فرضت المصارف اللبنانية، اليوم الجمعة، إجراءات مشددة بوجه زبائنها مع تأمين الحدّ الأدنى لخدماتهم ووفق شروط محدّدة، وذلك في معرض ردّها على عمليات الاقتحام التي طاولت فروعا لها في الأيام الماضية.
وبالتزامن، تستمرّ عمليات الاقتحام لبعض فروع المصارف من قبل مودعين، إذ سجلت، صباح اليوم، محاولة اقتحام بنك بيروت والبلاد العربية فرع حمانا (قضاء بعبدا)، من قبل المودع هاني العنداري لسحب وديعته، بحسب ما أفادت جمعية المودعين اللبنانيين، ومحاولة اقتحام مصرف في مدينة صور، جنوبي البلاد، مع تهديد بإحراق الفرع.
وأعلنت جمعية المصارف في بيان، أمس الخميس، "العودة إلى الإجراءات الاحترازية والتنظيمية المتشددة، وذلك بدءاً من صباح اليوم الجمعة وحتى إشعار آخر"، مستنكرة "ما تتعرض له البنوك من اعتداءات ممنهجة منذ أيام"، كما استهجنت "تقاعس الدولة ومؤسساتها في تعاملها مع هذه الاعتداءات".
ولفتت الجمعية إلى أن "المصارف ستستمرّ بتأمين الخدمات بحدّها الأدنى داخل الفروع والصرّافات الآلية، مع إمكانية إقفال بعض الفروع بصورة موقتة في حال الضرورة".
وقال مسؤول في أحد المصارف في بيروت، لـ"العربي الجديد"، إن غالبية البنوك تلبّي طلبات الزبائن لكن "على الباب" من دون السماح لهم بالدخول، باستثناء من حصل على موعدٍ سابق ويعتبر من زبائن البنك المعروفين وتوجّه إلى الفرع الرئيسي حيث حسابه مفتوح. وفي حال وجود معاملات ضرورية، يُسمح للزبون بالدخول، لكن ممنوع دخول أكثر من شخص.
وأشار المسؤول إلى أن "هذه الإجراءات ضرورية لحماية الموظفين بعد سلسلة الاعتداءات التي طاولت المصارف في الأيام القليلة الماضية، وعرّضت حياتهم للخطر، والجمعية أخذت بعين الاعتبار شكاوى العاملين ومخاوفهم من تطور الأوضاع، ولا سيما في ظلّ قيام بعض جمعيات المودعين بالتهديد برفع مستوى الهجوم على المصارف في الفترة المقبلة، وكلّه في ظلّ سكوت السلطات الرسمية السياسية، وعدم قيام الأجهزة الأمنية بواجباتها كما يجب، ما يدفعنا إلى التحرّك منفردين".
ولفت المسؤول إلى أن "هذه التدابير ستبقى حالياً حتى إشعار آخر، وسنرى في مقبل الأيام كيف سيكون الوضع، ولكننا سنبقي على تأمين خدمات الناس بالشكل اللازم".
وسجلت في الأيام الماضية أكثر من عملية اقتحام في بيروت وخارجها لفروع البنوك من قبل مودعين يتمسّكون بحقهم في استرداد ودائعهم المسلوبة بالقوة، بعدما مرّ نحو 4 سنوات على احتجاز أموالهم بالدولار الأميركي ومدخراتهم في المصارف، وفرضت عليهم سحوبات ضمن شروط تقضم قيمتها بنسبة كبيرة، الأمر الذي دفع بجمعية المصارف إلى إصدار بيان لوّحت فيه بالإقفال، قبل أن "تنفذ" تهديدها في بيان أمس الخميس.
يأتي ذلك قبل أيام قليلة من انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في 31 يوليو/تموز الحالي. ويفرض قانون النقد والتسليف أن يتسلّم نائبه الأول وسيم منصوري مهامه منعاً للشغور في سدّة الحاكمية، علماً أنّ هذا "السيناريو" لم يُحسَم بعد، في ظلّ وضع نواب الحاكم استقالتهم "على الرفّ" بانتظار حصولهم على أجوبة في ما خصّ الخطة النقدية المالية التي تقدّموا بها أمس الخميس إلى لجنة الإدارة والعدل النيابية.
واقترح نواب حاكم مصرف لبنان تحويل العملة المحلية من نظام الربط إلى التعويم بحلول نهاية شهر سبتمبر/أيلول المقبل، وذلك ضمن خطة نقدية مالية بجداول زمنية محددة تنتهي في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وتقوم أيضاً على إعادة النظر بمشروع الموازنة، وإقرار قوانين الكابيتال كونترول، وإعادة هيكلة المصارف، ومعالجة الفجوة المالية، وحماية الودائع.
كما تضمّنت الخطة التعاون بين مصرف لبنان ومجلس النواب والحكومة لضبط سوق الدولار، وتحديد سعر الصرف بطريقة "مدارة" على منصة تبادل معترف بها دولياً، بحيث تعكس القيمة الحقيقية لليرة اللبنانية، كما والتنسيق بين مصرف لبنان والبرلمان والحكومة لتحسين عمق سوق الصرف الأجنبي.
وتدعو الخطة إلى إصلاحات مالية كبرى، وإصدار عدد من القوانين التشريعية المالية الإصلاحية التي تتطلبها هذه المرحلة التي تمرّ بها البلاد، واعتماد معايير محددة من شأنها أن تساعد في خلق طلب على الليرة اللبنانية، على أن تلتزم الحكومة والبرلمان إقرار هذه القوانين وتنفيذها لإعادة بناء الثقة وتأمين إيرادات إضافية في إطار ميزانيتها لسداد القرض المستحق حديثاً.
وأشار نواب الحاكم خلال جلسة الخميس إلى أن سلامة كان يعمل خلافاً لرأي المجلس المركزي، مشددين على أنهم ضدّ منصة صيرفة، وسياسات الحاكم التي كانت معتمدة، ولا سيما لناحية الدعم الذي كان يذهب إلى التهريب والتزوير، كما عارضوا سياسة الصرف من الاحتياطي، وغيرها من القرارات التي اتخذها سلامة، وينوون تغييرها في حال لم يستمرّوا في مهامهم.
وقال مصدرٌ نيابيٌّ لـ"العربي الجديد"، إن "خطة نواب حاكم مصرف لبنان قيد الدرس، ولكنها صعبة التنفيذ حالياً، خصوصاً أنها تتطلب إقرار قوانين، وهذه الخطوة لا يمكن القيام بها في ظلّ الشغور الرئاسي، وبالنظر إلى الصلاحيات المحدودة لمجلس النواب، والتي أصلاً عليها خلافات سياسية حادة، مع رفض أطراف سياسية أي دور للبرلمان سوى انتخاب رئيس بعدما تحوّل إلى هيئة ناخبة".
ويستمرّ الشغور الرئاسي في لبنان منذ 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في ظلّ عدم وجود أي مؤشرات إيجابية تشي بانتخاب رئيس جديد للبلاد في فترة قريبة، مع زيادة حدّة الخلاف بين القوى السياسية حول الشخصية التي ستتولى منصب الرئاسة الأولى، علماً أن التنبيهات الخارجية بدأت تعلو لمخاطر الفراغ اقتصادياً ونقدياً ومعيشياً، وتلوّح بعقوبات قد تفرض على معرقلي الحلول والمتسببين بالأزمة اللبنانية.