كان السوريون يأملون أن يكون موسم القمح لهذا العام مقارباً لمواسم ما قبل عام 2011، وقت وصل الإنتاج إلى أكثر من 3.5 ملايين طن، وهو ما يزيد عن الحاجة ويصدر جزء منه للخارج، إلا أن سياسات نظام بشار الأسد وإجراءات الإدارات الذاتية تبدد هذه الآمال على حد سواء، بينما تتوالى تقارير المؤسسات الدولية حول مواجهة السوريين أسوأ أزمة إنسانية، وأن كل يوم يدفع بالمزيد منهم نحو الجوع والفقر، لتواجه الأسر خيارات مستحيلة للعيش.
ويجمع مختصون سوريون على أن موسم القمح الذي يوصف بسنابل الذهب سيكون الأسوأ منذ عشر سنوات، إن لم يتم إيجاد حلول لخفض أسعار مستلزمات الإنتاج، خاصة المشتقات النفطية والأسمدة، فضلاً عن طرح أسعار للشراء تمكن المزارعين من إبقاء الإنتاج في البلاد.
قبل أيام، أشار برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة إلى أن 60% من السكان في سورية يعانون من انعدام الأمن الغذائي والجوع، بما يعادل 12.4 مليون نسمة، ما يشكل ضعف العدد المسجل في عام 2018، لافتاً إلى أن السوريين يواجهون صدمات متعددة، بينها انهيار الليرة السورية، وتأثير ذلك على أسعار السلع الأساسية، وتداعيات الأزمة المالية في لبنان، فضلاً عن الأعمال العدائية المستمرة والنزوح واسع النطاق، وجائحة فيروس كورونا.
ولم تكن هذه التداعيات بعيدة عن المزارعين، إذ يقول يحيى تناري، الذي يعمل مهندساً زراعياً، إن أسعار المشتقات النفطية اللازمة لتشغيل ماكينات الري وكذلك الأسمدة والمبيدات الحشرية مرتفعة جداً، بينما الفترة الحالية هي فترة سقاية وتسميد، وإلا سيكون الموسم في خطر.
ويؤكد تناري لـ"العربي الجديد" أن عدم توفير مستلزمات الزراعة بأسعار مقبولة يعني تكاليف باهظة للإنتاج، لافتاً إلى أن الزيادات السعرية لبعض المحاصيل التي طرحها نظام بشار الأسد لهذا العام هي في حقيقتها أقل من أسعار العام الماضي، نظراً للارتفاع الحاد في سعر الدولار والذي انعكس بدوره على أسعار المازوت والأسمدة.
وكان مجلس الوزراء في حكومة بشار الأسد قد رفع أخيراً أسعار شراء محصول القمح من الفلاحين لموسم 2021، من 550 ليرة إلى 900 ليرة سورية، ومحصولي الشمندر والقطن ضعف أسعار العام الماضي، من 700 إلى 1500 ليرة للكيلوغرام الواحد. سعر يعتبره تناري "تضليلاً مكشوفاً" ولم ينطلِ على المزارعين، لأن سعر الدولار خلال الموسم الماضي كان 900 ليرة، بينما وصل حاليا إلى 4 آلاف ليرة وهو مرشح للزيادة، بما يعني أن السعر المعلن من قبل النظام لا يصل إلى نصف سعر العام الماضي، حيث قفزت قيمة مستلزمات الإنتاج بأكثر من الضعف.
وتخطى إنتاج سورية من القمح العام الماضي، وفق ما نقلت وكالة فرانس برس في يوليو/ تموز من العام الماضي، عن مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الزراعة، هيثم حيدر، ثلاثة ملايين طن، مقارنة بـ2.2 مليون طن عام 2019، و1.2 عام 2018.
ورغم هذه الأرقام فإن المؤسسة السورية للحبوب التابعة لنظام الأسد لم تتمكن من شراء سوى 700 ألف طن من المزارعين، ما أجبرها على استيراد 675 ألف طن من القمح الروسي، حسبما أعلنت سابقاً وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.
وبينما يعجز النظام عن شراء كميات وفيرة من المحصول، فإن الكثير من المزارعين في مناطق خارجة عن سيطرته يلجأون إلى التصدير للحصول على عائدات مجزية تغطي تكاليف الإنتاج.
ووفق تناري فإن أهم المناطق الزراعية خارجة عن سيطرة نظام الأسد، متوقعاً أن يلجأ المزارعون في محافظات الجزيرة السورية (الرقة، الحسكة، دير الزور) التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية وكذلك مناطق شمال غرب سورية (إدلب وريف حلب وحماة) إلى التصدير، لأن الأسعار بالدول المجاورة أكثر من ضعف الأسعار التي يطرحها النظام السوري.
وفي مقابل عمليات التوريد للخارج، تحتاج سورية إلى مليوني طن من القمح سنوياً لتأمين حاجتها من الخبز، بحسب عدد السكان الحالي، إضافة إلى 360 ألف طن من البذور، ونحو 800 ألف طن للاستخدامات الأخرى من صناعة البرغل، والمعكرونة، والفريكة، والسميد، وغيرها.
ويقول مدير الإنتاج النباتي في وزارة الزراعة بحكومة النظام، أحمد حيدر، إنه تم الانتهاء من زراعة محصول القمح لهذا الموسم بنسبة تنفيذ 93% من الخطة المقدر زراعتها والبالغة 1.55 مليون هكتار (الهكتار يعادل 10 آلاف متر مربع).
في الجهة المقابلة، يؤكد مدير مؤسسة الحبوب بحكومة المعارضة السورية حسان محمد، لـ"العربي الجديد"، أنه تم الانتهاء من زراعة محصول القمح بالمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، بنسبة تنفيذ كبيرة بلغت أكثر من 90% بعد زراعة 100 ألف هكتار بالقمح، إضافة لزراعة محاصيل أخرى، كالشعير والعدس والنباتات العطرية.
وحول الآمال بالموسم الزراعي يقول محمد إن الأمر مرهون بعدة عوامل، منها الظروف الجوية والري الذي يحتاج إلى المازوت الذي يبلغ سعر الليتر منه في السوق الحرة ألف ليرة، بينما لا يعطي النظام المازوت الكافي للفلاحين وفق السعر المدعوم البالغ 180 ليرة لليتر.
وتشير البيانات إلى أن حاجة القطاع الزراعي من المحروقات في عام 2019 تجاوزت 40 ألف ليتر. ويضيف محمد أن الفترة الحالية هي فترة تسميد ورش المبيدات الحشرية لمنع الآفات بينما أسعار جميع المبيدات مرتفعة وهناك ندرة بها، وبالتالي فإن العام الحالي لن يكون عام الآمال للقمح، من دون تأمين مستلزمات ذلك.
وأعلن مسؤولو اتحاد الفلاحين في سورية، خلال تصريحات سابقة، أن احتمالات تأثر محصول القمح بشكل سلبي في الموسم الحالي واردة بشدة، رغم التفاؤل الرسمي بتحسن الإنتاج في العام الحالي.
وقال رئيس اتحاد الفلاحين، أحمد صالح إبراهيم، إن تخوف الحكومة على القمح يعود إلى أن قسماً كبيراً منه يعتمد على السقاية، لافتاً إلى أن المحصول سيتأثر بشكل سلبي في حال عدم توفر المازوت، لأن المازوت يعتبر ضرورياً وأساسياً حتى لا يتضرر المحصول، خاصة أن الأمطار لم تسقط بشكل كافٍ.
وترى المهندسة الزراعية، بتول أحمد، أن الثروة الزراعية تدهورت، الأمر الذي حول سورية من بلد زراعي بامتياز، يصدر القمح والقطن والخضر والفواكه، إلى بلد يستجدي المجتمع الدولي "ليطعم أبناءه"، مشيرة إلى أن متوسط إنتاج القمح بسورية كان 3.5 ملايين طن ونحو مليون طن قطناً و900 ألف طن حمضيات، مؤكدة أن تنوع سورية والمساحات الزراعية كانا يتيحان تأمين معظم الاحتياجات الزراعية وقلما كان يتم استيراد السلع الأساسية من الخارج.
وتقول بتول لـ"العربي الجديد" إن هناك عوامل كثيرة أدت إلى تدهور الإنتاج الزراعي، تتعلق بالحرب وتفتيت الملكيات وخروج أراض عن الإنتاج، لكن الأهم اليوم، هو زيادة تكاليف الإنتاج، من بذور وأسمدة ومشتقات نفطية، ما يوصل مصاريف الفلاحين إلى أعلى من السعر النهائي للإنتاج الزراعي.
وتضيف أن أسعار مستلزمات الزراعة ارتفعت أكثر من 400% في المتوسط خلال الموسم الحالي بسبب تدهور سعر الصرف وقلة الاستيراد، مشيرة إلى أن معظم الفلاحين خاسرون ويتم استغلالهم من تجار الجملة إضافة للإهمال الحكومي.
ولا يطاول تدهور القطاع الزراعي شقه النباتي فحسب، بل خسرت سورية أكثر من نصف ثروتها الحيوانية خلال سنوات الحرب، مع توقعات بزيادة تدهور هذه الثروة، بواقع غلاء الأعلاف وإحجام السوريين عن شراء اللحوم الحمراء بعد ارتفاع سعر كيلو لحم الخروف لنحو 27 ألف ليرة سورية.
وأكدت المؤشرات الصادرة عن وزارة الزراعة تعرض الثروة الحيوانية لأضرار كبيرة، كاشفة عن وجود انخفاض في أعداد الثروة الحيوانية بنسبة تتراوح بين 50% إلى 60% مقارنة بعام 2010 وقت بلغ فيها عدد قطيع الأغنام 15.5 مليون رأس، فيما بلغ عدد رؤوس الأبقار في العام ذاته أكثر من مليون رأس.
ووفق برنامج الأغذية العالمي، فإن سنوات الصراع أثرت على الحياة والحالة الصحية للسوريين، مؤكداً أن عدد الأشخاص الذين لا يستطيعون البقاء على قيد الحياة بدون مساعدات غذائية قد تضاعف خلال عام واحد ليصل إلى 1.3 مليون شخص.