مع ظهور مؤشرات على تراجع التضخم في العديد من الاقتصادات الكبرى، وتصدر تصريحات تنبئ باقتراب دورة رفع الفائدة الحالية من نهايتها لعناوين الأخبار، تتعرض ارتفاعات الأسهم العالمية الأخيرة لاختبار قاس خلال الأسابيع القادمة، حيث تعلن مئات الشركات عن نتائج أعمال الربع الثاني من العام الحالي.
وتقول وكالة "بلومبيرغ" إنه من المتوقع أن تسجل الشركات المشمولة بمؤشر إس أند بي 500 انخفاضًا بنسبة 9% في المتوسط في أرباح الربع، ما يجعله أسوأ ربع منذ عام 2020، وفقًا للبيانات التي جمعتها.
وفي أوروبا، قد يكون الوضع أسوأ، مع توقع انخفاض بنسبة 12%. ولكن مع التوقعات السابقة المبالغ في تشاؤمها، والتي تحسنت بعض الشيء فيما يخص توقعات أرباح العام القادم، لا تبدو الصورة في أسواق القارة العجوز شديدة القتامة، كما كانت من قبل.
وبعد عدة أشهر، سيطرت فيها بيانات التضخم، وتوقعات تحركات السياسة النقدية على أسواق الأسهم في مختلف بقاع الأرض، يشهد العام الحالي تحولاً فيما يتابعه مستثمرو الأسهم، الراغبون في تجنب خسائر تطيح ما تم تحقيقه من مكاسب خلال النصف الأول من العام، الذي كان الأفضل فيما يقرب من أربعة عقود، لبعض الأسهم والمؤشرات.
وفي تقرير حديث، حددت "بلومبيرغ" عدة عوامل، قالت إن أغلب المستثمرين سيتابعونها، خلال الفترة المتبقية من العام.
تأثير شركات التكنولوجيا الكبرى
بعد "هوجة" الاندفاع نحو الشركات المستفيدة من تطبيقات وبرامج الذكاء الاصطناعي، يراقب المستثمرون حالياً مدى تحقق توقعات زيادة الربحية في شركات التكنولوجيا الناشئة.
وقالت أنيكا جوبتا، مديرة أبحاث الاقتصاد الكلي في "ويزدوم تري": "إذا فشل الحماس للذكاء الاصطناعي في أن يتجسد بشكل كافٍ في أرباح شركات التكنولوجيا، فيمكننا أن نشهد على الأقل تصحيحًا مؤقتًا في أسعار الأسهم".
وتوقعت وحدة الأبحاث التابعة لبلومبيرغ تسجيل شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل "أبل"، و"مايكروسوفت"، و"أمازون"، و"ألفابيت"، و"إنفيديا" أعلى نمو في الأرباح بين الشركات الأميركية هذا الربع.
تأثير التضخم
رغم توالي إشارات تراجع التضخم، وإبطاء معدلات رفع الفائدة في أميركا والاقتصادات الكبرى، لم تكن الصورة ناصعة بالقدر الكافي للشركات، حيث ما زالت تكاليف العمالة، كما العديد من السلع الوسيطة والمواد الأولية، شديدة الارتفاع، بينما تزداد الضغوط على الشركات التي تحاول نقل تلك الارتفاعات إلى أسعار البيع للعملاء.
والأسبوع الماضي، واصلت أسعار النفط ارتفاعها للأسبوع الثالث على التوالي، وتخطى خام برنت حاجز الثمانين دولاراً، بينما توالت التقارير المبشرة بتجاوز الطلب للإمدادات المعروضة، حتى نهاية العام على أقل تقدير.
وكتب روب هاوورث، كبير محللي الاستثمار في وحدة إدارة الثورات لدى "يو إس بنك" في مذكرة لعملائه، "تباطأ التضخم الرئيسي بوتيرة أسرع من الأجور، مما قد يساعد المستهلكين، لكنه يضر بهوامش الربحية لدى الشركات. سنراقب تفاعل نمو الأجور مع تضخم الأسعار لمعرفة ما إذا كانت الشركات ستظل تحت الضغط".
ضغوط المستهلكين
يقول محللو الأسواق إنهم يراقبون قوة الإنفاق الاستهلاكي، ويتابعون مبيعات السيارات وقطاع السفر والضيافة، لتقييم قوة الشركات الأميركية. وتركز شركات إدارة الاستثمار حالياً على مجالات أخرى، تشمل أعباء ديون الشركات وخطط إعادة التمويل، خاصةً لمن لديهم ميزانيات ضعيفة.
ويقول روس مايفيلد، محلل إستراتيجية الاستثمار في "بيرد"، وفقاً لبلومبيرغ، "لقد دعم المستهلكون الاقتصاد الأميركي لأشهر، مدفوعين بسوق عمل قوي ومدخرات زائدة، لذا فإن أي دليل على ضبط الإنفاق، أو تراجعه سيكون مؤثراً".
وبعد تعديله وفقًا للتضخم، تباطأ الإنفاق الاستهلاكي الأميركي إلى حد كبير بعد ارتفاعه في بداية العام، ولم تكن توقعات الشركات قوية.
وأعلنت شركة "ميكرون تكنولوجي"، المصنعة لشرائح الذاكرة، أنها تتوقع انكماشًا في أسواق أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، وحذرت شركة الكيماويات الألمانية العملاقة "باسف" من تراجع الأرباح، ملقية باللوم على بطء الطلب على المنتجات الاستهلاكية.
وتشير تلك التوقعات إلى أن الحديث عن انتعاش سريع للأرباح في العام المقبل قد يكون سابقاً لأوانه.
تراجع التفوق الأوروبي
تشير التوقعات إلى تراجع أرباح الشركات الأوروبية أكثر من الأميركية، بسبب الضعف في قطاع التصنيع، كما عودة أسعار الطاقة للارتفاع، وفقًا لاستراتيجيي "بنك باركليز"، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار العملات الأوروبية أما الدولار، وهو ما يتسبب عادة في تراجع الصادرات الأوروبية.
وحذرت شركة سواتش السويسرية لتصنيع الساعات من تأثير تغير أسعار العملات على المبيعات هذا العام.
وبدأت سوق الأسهم في ترجمة التحديات التي تواجهها الشركات الأوروبية، حيث تخلفت أرباح الأسهم الأوروبية بصورة واضحة، خلال الربع الثاني من العام، عن نظيرتها الأميركية، رغم تفوقها في أغلب فترات الربع الأول.
انتعاش الصين بقوة
لم تستفد الأسهم الصينية من موجة الارتفاعات التي شهدتها الأسواق خلال النصف الأول من العام، بسبب الانتعاش البطيء، بعد انتهاء الإغلاق المرتبط بالوباء. وخلال الفترة، سيطرت المخاوف المرتبطة بقطاع العقارات، كما ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب.
ومن المتوقع أن تشير التقارير الواردة من صانعي السيارات في البلاد إلى نقطة مضيئة في الاقتصاد الصيني، حيث تكتسب المبيعات المحلية والصادرات زخمًا، بينما قد تكون نتائج شركات التكنولوجيا ضعيفة، بسبب الضغوط التي تتعرض لها أسواق الرقائق العالمية، وبصفة خاصة الأسواق الصينية.
وما زالت الشركات المنكشفة على السوق الصينية تواجه بعض المخاطر، وتحديداً عمالقة إنتاج السلع الرفاهية في أوروبا. لكن مجموعة "بربري" قالت يوم الجمعة إن الطلب المرتفع في الصين ساهم في تعويض الضعف في السوق الأميركية. وستخضع شركتا "إل في إم إتش LVMH" و"كرينج" المفضلتين للمستثمرين للتدقيق في أدائهما في آسيا.
وقالت فابيانا فيديلي، كبيرة مسؤولي الاستثمار للأسهم والأصول المتعددة في شركة "إم أند جي"، إن شركات التجميل والسلع الرياضية التي تبيع في الصين تواجه مخاطر أكثر من الشركات الفاخرة، بسبب التركيبة السكانية لعملائها.