لم يستحضر قانون العمل في المغرب، بشكل صريح، الحالات التي تصل فيها درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، إذ يبقى تنظيم العمل مرتبطاً بالعلاقات السائدة داخل الشركات.
وشهد المغرب في الصيف الحالي ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة، حيث وصلت في بعض المناطق إلى 47 درجة، نجمت عن كتل هوائية حارة وجافة آتية من الصحراء الكبرى كي تمتد إلى جنوب ووسط وجنوب شرق المملكة، ثم شمالها.
يلاحظ الخبير في القطاع الزراعي، محمد هاكش، أن مدونة الشغل (قانون العمل) لم تتناول تعديل مواقيت العمل عندما ترتفع درجات الحرارة إلى مستويات مفرطة، خاصة بالنسبة للذين يعملون في الحقول الزراعية أو أوراش البناء والأشغال العمومية.
وجاء في المادة 347 من قانون العمل أنه "إذا تعذر على المشغل، في النشاطات الفلاحية، توفير الشغل بسبب حالات جوية غير مألوفة، فإن الأجير الذي يكون رهن إشارة المشغل طيلة الصباح وما بعد الزوال يستفيد من أجرة نصف يوم إذا ظل عاطلاً اليوم بكامله".
ويشير الهاكش، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن القانون لم ينص على تغيير مواقيت العمل عندما ترتفع درجات الحرارة في رمضان أو الصيف، ملاحظاً أن تلك المادة من قانون العمل تستحضر الحالات التي تهطل فيها الأمطار أو تتساقط الثلوج، حيث يتعذر فيها العمل بطريقة سلسة، ويقصر ذلك على الزراعة.
ويسجل أن القانون اكتفى بالتأكيد على حفظ صحة الأجراء وسلامتهم، حيث أكد على نظافة أماكن الشغل وتوفير متطلبات السلامة للحفاظ على صحتهم، خاصة في ما يتعلق بأجهزة الوقاية من الحرائق والإنارة والتدفئة والتهوية واستعمال المراوح والماء الشروب.
ويشير الهاكش إلى أن طبيعة سوق العمل لا تساعد العمال على الاستفادة من مواقيت عمل تراعي الظروف المناخية في بعض الأحيان، خاصة في قطاعي الزراعة والبناء والأشغال العمومية، اللذين يتميز الشغل فيهما بالكثير من الهشاشة.
ويذهب إلى أن عدد النشيطين الذين يعانون من الشغل الناقص، الناجم عن الدخل غير الكافي أو عدم ملاءمة الشغل مع المؤهلات، يتجاوز مليون شخص.
ومن جانبه، يشير رئيس الاتحاد الوطني للقطاع الفلاحي، بدر عريش، إلى أن تنظيم مواقيت العمل في ظل ارتفاع درجات الحرارة، يمكن أن يتم عبر الاتفاقيات الجماعية داخل الشركات بين العمال وأرباب العمل، في ظل عدم تنصيص قانون العمل على ذلك، وإن كان يمكن للسلطات في بعض الأقاليم التدخل بواسطة قرارات من أجل فرض مواقيت عمل في القطاعات التي تنطوي فيها الحرارة على خطورة على العمال.
يشير الهاكش إلى أن طبيعة سوق العمل لا تساعد العمال على الاستفادة من مواقيت عمل تراعي الظروف المناخية في بعض الأحيان
ويوضح في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ اتفاقية الشغل الجماعية، التي تعتبر عقدا جماعيا ينظم علاقات الشغل، ويبرم بين ممثلي اتحاد عمالي أو عدة اتحادات عمالية الأكثر تمثيلا، وبين مشغل أو عدة مشغلين، يمكن أن تتضمن تفاصيل مثل تلك التي تهم تنظيم العمل عند ارتفاع درجات الحرارة، معتبرا في الوقت نفسه، أن يتعلق في بعض الأحيان بموازين القوى داخل الشركات.
ويتجلى أن سيادة الاقتصاد غير الرسمي لا يساعد على استحضار ارتفاع درجات الحرارة بالنسبة للذين يعملون في قطاعات تجعلهم أكثر عرضة لأشعة الشمس، علما أن ذلك القطاع يعرف إقبالا كبيرا من قبل أشخاص يشتغلون باعة جائلين أو في أوراش بناء.
وأكدت تقارير مؤسسات مغربية أن حجم القطاع غير الرسمي يمثل 30 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي، ما ينعكس سلبا على ظروف عمل الأجراء في هذا القطاع الذي لا تحيط به قوانين العمل.