أدى إلى لتقليص الغاز للمنشآت الصناعية، بينما لم تتضمن أي من البيانات الصادرة عن ميثانيكس والشركات المتضررة من انقطاعات الغاز أو المسؤولين المصريين أي ذكر لإسرائيل، حتى بالإشارة غير المباشرة إلى "خفض الواردات" ولم يقدم أي منهم إعلانات أو بيانات أي تلميح لإسرائيل أو معرفتهم المسبقة بالنقص الوشيك.
وأشار التقرير إلى أن "توقف مصانع في شركات الأسمدة جاء للمرة الثانية في أقل من عام، حيث تضرر منتجو الأسمدة في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، عندما انخفضت إمدادات الغاز من إسرائيل مع بداية العدوان على قطاع غزة، وأعلنت الحكومة المصرية حينها أن الهدف من خفض إمدادات الغاز إلى الصناعة، استهدف توفير المزيد من الغاز لتوليد الكهرباء، بينما قالت في الرابع من يونيو/حزيران 2024، إن قطع التيار لمدة ساعة إضافية ليمتد ثلاث ساعات يومياً، على مستوى البلاد استهدف "السماح بإجراء صيانة وقائية لشبكات الغاز والطاقة الإقليمية وبسبب الاستهلاك المتزايد الناجم عن موجة الحر.. ومرة أخرى، لم يتم ذكر إسرائيل، حتى بشكل غير مباشر، مما قد يشير إلى حساسية المسؤولين المصريين تجاه الاعتراف بالاعتماد على إسرائيل خاصة في وقت التوتر السياسي المتزايد".
يبدي محرر التقرير دهشته من تناقض أقوال المسؤولين المصريين حول أزمة الغاز مع الواقع. ويشير التقرير إلى أنه من المتوقع أن يزداد اعتماد مصر على الغاز الإسرائيلي خلال الأشهر والسنوات المقبلة، لافتا إلى أنه مع استمرار انخفاض الإنتاج المحلي، من المقرر أن ترتفع عمليات التسليم من حقل "تامار" إلى مصر اعتباراً من منتصف عام 2025 بعد أن قام شركاء الحقل بتعديل عقد التوريد لزيادة الإمدادات بموجب صفقة مع شركة "بلو أوشن إنيريجي" (Blue Ocean Energy) المملوكة لرجل الأعمال المصري علاء عرفة وثيق الصلة بالأجهزة السيادية.
ويلفت التقرير إلى أن مسؤولي حقل "ليفياثان" يتطلعون أيضاً إلى زيادة صادرات الغاز إلى مصر، على الرغم من أن ذلك سيتطلب بناء محطات ضغط في إسرائيل، وخطوط أنابيب على جانبي الحدود وموافقة وزارة الطاقة الإسرائيلية، بما يثير مخاوف من جدل المصريين حول اعتمادهم على الغاز الإسرائيلي، حيث يسلط الحادث الضوء على مدى بقاء مصر غير مستعدة لأي انخفاض في تدفقات الغاز من إسرائيل.
وتكشف "ميس" عن المأزق الذي تواجهه الحكومة المصرية، والذي يدفعها إلى فخ الغاز الإسرائيلي، حيث يؤكد أن حاجة مصر لواردات الغاز الطبيعي المسال لا تعتمد على الكميات التي يتم تسليمها من إسرائيل فحسب، بل كذلك على قدرتها على استيراد الغاز المسال عبر محطة العقبة التي تعيد الغاز المسال إلى حالته الغازية بالنظر إلى أن القيود على القدرة على خط أنابيب "EMG" البحري المباشر بين إسرائيل ومصر تعني أن جزءاً كبيراً من واردات مصر من إسرائيل سيتأثر بقدرة التدفقات المتاحة بأنابيب الغاز العربي عبر العقبة، تقابلها الحاجة إلى توسعة شبكة خطوط الأنابيب المصرية غرب العريش، بما يعني أن مصر لا يمكنها استيراد سوى شحنتين من الغاز الطبيعي المسال حدا أقصى شهرياً عبر محطة العقبة.
بدوره، قال محمد البهي عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصري، إن الحكومة تضع على أولويات توفير الغاز بصفة دائمة مصانع الحديد والزجاج، والتي يمكن أن يؤدي توقف الغاز إلى تدمير أفرانها، فضلا عن تدبير احتياجات القطاعات الأخرى ليطمئن المستثمرون إلى أعمالهم، لافتا إلى أن إمدادات الغاز عادت إلى طبيعتها في كافة المصانع التي تأثرت بتراجع الإمدادات عبر شبكة الغاز المصرية بنهاية الأسبوع الماضي.