اتفق الطرفان المتصارعان في ليبيا على ضرورة إعادة إعمار المدن المتضررة من كارثة عاصفة "دانيال" التي ضربت مناطق شرق ليبيا.
ورغم ذلك اتجه كل طرف نحو تخصيص أموال لإعادة الإعمار وتعويض المتضررين بمنأى عن الآخر.
ورصدت الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد ملياري دولار لهذا الملف، وفي المقابل أعلنت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة تخصيص 418 مليون دولار لصندوق إعادة إعمار درنة.
وأثارت الانقسامات في التعامل مع ملف إعادة الإعمار مخاوف الأوساط الاقتصادية من إهدار الأموال المخصصة أو جزء منها في ظل هذا الانقسام. واشاروا إلى تجارِب الحكومات السابقة بشأن إعادة إعمار المدن المتضررة من الحرب والتي لم يتم فيها إنجاز أي شيء حتى الآن.
وقال مدير مركز أويا للدراسات الاقتصادية (مستقل) أحمد أبولسين، في تصريحات لـ"العربي الجديد" إن مدينة درنة تحتاج إلى خطة عاجلة بمبلغ 12.2 مليار دولار لأننا بحاجة إلى مدينة جديدة مع إقامة بنية تحتية وبناء سدود جديدة.
وأوضح أن ملف إعادة الإعمار بحاجة إلى حكومة موحدة واستقرار سياسي وتوفير الأموال وصرفها بكل شفافية مع الإفصاح الكامل مع متابعة الأجهزة الرقابية، مشيرا إلى وجود مخاوف من إهدار الأموال المخصصة لإعادة الإعمار في حال استمرار الانقسامات.
ودعا المحلل المالي سليمان الشحومي، إلى ضرورة إنشاء مجلس إعمار موحد في ليبيا يتكون من مستقلين وخبراء مع الاستفادة من خبرات البنك الدولي لتقديم نموذج تنموي متكامل.
وقال الشحومي لـ"العربي الجديد" إن تداعيات الإعصار فتحت شهية الجميع نحو كعكة الإنفاق على الإعمار، مشيرا إلى أن مجلس النواب أكد أنه سيشرف على المشروعات المخصصة لهذا المجال. ولفت إلى تشديد المجلس الرئاسي على أن إعادة الإعمار ستكون عبر مؤسسات الدولة.
من جهته، قال الناطق الرسمي باسم جهاز النهر الصناعي صلاح الساعدي، في تصريحات لـ"العربي الجديد" إنه سيتم إنشاء جسر مؤقت بين شرق درنة وغربها، موضحا أنه سيتم إنشاء 18 ممرا للمشاة ليساعدهم في التنقل فضلا عن فتح طرقات في البياضة وبطة.
ومن زاوية أخرى، يحذر المحلل الاقتصادي على الزليطني، من دخول مؤسسات الدولة على خط ملف إعادة إعمار درنة مع وجود مشروعات إعادة إعمار خلال سنوات سابقة لم يتم تنفيذها عبر الحكومات المتعاقبة، متخوفا من تكرار تجربة الحديث عن مشروعات إعمار جديدة دون وجودها على أرض واقع.
وعرّج خلال حديثه لـ"العربي الجديد" على ضرورة معالجة الملف عبر إقامة مؤتمر دولي لإعادة إعمار درنة والمدن المتضررة ومن ثمة تأسيس صندوق دولي تشرف عليه الأمم المتحدة بشأن إقامة المشروعات بتمويل محلي وخارجي.
وأشار إلى أن المجلس الرئاسي سنة 2015 خصص مليار دينار لتنمية الجنوب، ولكن الأموال لم تصرف بالإضافة إلى تعدد صناديق إعادة الإعمار في برامج الحكومة منها إعادة إعمار مرزق وسرت وبنغازي وسهل كفارة وهي عبارة عن عرض إعلامي فقط.
ومن خلال متابعة بيانات مصرف ليبيا المركزي خلال الثمانية أشهر الأولى من العام الحالي بلغت مصروفات صناديق إعادة الإعمار لسرت وجنوب طرابلس وبنغازي بنحو 800 ألف دولار.
واقترح بعض أهالي منطقة درنة انعقاد مؤتمر دولي لإعادة إعمار المنطقة، مع تخصيص الأموال وإشراف دولي للشركات الأجنبية للبدء الفعلي في تعويض المتضررين.
وقال الناطق الرسمي لمجلس النواب عبد الله بحليق لـ"العربي الجديد" إن المجلس يناقش مشروع قانون بشأن إنشاء جهاز إعادة تأهيل المدن والمناطق المتضررة وتضمين موازنة الطوارئ في قانون الميزانية.
وأعلنت الغرفة التجارية عن إنشاء صندوق للمساعدات الإنسانية والاجتماعية ليكون ممولًا ومدعوما من رجال الأعمال والاتحادات والمنظمات الدولية.
كما أعلن وزير الاقتصاد والتجارة بحكومة الوحدة الوطنية محمد الحويج، تبني مجلس أصحاب الأعمال الليبيين مبادرة لاستكمال مشروع 2000 وحدة سكنية بمدينة درنة لدعم الأسر المتضررة، داعيا رؤساء الغرف التجارية إلى تبني مبادرة لتوفير سيارات لأرباب الأسر وتوزيعها بالتنسيق مع البلديات المعنية واللجان المختصة.
من جانبه، قال المعماري الليبي سفيان دعاس لـ"العربي الجديد" إن المخططات العمرانية لمنطقة درنة بحاجة إلى تجديد.
وأضاف أن المخططات العمرانية الحالية تعود إلى ثمانينات القرن الماضي ومن الضروري تطويرها. وقال إن الشركات المحلية تفتقد الخبرة لإقامة مدن حديثة مطالبا بالاستفادة من تجارب الدول الأخرى.
وفي سياق متصل، أكد مدير شركة الخدمات العامة محمد إسماعيل، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" أنه من المبكر الحديث على إزالة ركام إعصار دانيال في درنة.
وكشف رئيس غرفة الطوارئ بمصلحة الطرق والجسور حسين سويدان، أن نسبة الأضرار في البنية التحتية في المناطق المنكوبة تقدر بحوالي 70%.
وأضاف سويدان أن 11 جسرا قد انهارت جراء السيول، اثنان منها يربطان درنة بمدينتي سوسة والقبة، و6 أخرى داخل درنة، و3 جسور في الطريق بين شحات وسوسة.
وأشار سويدان إلى عطب 80% من العبارات المائية في جميع المدن والقرى في المنطقة الشرقية، مشيرًا إلى أن الأضرار في الطرق العامة تقدر بـ50% في المناطق المنكوبة.
وجرفت الفيضانات آلاف المنازل والممتلكات، وكشفت عن نقاط ضعف هائلة في الدولة الغنية بالنفط الغارقة في الصراع منذ اندلاع الثورة عام 2011.