السيدة فتحية السيد، عجوز تسكن بشقة في منطقة إمبابة الشعبية بمدينة القاهرة، مكونة من غرفة واحدة وصالة صغيرة، فوجئت الشهر الماضي بأن فاتورة استهلاك الكهرباء، جاءت بقيمة 600 جنيه، أي ما يعادل 38.2 دولارا، وهو مبلغ ضخم بالنسبة لدخلها البسيط، وخاصة أن استهلاكها لا يزيد عن مصباح واحد ومروحة صغيرة، وأن الفواتير السابقة لم تكن تتجاوز 90 جنيهاً (الدولار = 15.7 جنيهاً).
حالة السيدة فتحية ليست الوحيدة في مصر، إذ إنه وبحسب مصدر بوزارة الكهرباء، يشتكي الملايين من ظروف مشابهة لظروف تلك السيدة ولكن على مستويات أخرى حسب كمية الاستهلاك. محمد عباس، أربعيني، من ذوي الدخل المتوسط، يسكن بمنطقة المعادي، في محافظة القاهرة، مع زوجته وابنه الوحيد، فوجئ أيضاً هذا الشهر بفاتورة استهلاك كهرباء بقيمة 3 آلاف جنيه، وهو رقم كبير جداً نسبة إلى استهلاكه المتوسط.
ويقول عباس، في تصريحات خاصة، إن محصل الكهرباء ظل لمدة 3 أشهر، يأتي بفاتورة قيمة الاستهلاك بها "صفر"، وعندما سأله عن السبب، قال المحصل إن قراءة العداد ليست من اختصاص شركة التوزيع التي يتبعها (جنوب القاهرة لتوزيع الكهرباء)، ووزارة الكهرباء أسندت تلك المهمة إلى شركة "شعاع" التابعة للمخابرات العامة، والتي يقوم موظفوها بالمرور على الشقق لقراءة العدادات، وهي المهمة التي كان موظفو الكهرباء يقومون بها قبل نحو 3 سنوات.
وحسب عباس، فإن محصل الكهرباء أبلغه أن موظفي شركة "شعاع" لا يقومون بدورهم على الوجه الصحيح، إذ لا يمرون على الشقق والوحدات لفترة تصل إلى أشهر، وبالتالي لا يسجلون قراءات العدادات أولاً بأول، فيحدث تراكم في الاستهلاك، وعند تسجيله، تصبح الكمية المستهلكة كبيرة، ويتم محاسبة المواطن على شرائح أعلى من استهلاكه الحقيقي. وفي يونيو/حزيران الماضي أعلن وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، محمد شاكر عن زيادات جديدة في أسعار شرائح الاستهلاك، وتتم محاسبة المستهلكين في الشريحة الأولى (من صفر إلى 50 كيلوواتا) بسعر 38 قرشًا لكل كيلووات، بدلا من 30 قرشًا.
أما الشريحة الثانية (من 51 إلى 100 كيلووات) فتحاسب بسعر 48 قرشًا لكل كيلووات بدلا من 40 قرشًا. وبالنسبة للشريحة الثالثة وتستهلك (من صفر حتى 200 كيلو) ستحاسب بسعر 65 قرشا لكل كيلووات ساعة بدلا من 50 قرشًا. أما الشريحة الرابعة (حتى 350 كيلوواتا) فستحاسب بسعر 96 قرشًا بدلا من سعر 82 قرشاً. والشريحة الخامسة (حتى 650 كيلوواتا) ستحاسب بسعر 118 قرشا للكيلووات بدلا من بسعر 100 قرش. والشريحة السادسة (حتى أقل من ألف كيلو) فتم تثبيت سعر 140 قرشاً للكيلووات. وأخيراً قرر وزير الكهرباء تثبيت سعر الشريحة السابعة (التي تزيد عن 1000 كيلووات) والتي لا تحصل على أي دعم، وتباع بسعر 145 قرشًا.
ويقول عباس إن المحصل نصحه بأن يقوم بتسجيل استهلاكه بنفسه عن طريق خدمة الهاتف الموحدة للكهرباء والاتصال برقم (121)، وعندما ألقى نظرة على عداد الكهرباء وجد أن الفرق بين آخر استهلاك مكتوب في فاتورة الكهرباء، والرقم الموجود بالعداد يتجاوز 2000 كيلووات، موضحاً أن آخر استهلاك في الفاتورة كان 54494 كيلووات، بينما القراءة في العداد 56594. ويتابع عباس: "بعد نحو أسبوعين من تسجيل قراءة العداد عبر الهاتف، جاء المحصل بفاتورة تتجاوز 3 آلاف جنيه، وعندما سألته عن السبب، قال لي إنه تمت محاسبتي ضمن أعلى شريحة (التي تزيد عن 1000 كيلووات) بسعر 145 قرشًا للكيلو وات، وذلك على الرغم من أن هذه الكمية ليست لشهر واحد".
ويقول أحد مديري الإدارات التجارية في إحدى شركات الكهرباء، رفض ذكر اسمه، في تصريحات لـ"العربي الجديد" إن شكوى عباس وفتحية، متكررة، وهناك حالات مشابهة في جميع أنحاء البلاد، موضحاً أن هذا الخطأ يتكرر بسبب عدم قيام شركة "شعاع" بواجبها على أكمل وجه. ويضيف المصدر أن موظفي "شعاع" "يتكاسلون عن المرور على الشقق والوحدات والمحلات التجارية لأشهر، وعندما يقررون إتمام عملهم ويحصلون على قراءات العدادات، يكون استهلاك المواطنين قد تراكم، وبالتالي يخلون في شرائح محاسبة أعلى من شرائحهم الحقيقية".
ويقول المصدر إن هناك مواطنين "يتقدمون بشكاوى، فيتم إعادة تشريحهم نسبة إلى مدة الاستهلاك وكميته، فيتم محاسبتهم على أساس الشرائح العادية، وهناك آخرون لا يتقدمون بشكاوى ويستسلمون إلى الأمر الواقع لجهلهم بحقوقهم كمواطنين. ويتابع المصدر أن "شركة الكهرباء لا تملك عندما يشتكي المواطن، سوى أن تطلب من شركة شعاع أن ترسل موظفها إلى مكان الشكوى لقراءة العداد، دون وجود أية آلية عقابية لمحاسبة المقصرين من كشافي "شعاع". ويضيف المصدر أن كثيرين من مديري وزارة الكهرباء "يخافون من التواصل مع شركة شعاع نظراً لتبعيتها لإحدى الجهات السيادية".
وأضاف المصدر أن "شركة شعاع تسببت في خسائر كبيرة لوزارة الكهرباء، إذ كان الكشاف التابع للوزارة يتقاضى 25 قرشاً (الجنيه = 100 قرش) على كل قراءة عداد، أما موظف "شعاع" فيتقاضى 150 قرشاً تتحملها الوزارة، بينما لا يقوم بعمله على الوجه الصحيح". وتابع المصدر أنه على مستوى الجمهورية يوجد نحو 33 مليون عداد كهرباء. من جهته قال المدير التنفيذي بشركة "شعاع للخدمات العامة"، في تصريحات صحافية إن شركته "حريصة على تسجيل قراءة عدادات الكهرباء، والتواصل المستمر مع المواطنين، وإنها تتلقى شكاوى واستفسارات المواطنين من خلال خدمة "واتس آب" على مدار اليوم".
وأضاف المدير التنفيذي أن شركة شعاع للخدمات العامة "تهدف دائما من خلال التعاون مع وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، ممثلة في شركات التوزيع الـ9 التابعة لها، إلى تقديم كل ما يصب في مصلحة المواطن والدولة معا".
وأكد أن شركه شعاع "وفرت فرص عمل للشباب والفتيات بمختلف أنحاء الجمهورية، وهو أحد أهدافها التي سعت دائما لتحقيقها منذ إنشائها وحتى الآن"، لافتا إلى أن "التعاون بين وزارة الكهرباء والشركة، أدى إلى تطوير منظومة العمل بشكل مستمر". وقال المدير التنفيذي لشركة "شعاع" المسؤولة عن تسجيل قراءة عدادات الكهرباء، إنه "لا توجد شكوى يتم إرسالها من جانب أي مواطن خاصة بقراءة عداد الكهرباء سواء التقليدي أو مسبق الدفع ويستغرق حلها أكثر من 24 ساعة". وقالت وزارة الكهرباء في يناير/كانون الثاني الماضي إن تعاقدها مع شركة "شعاع" يستمر لمدة ثلاث سنوات، مضيفة أن هذا المشروع "يأتي في إطار خطة القطاع لتغيير جميع العدادات بالشبكة الكهربائية بعدادات أخرى ذكية أو مسبقة الدفع مع إعادة توزيع العاملين القائمين بعملية قراءة العدادات لتدعيم أعمال التحصيل، مما يؤدى إلى تقليل نسبة المؤجل والمقروء بصفر، وتحسين نسبة الفقد".
وكان أول تعاقد لوزارة الكهرباء مع شركة "شعاع" المملوكة للمخابرات العامة حصل في يناير/ كانون الثاني 2018، ورغم ظهور المشاكل التقنية بعد هذا التعاقد، وتأكيد المدير التنفيذي لشركة "شعاع" أنه من المتوقع أن تنتهي مشاكل فواتير الكهرباء بالكامل بداية إبريل/نيسان 2019، لكن ذلك لم يحدث، وجدّدت الوزارة التعاقد في يناير الماضي لمدة 3 سنوات أخرى. وكان وزير الكهرباء، محمد شاكر قد برر الاستعانة بشركة شعاع في قراءة العدادات، أمام مجلس النواب.
وقال إنها توفر اللجوء إلى تعيينات جديدة في قطاع الكهرباء، موضحا أن فترة وجود "شعاع" مؤقتة. وأوضح في تعقيبه على ملاحظات أعضاء البرلمان خلال الجلسة العامة لمجلس النواب، أننا نتحول من قراءات العدادات إلى العدادات مسبقة الدفع التي لا تحتاج لقراءة، قائلا: "لذلك كانت الاستعانة بهم لمدة بسيطة".