انعكس قرار الحكومة الباكستانية رفع أسعار المنتجات البترولية بنسبة 20% دفعة واحدة نهاية الأسبوع الماضي، بشكل سريع على مختلف الأسواق، بينما يخشى فقراء البلد دفع فاتورة مؤلمة لاستجابة إسلام آباد لاشتراطات صندوق النقد الدولي الذي طالب بإلغاء دعم الوقود والكهرباء لتقديم دعم مالي للبلد المثقل بالديون.
وزادت الحكومة سعر البنزين بـ 30 روبية لليتر، ليصبح 180 روبية (0.9 دولار)، في أكبر زيادة تشهدها البلاد، بينما قالت الحكومة إنها أًرغمت على هذه الخطوة لأن "دعم المنتجات النفطية يمثل عبئاً كبيراً على الخزانة المالية"، معتبرة أن القرار "جاء من أجل مستقبل الحالة الاقتصادية في البلاد، والحفاظ على قيمة الروبية".
وقال الأكاديمي والخبير الاقتصادي الباكستاني محمد فاروق خان لـ"العربي الجديد" إنّ الطبقة الفقيرة والفئات الأضعف مالياً سيكونون الأكثر تضرراً من هذه الخطوة، وكذلك الطبقة الوسطى التي تعيش في المناطق الريفية.
وأشار خان إلى أنّ هناك 20 مليون دراجة نارية مسجلة في الدولة، وأنّ ارتفاع أسعار المنتجات النفطية يؤثر حتماً بشكل سلبي على أصحابها ومعظمهم من الطبقة الفقيرة وقليل منهم من الطبقة المتوسطة.
ولا تقتصر التأثيرات عند حد تموين الدراجات النارية والسيارات بمختلف أنواعها، وإنما على أسواق مختلف السلع لا سيما الغذائية في الأسواق، فيما تشهد البلاد ارتفاعاً كبيراً في معدل التضخم.
ووفق بيانات مكتب الإحصاء الباكستاني الصادرة أخيراً، ارتفعت أسعار المستهلكين في الدولة بنسبة 13.5% على أساس سنوي في إبريل/ نيسان الماضي، بينما يتوقع فاروق خان أن يصل التضخم إلى ما بين 16% و17% بعد رفع أسعار المنتجات النفطية.
وأوضح أن زيادة أسعار البنزين والديزل ستزيد من معدل التضخم بنسبة تتراوح بين 3% و4%، مشيراً إلى أنّ أفراد المجتمع الضعفاء مالياً سيتأثرون بشدة بهذا الوضع، وقد يكون من الصعب عليهم تلبية متطلبات الحياة الأساسية.
ورغم هذه التداعيات اعتبر الخبير الاقتصادي الباكستاني أنه لم يكن هناك خيار أمام الحكومة، لأن تدهور قيمة العملة الباكستانية مقابل الدولار كان سيصل إلى حد كارثي، وله تأثير كبير على اقتصاد باكستان، وبالتالي كانت الحكومة مرغمة لأن تتخذ هذه الخطوة، فهي كانت أحد مطالب صندوق النقد الدولي.
وكان صندوق النقد قد اشترط زيادة باكستان سعر البنزين والكهرباء من أجل الإفراج عن قسط بقيمة مليار دولار من قرض متفق عليه. في المقابل شعر مواطنون سريعاً بتأثير رفع أسعار الوقود.
وقال شجاعت علي خان، وهو صاحب سيارة أجرة في إسلام أباد لـ"العربي الجديد": "المشكلة الأساسية هي أن الحكومة تزيد من معاناتنا بدلاً من تخفيفها... عندما كان سعر ليتر البنزين بـ 150 روبية، كنا نوفر لأهلنا ما يحتاجون إليه بصعوبة، فالناس يزهدون في الاستعانة بسيارات الأجرة، فهناك استئجار الدراجات النارية واستقلال المترو، والآن عندما أصبح الليتر بـ 180 روبية كيف سيصبح وضعنا في تحمل التكاليف، وكيف لنا أن نوفر ما تحتاج إليه أسرنا من دخول".
وتطاول المشكلة كذلك عبد الرؤوف، الذي يعمل موزعاً للحلويات التي يأخذها من الشركات ويبيعها للمحال التجارية، إذ يعتمد على دراجته النارية في التنقل.
وقال لـ"العربي الجديد" إنه مع زيادة سعر البنزين، ارتفعت تكاليف التشغيل، كما سترتفع تكلفة ضروريات الحياة الأخرى، وهو ما يصعب الحياة لعامة المواطنين. وسيكون لارتفاع أسعار المنتجات النفطية تأثير كبير على المواصلات العامة، الحكومية والخاصة.
ويتوقع أن يستمر تأزم الوضع المعيشي لسنوات مقبلة، إذ تواجه باكستان على مدى السنوات الثلاث المقبلة استحقاقات ديون بقيمة 6.4 مليارات دولار، فيما تحاول حكومة رئيس الوزراء شهباز شريف، الجديدة، الوفاء بشروط ما تراه إنقاذاً مالياً من قبل صندوق النقد الدولي.
تحتاج البلاد، التي تتعرض لضغوط للمحافظة على اقتصادها واقفاً على قدميه، وتجنب التخلف عن السداد، إلى حوالي 3.16 مليارات دولار لسداد سندات وقروض دولارية هذا العام، وإلى 1.52 مليار دولار في العام المقبل، ثم 1.71 مليار دولار في عام 2024، وفقاً لبيانات أوردتها وكالة بلومبيرغ الأميركية، يوم الجمعة الماضي.
ومع عجز تجاري بلغ 45 مليار دولار في السنة المالية الحالية التي تنتهي في يونيو/حزيران المقبل، واحتياطيات من النقد الأجنبي تبلغ 10.1 مليارات دولار، أو ما يعادل أقل من شهرين من الواردات، تواجه باكستان احتمال التخلف عن السداد للمرة الثانية في تاريخها.