رفع عددٌ من محطات الوقود في مناطق لبنانية، اليوم الاثنين، خراطيمه وأعلن التوقف عن العمل بذريعة نفاد مادة البنزين والتراجع الحادّ في المخزون، في حين لجأ البعض الآخر إلى تلبية طلب الزبائن إنّما بكمية محدودة لا تتجاوز مبلغ ثلاثين ألف ليرة لبنانية (20 دولارا وفق سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة).
وعزا ممثل موزعي المحروقات في لبنان فادي أبو شقرا السبب في ذلك، خلال اتصال مع "العربي الجديد"، إلى تهافت الناس بشكل كبير في عطلة الأسبوع، أي السبت والأحد، لملء خزانات السيارات بالوقود بعدما سرت شائعات تفيد برفع مصرف لبنان المركزي الدعم وارتفاع الأسعار بحيث لم تتمكن من تلبية الطلب الهائل الذي ظهر بشكل واضح مع مشهد الطوابير التي انتظرت ساعات أمام المحطات.
وقال: "أدت هجمة الناس هذه إلى إفراغ المحطات من الوقود، علماً أنّ هناك شركات تستمرّ في تسليم وتوزيع المحروقات، في حين تعمد شركات أخرى إلى التقنين، لكن عموماً لا أزمة، والمادة متوفرة على كامل الأراضي اللبنانية".
وطمأن أبو شقرا إلى أن "لا رفع للدعم حالياً، واجتمعنا، اليوم، مع المعنيين، وكان تأكيد على أن هناك أجواءً إيجابية وتفاؤلية في البلاد بقرب تشكيل الحكومة، في مسعى يعمل عليه وسطاء خيّرون، وهو ما سينعكس إيجاباً على مختلف الملفات والقطاعات ويساعد على حلحلة الأزمات"، مشدداً على أنّ أسعار المحروقات لن تشهد ارتفاعاً، وإذا حصل ذلك، فسيكون طفيفاً، داعياً جميع المحطات إلى فتح أبوابها أمام الزبائن.
وأكد مصرف لبنان في بيانٍ، أمس، أنه "بعكس ما يُشاع، ما زال يؤمن بيع الدولار للمصارف على سعر الصرف الرسمي للمواد الأولية التي قررت الحكومة دعمها، وهو ملتزمٌ ببيع هذه الدولارات على السعر الرسمي لكل الاعتمادات التي وافقت عليها المراجع الرسمية والمصرف المركزي ينفذ هذه العمليات يومياً وتباعاً".
وغصّت المحطات في مختلف المناطق اللبنانية بالسيارات، حيث انتظر الناس لساعات دورهم للحصول على مادتي البنزين والمازوت، حتى أن بعضهم سار على الأقدام وحمل غالونات بهدف تعبئتها، وسجلت إشكالات عدّة في اليومَيْن الماضيَيْن بين مواطنين والعاملين في المحطات على خلفية رفض تزويدهم بالوقود أو منحهم كمية محدودة قد لا تكفي مشوارهم، ولا سيما شاحنات نقل البضائع، التي تقطع مسافات طويلة في اليوم الواحد لإتمام عملها.
وعلت أصوات الناس الذين يتهمون أصحاب المحطات بتخزين مادتي البنزين والمازوت بشكل خاص مع قرب ترشيد ورفع الدعم عن مواد غذائية وسلع أساسية، من بينها المحروقات، وذلك بهدف بيعها بأسعار مرتفعة وتحقيق أرباحٍ طائلة، إلى جانب اتهام البعض منهم بتهريب البنزين والمازوت إلى سورية، وهو ما يُفسّر الكميات القليلة الموجودة في لبنان والشحّ الحاصل في المخزون، على الرغم من أن البلاد شهدت لفترات طويلة منع تجوّل ولا تزال بالتزامن مع المناسبات والأعياد والقيود على حركة السير في إطار الحدّ من انتشار فيروس كورونا، وهي إجراءات كان يفترض أن تخفف الطلب على الوقود واستهلاكه لا العكس.
ويتكرّر مشهد طوابير السيارات أمام محطات الوقود كل فترة لكن لأسباب تختلف، بحسب المعنيين، فتارةً ترتبط بارتفاع أسعار النفط عالمياً، وبالتالي لبنانياً، وأحياناً أخرى بارتفاع سعر صرف الدولار في لبنان، وتحديداً في السوق السوداء، أو لعدم فتح اعتمادات كافية لاستيراد مادة البنزين من الخارج.
ويحذّر أبو شقرا من رفع الدعم عن المحروقات وتداعياته الكارثية على المواطنين الذين انعدمت قدرتهم الشرائية وخسروا أكثر من سبعين في المائة من قيمة رواتبهم، وعلى قطاع النقل العام، وهو ما عبَّرت عنه أيضاً اتحادات ونقابات قطاع النقل البري التي ترفض أي خطوة من هذا النوع تتطلب في المقابل رفع تعرفة النقل والبدل المعتمد، وستكون لها ارتدادات قوية في الشارع اللبناني، وخصوصاً من قبل الطبقة الفقيرة، التي أصبحت أكثرية في لبنان ولا يزيد دخل الفرد الواحد منها عن 8 آلاف ليرة لبنانية يوميا.
وسبق لشركة "الدولية للمعلومات" أن لفتت، في تقرير لها، إلى أن رفع الدعم سيشكل الارتفاع الأكبر على صعيد كلفة النقل، التي من المقدر أن تصل إلى نحو سبعين ألف ليرة لبنانية (حوالي 47 دولارا وفق سعر الصرف الرسمي)، وأكثر تبعاً لأسعار النفط عالمياً.
في المقابل، يطالب خبراء اقتصاديون ومعنيون في الشأن الغذائي برفع الدعم وتقديم بدائل للناس بآليات شفافة، منها البطاقة التمويلية والمساعدات النقدية المباشرة، باعتبار أنّ المواد المدعومة، ومن بينها المازوت والبنزين، تهرب إلى سورية ولا يستفيد منها اللبنانيون ولا يجدونها أصلاً في السوق، وهم يرفضون إنفاق ما تبقى من ودائعهم في المصارف على دعم التهريب.
على صعيد آخر، علم "العربي الجديد" أن أزمة انقطاع الأدوية عادت لتلوح في الأفق في ظلّ امتناع شركات ووكلاء عن تسليم الأدوية للصيدليات بانتظار رفع الدعم عنها وبيعها بأسعار مرتفعة، وهذه الأدوية ترتبط بشكل أساسي بأمراض مزمنة، منها الضغط، القلب، السكري وغير ذلك.