لجأت نساء في إدلب (شماليّ سورية) إلى إنشاء مشاريع صغيرة بهدف تأمين منتجات للأسواق المحلية، وفرص عمل تكفيهن العوز والحاجة، وتساعدهن على توفير احتياجات عوائلهن ومستلزمات العيش، في ظل الفقر والنزوح وفقدان العائل وتردي الأحوال المعيشية.
سلام الخليل (41 عاماً) نازحة من مدينة معرة النعمان إلى مدينة إدلب، افتتحت مشروعاً لإعداد المؤونة من المواد الغذائية المحفوظة، بالاعتماد على اجتهادها وخبرتها.
وعن ذلك تقول: "بعد تعرض زوجي لإصابة حربية، وقعوده عن العمل، حاولت عبثاً العثور على فرصة عمل، تساعدني على كسب رزق أولادي، وتأمين نفقات المعيشة، لذا قررت استغلال مهارتي في إعداد مؤن الغذاء، وتحويل منزلي إلى ورشة لهذه المهنة".
وتبين أن 6 نساء معيلات ونازحات يعملن في مشروعها الصغير، ويقدمن أفضل ما لديهن من جودة، لتوفير كل ما تحتاجه الأسر من مؤن.
وعن العمل تقول: "أُعدّ المؤونة الموسمية طوال فصل الصيف، من خلال تسوق الخضار والفواكه بأسعار الجملة، من أجل القيام بتجفيفها أو تحويلها إلى عصائر أو مربيات، ثم تعبئتها بأكياس أو عبوات حسب الوزن. أما خلال فصل الخريف، فتُعدّ النساء "دبس الرمان" إلى جانب كبس الزيتون الأخضر والأسود.
وتلفت إلى أن رأسمال مشروعها بلغ قرابة 1000 دولار، واختارت هذا العمل باعتبار أن المؤونة من أساسيات المطبخ، ولا يحتاج إلى توافر مساحة مكانية واسعة أو إلى شراء معدات أو آلات مكلفة وصعبة الاستخدام.
وعن أسعار المنتجات التي تنتجها الورشة، تبين الخليل أنها ترتبط بأسعار السوق، وتلاقي إقبالاً من أهالي المنطقة الذين يحجزون حاجاتهم من المؤونة المنزلية في كل موسم، إضافة إلى بيع البعض منها في السوق المحلية، حيث تبيع الكيلوغرام الواحد من المكدوس (أكلة شعبية) بمبلغ 100 ليرة تركية، والكيلوغرام من الملوخية بسعر 60 ليرة تركية، فيما تبيع الفليفلة المجففة بسعر 100 ليرة تركية، والنعناع الجاف يبلغ 70 ليرة تركية. (الدولار = 18.6 ليرة تركية).
كذلك سماهر الجبان (36 عاماً) من مدينة إدلب، فقدت زوجها بحادث سير قبل عامين، تعمل في ورشة لإعداد المؤونة لتجني في نهاية المطاف أجراً يسد رمق عائلتها.
وتؤكد أن هذا العمل أسهم في قضاء وقتها بما هو نافع ومفيد، مؤكدة أنه يتناسب مع ظروفها، حيث تتمكن من مزاولة عملها داخل منزلها، دون أن تضطر إلى إهمال أطفالها الثلاثة والابتعاد عنهم طوال النهار.
وتلفت إلى أن أكثر الأنواع رواجاً وأهمية، المكدوس والملوخية المجففة والباذنجان ورب البندورة والمخللات، فهي منتجات يخزنها الأهالي صيفاً، لتأمين مؤونة الشتاء من المواد الغذائية.
وتوضح الجبان أنها تواجه مع زميلاتها الكثير من المصاعب، جراء غلاء الأسعار الذي يؤثر بحركة البيع والشراء، ويؤدي إلى كساد بعض الأصناف والأنواع أو بيعها بأسعار التكلفة، فضلاً عن العمل لساعات طويلة، ومنافسة المنتجات المستوردة التي تغذي السوق بالمنتجات الجاهزة، لكنها رغم ذلك تفضل مزاولة هذا العمل على البقاء في المنزل وانتظار المساعدات والتبرعات التي لا تغني من جوع.
وأكدت أنها تأمل أن يتحسن العمل في الورشة، ويدرّ على النساء أرباحاً تلبي طموحاتهن. وتشير الجبان إلى أنها تحصل على مبلغ 50 ليرة تركية جراء عملها في الورشة لمدة 5-6 ساعات يومياً.
من جانبها، اختارت علية القدور (32 عاماً) من بلدة حربنوش في ريف إدلب الشمالي، العمل في مجال تصنيع الألبان والأجبان داخل منزلها.
وفي ذلك تقول: "تعاني أسرتي من وضع معيشي صعب، فزوجي يعمل مقابل 50 دولاراً شهرياً، وهو راتب قليل لا يؤمن أبسط احتياجات الحياة. لذا، بدأت البحث عن مصدر رزق ضمن المنزل أساعد به زوجي، وأكون سنداً لعائلتي المكونة من خمسة أفراد، فعمدت إلى هذا المشروع الصغير".
وتضيف: "أشتري الحليب من جاراتي، وأعمل على تصنيع الألبان والأجبان ومشتقاتها، وأسوّق الإنتاج للمحلات التجارية في السوق الشعبي".
سماهر الجبان (36 عاماً) من مدينة إدلب، فقدت زوجها بحادث سير قبل عامين، تعمل في ورشة لإعداد المؤونة لتجني في نهاية المطاف أجراً يسد رمق عائلتها
وتشير القدور إلى أن أغلب المواد الأولية اللازمة لصناعة هذه المنتجات متوافر لدى العوائل الريفية، ما يجعل العمل يسيراً دون تعقيدات تذكر.
ويفضل الكثير من أهالي إدلب المؤونة المعدة منزلياً على تلك الجاهزة المستوردة أو التي تُعَدّ في المعامل، لأنها تمتاز بالنظافة والجودة.
المعلمة فاطمة الحمزة (29 عاماً) نازحة من مدينة سراقب إلى مدينة إدلب، تشتري المؤونة المصنعة يدوياً كل عام، وتفضّلها على الجاهزة والمعلبة آلياً، لأن دوامها اليومي يمنعها من إيجاد الوقت الكافي للقيام بذلك، فضلاً عن جودة منتجات البيت وطعمها المميز.
وتؤكد الحمزة أنّ المواد الغذائية المحفوظة ضرورية في كل منزل لمواجهة فصل الشتاء ومصاريفه الكبيرة، لكن الكثير من أهالي إدلب خفضوا من كمية المؤونة المخزنة في مطابخهم، بسبب غلاء أسعار المنتجات اللازمة للمؤن وتدني المستوى المعيشي وغياب الأمن والاستقرار.
وتسعى نساء في إدلب للتأقلم مع قسوة واقعهن في ظل الحرب، وتحسين المستوى المعيشي بإمكانات بسيطة، بالإضافة إلى تنمية دورهن وتوفير فرص عمل تساعدهن على إعالة أنفسهن وعوائلهن، بعيداً عن الحاجة وانتظار المساعدات.