عندما يتجاوز سعر كيلو الحلويات ضعف الراتب الشهري للموظف، فاعلم أنك بسورية الأسد، وحينما يتشهّى الأطفال الثياب والفاكهة، من العيد للعيد فأنت بدولة الممانعة. ووقت تعجز الأسرة عن تلبية أبسط متطلبات العيش الآدمي لأطفالها، ويحبس رب العائلة دموعه أمام كلمة "بابا جوعان" فأنت في سورية أو تتكلم عنها.
هذه هي النتيجة التي خلصنا إليها، بعد استطلاع آراء عدة من مناطق سيطرة نظام بشار الأسد، وهذه هي الخلاصة التي يكابر الكثيرون عن الاعتراف بها، رغم الحاجة التي أوصلت الجوعى إلى أكثر من 90% من السكان، بعد أن زاد متوسط إنفاق الأسرة عن 5.6 مليون ليرة، في حين لا يزيد الأجر، لمن لديه أجر ثابت، عن 100 ألف ليرة سورية.
ومتطلبات العيد، بحسب آراء شبه متطابقة من العاصمة دمشق، باتت من الكماليات المؤجلة بواقع سعي الأسر لتأمين الطعام، فسعر لباس الطفل "قميص وسروال وحذاء" يزيد عن 300 ألف ليرة سورية "صناعة محلية ونوعية متوسطة"، ليكون بأسعار حلوى العيد، الطامة وفق هؤلاء.
ارتفعت الأسعار بحسب المصادر بأكثر من 160% عن العام السابق، وأكثر من 60% عن عيد الفطر قبل نحو ثلاثة أشهر، بعد أن سجل سعر كيلو البقلاوة بين 200 و250 ألف ليرة، ووصل سعر كيلو المعمول بالفستق الحلبي نحو 140 ألف ليرة، ولم يقل سعر كيلو البرازق عن 70 ألف ليرة، ولم يكسر الركود وتراجع حركة الأسواق من تلك الأسعار كما قالت المصادر.
وبمقارنة مع أسعار الحلويات بسورية خلال عيد الفطر، وقت سجلت الحلويات الدمشقية بالسمن العربي والمكسرات المستوردة، بين 150 و180 ألف ليرة، يلاحظ استمرار ارتفاع الأسعار، الذي يعزى لتراجع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، من نحو 7600 ليرة خلال عيد الفطر إلى نحو 9 آلاف ليرة اليوم، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار مكونات الانتاج، من سكر ومكسرات مستوردة.
ويرى الاقتصادي محمد حاج بكري أن مجمل الأسعار بسورية ارتفعت خلال الفترة ما بين العيدين، بسبب تراجع سعر الصرف، كون مكونات الحلويات مستوردة، فسعر كيلو السكر ارتفع من نحو 7 آلاف خلال عيد الفطر إلى أكثر من 11 ألف ليرة اليوم، كما أن منع استيراد المكسرات على اعتبارها سلعاً كمالية، رفع سعرها بالسوق المحلية لأنها تدخل تهريباً من الدول المجاورة "أهمها من تركيا عبر المناطق المحررة تصل لأسواق مناطق النظام".
ويلفت الدكتور حاج بكري إلى ما تعانيه الأسواق السورية من ركود، بسبب التباين الكبير بين الدخول والأسعار، مشيراً إلى "تراجع عدد محال الحلويات وحجم المبيع، ما أوصل إلى الإغلاقات وهجرة كبار الصناعيين بهذا القطاع إلى تركيا والامارات ومصر والاردن".
وأضاف "بقي نحو 300 حرفي مسجلين بجمعية الحلويات والبوظة من أصل 800 حرفي كانوا قبل عامين، حيث لم تعد حلويات العيد أولوية لدى معظم شرائح السوريين، أمام ضرورة تأمين القوت اليومي، لأنه بالفعل، يعيش السوريون على حافة الموت جوعاً، ولولا التحويلات الخارجية التي تزيد بمواسم الأعياد، عن 5 مليون دولار يومياً، لرأينا الموت جوعاً بالشوارع".
غلاء أسعار عام
تستمر متوالية ارتفاع الأسعار بالأسواق السورية، بواقع محدودية الأجور، ما زاد عدد من هم تحت خط الفقر، بحسب بيان اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الشهر الجاري، إلى نحو 90%. وأوضح البيان أن أكثر من 15 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية.
وبحسب مصادر من العاصمة دمشق، شهدت أسعار مواد صناعة الحلويات ارتفاعات إضافية خلال الأيام الأخيرة، ليصل سعر كيلو الطحين إلى 9 آلاف ليرة والسكر 11 ألفاً وقالب العجوة 13 ألفاً، وكيلو السمن الحيواني "البقرة الحلوب" 100 ألف وليتر عباد الشمس 14 ألف ليرة.
كما طاول ارتفاع الأسعار المنتجات الغذائية عموماً، والمستوردة على وجه الخصوص، إذ سجل سعر جبنه غودي والمراعي 10500 ليرة والأرز والمعكرونة 9 آلاف ليرة، ولم تسلم المنظفات، بحسب المصادر، من ارتفاعات الأسعار إذ سجل سعر عبوة الشامبو 12500 ليرة، وسائل جلي 11500 ليرة، وقطعة صابون 11 ألف ليرة وعبوة مسحوق الغسيل، 2 كلغ، 22 ألف ليرة.
وحول أسعار اللحوم، تضيف المصادر الخاصة أن سعر كيلو شرحات الدجاج نحو 45 ألف ليرة، وشرحات العجل 75 ألف ليرة، ويزيد سعر كيلو لحم الخروف الخالي من الدهن عن 110 آلاف ليرة سورية.
تفقير وترقب زيادة
ورغم الوعود والتأكيدات على زيادة الرواتب والأجور قبل عيد الأضحى، إلا أن حكومة النظام السوري لم تعلن حتى اليوم، عن زيادة أو منحة مالية، ما كسا السوريين بخيبات تنعكس على كتابتهم "الحذرة" على وسائل التواصل الاجتماعي.
وبحسب تصريحات لعضو لجنة الموازنة في مجلس الشعب محمد زهير تيناوي، نقلها موقع "أثر برس" المقرب من النظام السوري، إنه كان من المفترض زيادة الرواتب قبل عيد الأضحى وتم تأجيلها إلى ما بعد انقضاء عطلة العيد مباشرة.
ويؤكد تيناوي أن زيادة الرواتب قادمة، مشيراً إلى أن ذلك يظهر من خلال المؤشرات والمتابعات والتحليلات والاجتماعات التي تنعقد في مجلس الوزراء، ومن اللجان المختصة، وكلها تصب في خانة واحدة، وهي أن هناك زيادة مرتقبة في الرواتب والأجور.
ويقول الاقتصادي السوري، محمود حسين لـ"العربي الجديد" إن أي زيادة على الأجور بسورية "لن تحدث تحسناً لواقع المعيشة" بل يمكن أن تنعكس سلباً على سعر الليرة وعلى تضخم الأسعار، مشيراً إلى أن موارد خزينة نظام الأسد، لا تسمح بزيادة الأجور، وإن زادت فسوف يتم جبايتها من حيوب السوريين عبر رفع الضرائب وأسعار المحروقات والتخلي عن دعم بعض السلع المتبقية.
ويضيف حسين إن الزيادة المرتقبة ربما تصل لنسبة 100% ولكن، إن حدثت تلك الزيادة الكبيرة، فلن تسد أياً من احتياجات الأسرة السورية بواقع تكاليف معيشية تزيد عن 5 ملايين ليرة للأسرة، مبيناً أن متوسط الأجور بسورية اليوم نحو 97 ألف ليرة وأعلى الأجور لا تتجاوز 150 ألف ليرة.
ويختم حسين أن فترة الأعياد "ثقيلة وموجعة على السوريين" لأنها تشهد زيادة إنفاق ومحاولات الأسر السورية "النبيلة التي يحاول النظام إذلالها عبر التفقير"، مشيراً إلى أن هذه الأسر معتادة تاريخياً على نمط غذائي ومأكولات وحلويات، ولكن غلاء الأسعار بدد تلك الأنماط وحول السوريين، للأسف، إلى محرومين بكنف اللئام، حسب تعبيره.