غبار الركام يحجب وضوح الرؤية بشأن إمكانيات ومسارات إعادة إعمار ما دمره العدوان الإسرائيلي في قطاع غزة، فيما تتزايد الدعوات لتحميل إسرائيل كلفة إعادة الإعمار.
وأكد ريتشارد كوزول رايت مدير منظمة التجارة التابعة للأمم المتحدة (أونكتاد) الخميس، أن غزة ستحتاج إلى "خطة مارشال" جديدة للتعافي، وذلك تعليقاً على تداعيات العدوان الوحشي الحالي الذي يتعرض له القطاع. وقال خلال اجتماع للأمم المتحدة في جنيف نقلته "جيروزاليم بوست"، إن "الأضرار كانت بالفعل أربعة أضعاف الأضرار التي لحقت بغزة خلال الحرب التي استمرت سبعة أسابيع في العام 2014".
أما وزير الخارجية الأميركي، توني بلينكن، فقال إن الانخراط الخليجي في عمليات الإعمار ليس مضمونا بالضرورة، وعلق في مقابلة أجراها مع شبكة "سي أن أن"، بأن الدول الخليجية ليست حريصة على المشاركة في إعادة إعمار غزة إذا كان القطاع الفلسطيني "سيُسوى بالأرض مجددا خلال عام أو 5 أعوام ثم تُطلَب منها إعادة إعماره من جديد".
وإزاء ذلك، بدا الطرح العربي والخليجي مصرا على ربط الإنفاق على إعادة الإعمار بـ "ضمانات" بعضها اقتصادي.
واعتبر رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني، محمد مصطفى، خلال حديثه أخيراً في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، أن إعادة بناء الوحدات السكنية في غزة ستتطلب ما لا يقل عن 15 مليار دولار، مؤكدا أن جهود إعادة الإعمار ستكون هائلة، وفق لما أورده تقرير نشرته وكالة "رويترز" في 17 يناير/كانون الثاني الجاري.
لذا، يرجح مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني في معهد الدوحة للدراسات العليا، غسان الكحلوت، أن تواجه إعادة الإعمار عقبات أشد صعوبة هذه المرة، خاصة في ظل اختلاف الدول العربية والغربية حول رؤيتها للتسوية السياسية في غزة، بحسب ما أوردته محاضرته في ندوة المركز العربي.
ويرى الكحلوت أن الدعوات بشأن مطالبة المحتل الإسرائيلي بتحمل تكاليف إعادة الإعمار، "غير قابلة للتطبيق على المستوى الواقعي، مع الدعم الذي يتلقاه من المجتمع الدولي"، ما يعني أنه "ليس ثمة طريق آخر لتفعيل عملية إعادة الإعمار بحق دون إخراج المحتل من المعادلة".
ويشير الخبير الاقتصادي، محمد الناير، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن إعادة إعمار غزة تحتاج إلى تمويل ضخم، إذ إن كلفتها قد تفوق كلفة الحرب نفسها، بما يوازي عشرات المليارات من الدولارات، وبالتالي فالأمر يحتاج إلى مساندة كبيرة جدا من كل الدول العربية والإسلامية.
ويضيف الناير أن حجم التمويل سيلقي مسؤوليات أكبر على الدول الخليجية ذات العائدات النفطية الكبيرة، خاصة أن إعادة إنشاء البنية التحتية والخدمات ستمثل إنفاقا لا يدر عائدا في الغالب، بخلاف المشروعات الإنتاجية.
إزاء ذلك، فإن إعادة إعمار غزة ستحتاج إلى قرار من دول الخليج يخفف من الوضع الإنساني المأساوي في غزة من خلال تحسين مستوى الخدمات الصحية والبنية التحتية وغيرها من القطاعات التي تتطلب اعتمادات مالية ضخمة، تمثل دول الخليج "رأس الرمح" في توفيرها، حسب تعبيره.
وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي، حسام عايش، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن الواقع التاريخي أن إعادة الإعمار في العديد من الدول التي تعرضت لغزو أجنبي لم تكتمل، بحسب عايش، مشيرا إلى أن "العراق دمر ولم يكتمل إعماره حتى الآن، وسورية دمرت ولم يعد إعمارها، كما تعرضت غزة نفسها للتدمير في أعوام 2008 و2014 و2021 ولم يتم إنجاز إعمار ما جرى تدميره حتى الآن.
ويلفت عايش إلى أن بعض الدول الخليجية سبق أن شاركت في بعض عمليات إعادة الإعمار في غزة، لكن ذلك لم يوصل القطاع إلى النتيجة النهائية، لكنها دائما مدعوة أميركيا وغربيا إلى المشاركة المالية في الإعمار بعد كل عدوان إسرائيلي.
غير أن المشاركة في إعادة الإعمار هذه المرة ستجري بنكهة إحياء "صفقة القرن" والتعاون الاقتصادي بين الدول العربية وإسرائيل، حسبما يرى عايش، متسائلا: "لماذا تقبل الدول العربية باستمرار أن تدير الولايات المتحدة وإسرائيل ظهرهما للدول دون تحمل أيًّا منهما النتائج المترتبة على هذا التدمير، وما تشملها من تعويضات؟".
وأشار إلى أن ألمانيا كانت حتى قبل 4 سنوات تقدم لإسرائيل تعويضات عن المحرقة النازية، وفي المقابل، تُعفى إسرائيل من كلفة التعويض لأي دمار تحدثه في العالم العربي.
لذا، يرى عايش ضرورة دفع الدول العربية والإسلامية، ومعها الدول التي أيدت دعوى جنوب أفريقيا التي تتهم إسرائيل بممارسة الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، باتجاه تحميل إسرائيل كلفة إعادة إعمار غزة.
ويحذر عايش من أن بقاء إعادة الإعمار بعيدا عن أي إنفاق إسرائيلي يعني أن دولة الاحتلال سيكون بإمكانها أن تعيد العدوان مجددا وأن تدمر أي بلد تراه، عربيا أو غير عربي، دون أن تتحمل أي كلفة لذلك، مؤكدا ضرورة أن تقوم الدول العربية، بما فيها تلك الخليجية، بتقديم اقتراحات للأمم المتحدة لتحميل إسرائيل كلفة إعادة الإعمار في غزة ولو جزئيا.