أبدت الحكومات المحلية في عدد من المحافظات العراقية، اعتراضات كبيرة على مشروع قانون الموازنة المالية لعام 2021، الذي ينتظر البرلمان وصوله خلال اليومين المقبلين لأجل دراسته والمضي نحو خطوة التصويت على الموازنة، وسط أزمة مالية خانقة تضرب البلاد للشهر التاسع على التوالي بفعل تراجع أسعار النفط الذي يمثل نحو 96 بالمائة من واردات العراق المالية، والضرر الذي أحدثته جائحة كورونا بقطاعات أخرى في البلاد.
يأتي ذلك في وقت تواجه فيه الحكومة اتهامات من قبل قوى سياسية، بارتكاب مخالفات قانونية بمشروع الموازنة تتعلق بآلية توزيع النفقات وكذلك استمرار تواضع إيرادات الموارد غير النفطية، إذ تلوّح أطراف سياسية بمساءلة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي برلمانياً بشأنها.
واليوم الاثنين حاولت رئاسة البرلمان حل الخلاف بشأن تنازع الصلاحيات بين الوزارات الاتحادية في بغداد والحكومات المحلية في المحافظات، وهو النزاع الذي يتكرر بشكل شبه سنوي، بشأن مشاريع التنمية والتأهيل، إذ تنقسم بين مشاريع تنفذها الوزارات وأخرى تنفذها الحكومة المحلية، ويعود الخلاف إلى فقرات قابلة للتأويل في أكثر من وجه بالدستور العراقي حول صلاحيات مجالس المحافظات، وتداخلها مع صلاحيات الوزارات الاتحادية.
وبحسب مصادر برلمانية، فإن رئاسة البرلمان، عقب اجتماع مشترك عقده نائب رئيس البرلمان حسن الكعبي، مع محافظي المحافظات العراقية كافة، واللجنة المالية، لم تتوصل إلى أي اتفاق في ما يتعلق بموضوع الموازنة ومخصصات المحافظات والمشاريع الممنوحة له لتنفيذها غير تلك التي تضطلع بها الوزارات الاتحادية.
وأكد لـ"العربي الجديد" أن عدة محافظات اعتبرت وجود الوزارات حلقة زائدة في بعض المشاريع، وأن الموازنة يجب أن تنقل الأموال المخصصة من حصة الوزارات إلى حصة المحافظات مباشرةً.
وأصدر نائب رئيس البرلمان حسن الكعبي، بياناً عقب هذا الاجتماع، قال فيه إن "العمل مستمر للإسراع في حل المشاكل التي تعاني منها المدن، وبخاصة الخدمية، وتقرر عقد اجتماع آخر بحضور عدد من الوزراء المعنيين بالمشاريع في المحافظات، للوقوف على أسباب تلكؤ المشاريع، وبخاصة الاستثمارية".
محافظ البصرة، أسعد العيداني، لم يبد أي تفاؤل بحل المشاكل المرتبطة بالتخصيصات المالية ضمن الموازنة، وقال لـ"العربي الجديد"، إن "مشاكل المحافظات مع الوزارات الاتحادية والنظرة إلى موازنة 2021، لا يمكن حلها، لأن الموازنة أغلبها تشغيلية، ولا سيما أن النسب المخصصة للمشاريع الاستثمارية ستكون قليلة، رغم أن أسعار النفط عالمياً بدأت تتعافى".
وأكد أن "المشاريع المتوقفة بالمحافظات تابعة لوزارات ولم تتبع للحكومات المحلية، وأن مشاريع المحافظات أنجزت بشكل كامل، وبعضها أنجز بنسب عالية، ما يحتم نقل مشاريع الوزارات إلى إدارات المحافظات لإنجازها، وقد طالبنا بذلك كمحافظة البصرة، ولكن لم يتم تحويلها".
وشدد على "أهمية حسم هذا الملف، بغية أن يكون هناك عمل في المحافظات وإنجاز للمشاريع، إذ يجب أن يرى المواطن مشاريع تنجز على أرض الواقع".
أما محافظ النجف، لؤي الياسري، فقد دعا إلى "نقل الصلاحيات من الوزارات لإدارة المحافظات، حتى يتسنى تحريك ملف الاستثمار"، وقال لـ"العربي الجديد": "المحافظة مثقلة بالمشاريع المعطلة، بعضها من عام 2008 ولحد الآن، وكل هذه المشاريع تنتظر تمويلاً".
وحمّل الوزارات "مسؤولية تعطيل تلك المشاريع"، مشدداً "على الحكومة أن تحث تلك الوزارات على إكمال مشاريعها".
وأشار إلى أن "ملف نقل الصلاحيات (من الوزارات إلى إدارات المحافظة) فيه مشاكل كبيرة، إذ إن بعض الوزارات ما زالت متمسكة بصلاحيتها وترفض ذلك"، مؤكداً أن "المركزية المقيتة هي السبب بذلك الخلل"، ومشدداً على أنه "يجب أن يكون هناك قرار حاسم من قبل الحكومة والبرلمان لحل هذه الإشكاليات".
محافظ الأنبار علي فرحان، أكد، لـ"العربي الجديد"، "ضرورة أن تدعم الموازنة ملف الاستثمار، في المحافظات، وقد طالبنا بذلك خلال اجتماع اليوم، وأكدنا ضرورة دعم المشاريع قيد الإنجاز، ودعم مشاريع جديدة خاصة بملف الخدمات"، مشدداً على "ضرورة أن يؤخذ ذلك بنظر الاعتبار، وأن تُدعَم إدارات المحافظات ضمن هذا التوجه".
وشدد على أن "الحديث عن وضع أمني في الأنبار غير مستقر، ليس صحيحاً، وأن الخروقات الأمنية ليس لها أي تأثير بحركة الاستثمار التي تحتاج إلى دعم".
ولا يمكن الموازنة تأمين كل المتطلبات المالية للمحافظات، فضلاً عن أن الكثير من الفقرات فيها ما زالت محل خلاف بين القوى السياسية، ولا سيما في ما يتعلق برواتب إقليم كردستان، وملفات وفقرات أخرى تحتاج إلى مراجعة وتوافق سياسي.
وترجّح تسريبات برلمانية أن يكون حجم الموازنة العراقية للعام الجديد بنحو 90 مليار دولار وبعجز يبلغ قرابة 30 بالمائة من حجم الموازنة الكلي، وفقاً لسعر 42 دولاراً للبرميل الواحد.
ويأمل رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي تمرير الموازنة خلال هذا الشهر أو مطلعه في أقصى تقدير، إذ حذر في وقت سابق من أن تأخرها سيسبب تأخر مرتبات الموظفين مجدداً مطلع العام المقبل.