استمع إلى الملخص
- أثار القرار جدلاً بين الخبراء، حيث حذر المحلل الاقتصادي علي الرقيعي من مخاطر تضخمية محتملة، مشددًا على ضرورة إصلاحات اقتصادية شاملة وتعزيز الثقة في القطاع المصرفي لتجنب تكدس الأموال في الأسواق الموازية.
- أشار أستاذ الاقتصاد طارق الصرماني إلى أهمية تدفق إيرادات النفط بانتظام لتجنب الضغوط التضخمية، داعيًا إلى تحسين الشفافية في إدارة الإيرادات ودعم مشاريع استثمارية، بينما أكد المحلل المصرفي معتز هويدي على ضرورة التحول نحو الاقتصاد الرقمي.
في خطوة تهدف إلى معالجة أزمة السيولة النقدية، أعلن مصرف ليبيا المركزي عن طباعة 30 مليار دينار ليبي لإحلالها محل العملة القديمة التي سيجرى سحبها تدريجيًا وفق خطة زمنية مدروسة. ورغم الآمال التي يعلقها المصرف على هذه الخطوة، يثير القرار جدلًا واسعًا بين الخبراء حول جدواه الاقتصادية وتأثيره على الاقتصاد الليبي.
جاءت هذه الخطوة ضمن خطة لمعالجة شح السيولة النقدية، حيث نوقشت خلال اجتماعات مكثفة عقدها السيد ناجي محمد عيسى، محافظ مصرف ليبيا المركزي، مع الإدارات المختصة والمديرين العامين للمصارف المتأثرة، صباح الأحد 1 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وأكد المحافظ أن الخطة المعتمدة من مجلس الإدارة تهدف إلى معالجة أزمة السيولة بشكل تدريجي وجذري، مع بدء التنفيذ في مطلع يناير/كانون الثاني 2025. كما أشار إلى ضرورة تطوير البنية التحتية للمصارف والتوسع في خدمات الدفع الإلكتروني، بما يضمن تعزيز الاستقرار النقدي وتلبية احتياجات الأفراد والشركات.
من جانبه، أكد المحلل الاقتصادي علي الرقيعي أن طباعة العملة ليست حلاً جذريًا لمشكلة السيولة، بل قد تؤدي إلى مخاطر تضخمية إذا لم تكن مدعومة بإصلاحات اقتصادية شاملة. وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد": "من الضروري أن تواكب هذه الخطوةَ جهودٌ لتعزيز الثقة في القطاع المصرفي وتحفيز المدخرات البنكية، بدلًا من الاعتماد على طباعة النقود فقط". وأشار إلى أن التحدي الأساسي يكمن في استعادة الثقة بين المواطنين والمصارف. فإذا لم تُرافق هذه الخطوة سياسات لتعزيز التداول النقدي داخل المنظومة المصرفية، فإن الأموال الجديدة لن تجد طريقها إلى المصارف، بل ستتكدس في الأسواق الموازية. كما أضاف أن إصلاح القطاع المصرفي ودعم البنية التحتية للخدمات الإلكترونية يمكن أن يكونا الحل الجذري لهذه الأزمة.
تأثير سياسات مصرف ليبيا المركزي على الكتلة النقدية
وفي سياق متصل، يربط أستاذ الاقتصاد بالجامعات الليبية طارق الصرماني تأثير طباعة العملة بأداء قطاع النفط، مشيرًا إلى أن الاقتصاد الليبي يعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط. وقال في حديث لـ"العربي الجديد": "زيادة الكتلة النقدية من دون وجود تدفق منتظم لإيرادات النفط ستؤدي إلى ضغوط تضخمية. الحل يكمن في ضمان استقرار الإنتاج النفطي واستخدام العائدات لدعم مشاريع استثمارية تقلل الاعتماد على النقد الورقي". كما أشار إلى أن تحسين الشفافية في إدارة الإيرادات النفطية يمكن أن يساهم في تخفيف التوترات الاقتصادية.
من جانبه، تبنى المحلل المصرفي معتز هويدي موقفًا نقديًا تجاه طباعة العملة معتبرًا أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى "أزمة تضخم مقلقة". وأوضح في حديثه لـ"العربي الجديد": "العملة المطبوعة قد لا تحل الأزمة الحالية إذا استمرت الأموال خارج النظام المصرفي. ما نحتاجه هو خطة شاملة تتضمن سياسات رقابية صارمة، ودفع التحول نحو الاقتصاد الرقمي لتقليل الاعتماد على النقد". وأكد أهمية تجنب تضخم الكتلة النقدية عبر ربط النقد المتداول بحجم الإنتاج المحلي وتحفيز الاقتصاد الحقيقي. كما دعا إلى تسريع التوسع في خدمات الدفع الإلكتروني باعتبارها حلًا مستدامًا لتقليل الأزمات النقدية في المستقبل.
من جانبه، يرى المحلل الاقتصادي بشير مصلح أن خطوة طباعة العملة وسحب العملة القديمة تمثل محاولة لإدارة أزمة السيولة، إلا أن نجاحها يعتمد على تنفيذها بشكل دقيق ودمجها مع إصلاحات اقتصادية واسعة النطاق. ويبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن هذه الخطة من معالجة الأزمة جذريًا، أم أنها مجرد حل مؤقت قد يحمل معه تداعيات أكبر؟
وكان مصرف ليبيا المركزي قد أعلن عن سحب أوراق نقدية من فئة الخمسين دينارًا من التداول بسبب وجود عملة مزورة تسببت في عدم استقرار الأسواق وزيادة الطلب على النقد الأجنبي، ومُدّد تداولها حتى نهاية شهر إبريل/نيسان من العام المقبل.
وفي إبريل الماضي، أعلن مصرف ليبيا المركزي عن اتفاقه مع شركة "ديلارو" الإنكليزية لطباعة "أورق بنكنوت" خمسة مليارات دينار من فئة 10 دنانير، تشير البيانات الرسمية إلى أن السيولة المتداولة خارج القطاع المصرفي بلغت 45.9 مليار دينار (بما يعادل 4.8 دنانير لكل دولار) حتى نهاية الربع الثالث من العام، في حين أن المعدل الطبيعي لا يتجاوز سبعة مليارات دينار.
ويأتي ذلك بالتزامن مع أزمة السيولة في ليبيا التي يواجهها القطاع المصرفي خلال الفترة الحالية، حيث يصطف المواطنون في طوابير طويلة مع ازدحام شديد أمام المصارف التجارية. وغالبا ما تلجأ الحكومات، حينما تتعرض لتراجع في مواردها المالية، إلى طبع أموال "بنكنوت" لتوفير السيولة اللازمة لدفع رواتب العاملين في أجهزة الدولة وتغطية الإنفاق العام.