تتلاشى ثروات مليارديرات العملات المشفرة، التي تضخمت طوال العامين الماضيين، وسط عمليات بيع جنونية من جانب المتعاملين الفزعين من تبخر أموالهم، في ضوء التأثيرات السلبية لارتفاع معدل التضخم، واستمرار مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) في رفع معدل الفائدة، لتنهار الصورة التي رُسمَت على مدار سنوات حول أنّ العملات المشفرة أداة للتحوط من التضخم وحافظة للأموال.
وسبّبت موجة التضخم العالمية والتأثيرات السلبية الواسعة التي تشهدها معظم الاقتصادات زيادة حدة التقلبات التي تشهدها العملات المشفرة، لتخسر أكثر من 1.6 تريليون دولار من قيمتها السوقية منذ وصولها إلى أعلى مستوياتها التاريخية في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
هوت عملة بيتكوين الأشهر عالمياً بنحو 56% خلال ستة أشهر، إذ يتخلص منها المستثمرون ويهربون إلى النقود التقليدية الرسمية
فقد هوت عملة بيتكوين الأشهر عالمياً بنحو 56% في غضون ستة أشهر، إذ يتخلص منها المستثمرون ويهربون إلى النقود التقليدية الرسمية، التي يفترض أنّ العملات المشفرة تفسدها.
كذلك إن العملات المستقرة، مثل "تيرا" و"تيذر"، التي صممت بهدف تجنب التقلبات العنيفة في أسعارها عبر إدارة خوارزمية، أو من خلال دعمها بعملات رسمية وأصول تقليدية أخرى، أصبحت غير مستقرة.
وتلاشت قيمة عملات أخرى، فقد هوى سعر عملة "لونا" من 120 دولاراً إلى صفر خلال شهر مايو/أيار الجاري، فيما كانت قيمة العملة قد بلغت 40 مليار دولار عالمياً.
ولطالما شهدت العديد من العملات المشفرة، وخاصة بيتكوين، ترويجاً من قبل شخصيات عالمية بارزة، سواء من مستثمرين أو حتى سياسيين، مثل، جاك دورسي، المؤسس المشارك لموقع التواصل "تويتر"، ورئيس السلفادور، نجيب بوكيله، لكن الانهيارات المتلاحقة التي تتعرض لها هذه الأسواق ترسم صورة قاتمة، ليس فقط للمستثمرين العاديين فيها، بل المليارديرات من مؤسسي بورصات تداول هذه العملات.
فقد تعرضت ثروة براين أرمسترونغ، مؤسس "كوين بيس غلوبال" للتآكل، إذ كانت تبلغ نحو 13.7 مليار دولار في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، قبل أن تتراجع إلى 8 مليارات دولار في نهاية مارس/ آذار 2022، وتهوي إلى 2.3 مليار دولار فقط في منتصف مايو/ أيار الجاري، وفقاً لمؤشر "بلومبيرغ" للمليارديرات.
تعرضت ثروة براين أرمسترونغ، مؤسس "كوين بيس غلوبال" للتآكل، إذ كانت نحو 13.7 مليار دولار في نوفمبر2021، قبل أن تهوي إلى 2.3 مليار دولار في منتصف مايو
تآكلت ثروة أرمسترونغ، بعدما أدت عمليات بيع العملات الرقمية من "بيتكوين" إلى "إيثر" إلى هبوط حادّ في القيمة السوقية لـ"كوين بيس"، أكبر بورصة عملات مشفّرة في الولايات المتحدة. إذ هوت أسهم الشركة بأكثر من 78% منذ طرحها العام الأولي في إبريل/ نيسان الماضي.
هوت كذلك ثروة مايكل نوفوغراتز، الرئيس التنفيذي لبنك التشفير التجاري "غالاكسي ديجيتال"، إلى 2.9 مليار دولار من 8.5 مليارات دولار في أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وخسر تشانغ بينغ تشاو، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة بينانس، ثروة أكبر من أرمسترونغ أو نوفوغراتز، إذ كانت ثروته الصافية لدى دخوله مؤشر بلومبيرغ للمليارديرات، في يناير/كانون الثاني الماضي نحو 96 مليار دولار، وهي واحدة من أكبر ثروات العالم، لكنّها هوت في وقت سابق من الشهر الجاري إلى 16 مليار دولار.
وفقد تايلر وكاميرون وينكليفوس، المؤسسان المشاركان للبورصة المنافسة "جيميناي"، نحو 2.1 مليار دولار، أو ما يوازي 40% من ثروتهما هذا العام.
وتراجعت ثروة سام بانكمان فرايد، الرئيس التنفيذي لبورصة "إف تي إكس" FTX للعملات المشفّرة، بمقدار النصف إلى نحو 13 مليار دولار منذ نهاية مارس/آذار.
لم يكن أرمسترونغ الملياردير الوحيد الخاسر في "كوين بيس"، إذ خسر فريد إهرسام الشريك المؤسس والمتداول السابق في بنك الاستثمار الأميركي "غولدمان ساكس" أكثر من 60% من ثروته هذا العام، لتصل إلى 3 مليارات دولار الآن.
وفي تحليل نشرته وكالة بلومبيرغ، قال المحلل الفرنسي ليونيل لوران، إن بورصات الرموز المشفرة، التي صنعت مليارديرات لهم أسماء كبيرة، توقف فيها التداول، وشهدت شطباً لبعض المشتقات، ما ينتج من تبخر الأموال وتآكل الثقة في النظام ككل، ما يدعو للسخرية عندما نتحدث عن بنية أساسية تقوم على التكنولوجيا وإطلاق ثورة في قطاع المال.
تراجعت ثروة سام بانكمان فرايد، الرئيس التنفيذي لبورصة "إف تي إكس" FTX للعملات المشفّرة، بمقدار النصف إلى نحو 13 مليار دولار منذ مارس
ووفق ماكس غوكمان، رئيس شؤون الاستثمار لدى شركة ألفا تراي، فإنّ وضع المتعاملين في العملات المشفرة يبدو شبيهاً بـ"الوقوف في العراء بينما السماء تمطر مناشير".
وقبل أسبوعين تقريباً، اجتمعت مجموعة من المتخصصين في العملات المشفرة حول طاولة مستديرة في ندوة أشرفت عليها المؤسسة المُصدرة لجريدة وول ستريت جورنال والعديد من المطبوعات الأخرى، لمحاولة استقراء مستقبل تلك العملات وما ينتظر منها من تحركات مستقبلية.
واعتبر رئيس استراتيجيات الأصول الرقمية لدى "بنك أوف أميركا" أكش شاه، أنّ هذه الأصول ترتبط بأصول أخرى تحمل في طياتها الكثير من المخاطر مثل التكنولوجيا، وأنّ القطاع برمته شهد تصحيحاً بسبب عوامل مثل ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم.
وأكد أستاذ الاقتصاد لدى جامعة كورنل، إسوار براساد، مؤلف كتاب "مستقبل المال"، أنه لا توجد أي نماذج تقييم أساسية يمكن استخدامها في تقييم العملات المشفرة، خصوصاً العملات مثل بيتكوين التي ليس لها قيمة جوهرية، مشيراً إلى أن مؤشر ناسداك في بورصة نيويورك انخفض بنحو 30% من أعلى مستوى له، بينما تراجعت العملات المشفرة بأكثر من 60%، ويعني ذلك أن العملات المشفرة ستكون أكثر تقلباً مع وجود الكثير من مخاطر الارتفاع والهبوط.
بدوره، أكد المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة بانتيرا كابيتال، دان مورهيد، التي لديها صندوق تحوط للاستثمار في العملات المشفرة، أنّهم يتعاملون في سوق تلك العملات منذ أكثر من عشر سنوات، وأنّهم شهدوا خلال تلك الفترة ست دورات كبيرة من التقلبات السعرية.