مرّة جديدة تتصدَّى المجموعات المدنية الناشطة والمستقلّة في لبنان لمحاولات تمرير القوى الحاكمة قوانين من شأنها أن تعدِمَ المودعين، وعنوانها الأكبر اليوم مشروع قانون "الكابيتال كونترول" الذي أنزِلَ بصيغة جديدة مجبولة بالمخالفات والتعديات، وذلك في جلسة اللجان المشتركة بالصيغة التي أعدها فريق حكومة الرئيس نجيب ميقاتي والتي تختلف عن تلك التي وضعتها كل من لجنتي المال والموازنة والإدارة والعدل، بعد الحملة الكبيرة التي شنّت بوجهه وحذّرت من تداعياته الخطيرة على المودعين، واصفة إياه بالمقترح المدمّر والظالم وغير الدستوري.
وأكدت رابطة المودعين أنّها "نجحت والمجموعات الشريكة والصديقة بالضغط لإسقاط مشروع قانون الكابيتال كونترول المسخ، وستواجه أي مشروع بدعة من أزلام المصارف".
ولفت مصدر في رابطة المودعين، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، إلى أن "التحرك الذي دُعيَ إليه يوم الثلاثاء أمام قصر الأونيسكو في حال إدراج المشروع على جدول أعمال جلسة مجلس النواب التي تنعقد غداً، علّق بعد إسقاطه اليوم"، مشدداً في المقابل على "أننا سنبقى على جهوزية للمواجهة، فسقوطه اليوم لا يعني غياب التوجه الأساس لدى المنظومة السياسية التي قد تمرّر قانون على قياسها وقياس المصارف في أي لحظة مستغلة حدثاً معيناً يشغل الناس، من هنا عملنا وجهدنا مستمرّ حتى إقرار قانون يحمي المودعين".
نجحت #رابطة_المودعين والمجموعات الشريكة والصديقة بالضغط لاسقاط مشروع قانون #الكابيتال_كونترول المسخ ..
— رابطة المودعين Depositors Union (@bdalebanon) December 6, 2021
سقط المشروع..
وسنواجه اي مشروع بدعة من ازلام #المصارف
وكانت الرابطة قد شددت، في بيان، على "أننا كنّا أول من نادى بضرورة إقرار خطة مالية إصلاحية شفافة تترافق مع قانون كابيتال كنترول يوقف النزف والاستنسابية ويحرر التعاملات المصرفية من قبضة المصرف المركزي وتعاميم حاكمه المزاجية، وهو الرجل الذي تتم مقاضاته في الداخل والخارج، ويضع التعافي المالي والاقتصادي على سكته الصحيحة، أما أن يصدر قانون كابيتال كنترول يتيم منحاز للمصارف في غياب خطة إنقاذية فذلك من قبيل الهلوسة القانونية المرفوضة".
ويلفت عضو "المرصد الشعبي لمحاربة الفساد" المحامي جاد طعمة، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أن "هذا المشروع فيه مخالفات دستورية عدة ومخالفات للمواثيق الدولية والاتفاقات الملزمة للبنان وللقوانين المحلية، وفيه انقضاض على صلاحيات السلطة القضائية المستقلة، فهو يعطي ما يشبه براءة ذمة للقطاع المصرفي على كلّ التصرفات السابقة ويمكّن المسؤولين من الإفلات من العقاب، ويعطي مشروعية لإجراءات المصارف التي سبق أن قامت بها، وهذا بحدّ ذاته فضيحة".
ويضيف "كذلك ينشئ محكمة خاصة لملاحقة القضايا المصرفية المتعلقة بالقطاع المصرفي والنظر بالاعتراضات المتصلة بالتحويلات، في خطوة بمثابة تعدٍّ على المحاكم التي تنظر حالياً بدعاوى مرتبطة بودائع الناس وتعطي يدّ طولى للمصارف وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ضمن المحاكم المستحدثة، وهذه كارثة أيضاً، ولا تنقصنا محاكم استثنائية، عدا عن التمييز الفاضح بين الودائع التي تحتجزها المصارف والمودعين عبر تشريع الأموال الجديدة، أي الفرش دولار، بشكل يطيح بمبدأ المساواة، وغيرها من المخالفات التي تضرب عرض الحائط بمصلحة الشعب اللبناني".
ويشير طعمة إلى أنه "يقال في الكواليس إن صاحب المقترح، وهو النائب نقولا نحاس المحسوب على كتلة ميقاتي النيابية، ممثل لإحدى شركات الأوف شور التي قد تستفيد مباشرة في حال تم إقراره، وهو ما يؤكد التكريس المستمر لمنطق المحاصصة والصفقات السياسية، وأن من خرّب لا يمكنه أن يصلح ومن اعتاد النهب لا يمكن أن يستقيم ولا حلّ إلا بمحاسبة كل الطبقة السياسية"، مشدداً على أنّ صندوق النقد الدولي الذي تتذرع المنظومة الحاكمة بملاحظاته ربطاً بالإصلاحات حتماً "لن يقبل بشرعنة وقوننة سرقة الناس ونهب جنى أعمارهم".
وأعلن رئيس لجنة المال والموازنة النيابية إبراهيم كنعان أن "قانون الكابيتال كونترول الذي استجدّ من خارج السياق النيابي والنظامي والذي كاد أن يكرس الاستنسابية من جديد على حساب حقوق المودعين لم يمرّ".
وقال كنعان، بعد جلسة اللجان النيابية المشتركة، الاثنين: "نحن مع الكابيتال كونترول أمس قبل اليوم، لكن على أن يكون من ضمن أرقام واضحة"، مؤكداً أنه "على مصرف لبنان والحكومة أن يلتزما بإحالته على المجلس النيابي ضمن خطة واضحة".
من جهته، أشار النائب فؤاد مخزومي بعد مشاركته في الجلسة إلى أنه "رأينا اليوم مجزرة ثانية شبيهة بمجزرة 4 أغسطس (آب) في مرفأ بيروت"، لافتاً إلى أن "هناك مشروع قانون مقدّم بالمبدأ من الحكومة اللبنانية، إنما بالفعل لم نرَ أحد قادراً على الدفاع عنه، لا النائب نقولا نحاس ولا ممثلي الحكومة، الذين كانوا موجودين ويحاولون القول إنه أفضل ما يمكننا الخروج به وتحت إطار أنه مبني على الكلام مع مؤسسة النقد الدولي".
وأكد النائب ميشال ضاهر لـ"العربي الجديد"، أن "المشروع سقط نهائياً ولن يطرح في جلسة مجلس النواب الثلاثاء، وسبق أن قلت إنه بصيغته المستحدثة يصبح بمثابة قانون عفو عام مالي للمصارف والدولة من التزاماتهم المالية، بينما نحن نريد وضع ضوابط بشكل استثنائي للحفاظ على أموال المودعين لا لإعدامهم".
ويلفت ضاهر إلى أن "أخطر ما في الصيغة المقترحة نصها على سداد الودائع حصراً بالليرة اللبنانية، ما من شأنه أن يؤدي إلى تضخم كبير ويتيح للدولة استعمال الاحتياطي الإلزامي بالعملات الأجنبية، أي 14 مليار دولار، وهو تشريع لسرقة ما تبقى من أموال المودعين في المصارف".
وقال "ائتلاف استقلال القضاء"، في بيان، إن "مقترح كابيتال كونترول زائف طالما أنه يأتي مثل مجمل الاقتراحات السابقة متأخراً بمعزل عن أي خطة أو رؤية إصلاحية مالية أو اقتصادية تشمل إعادة توازن ميزان المدفوعات وإعادة هيكلة الدين العام والقطاع المصرفي وإعادة انتظام للحياة المالية في لبنان".
وشدد على أن "الهدف الأساسي من اقتراح الكابيتال كونترول هو تحصين حاكم مصرف لبنان والمصارف حيال أي مراقبة قضائية في الداخل كما في الخارج، بما يعكس توجّساً من القضاء الأجنبي وحتى القضاء الوطني الذي أصدر أحكاماً عدّة لصالح المودعين".
ولفت إلى أن "المقترح لا يلحظ عمليات المصارف واستثماراتها ضمن القيود المفروضة ولا يضع بالتالي حدّاً لمزيد من تسرّب العملات الأجنبية إلى الخارج، لا بل على العكس قد يتسبّب على الأرجح باستنزاف متفاقم لما تبقى من عملات أجنبية وتضخّم مفرط وتدهور حتمي ومتزايد للعملة الوطنية".