اضطرت مصانع الأغذية في إسرائيل إلى "استدعاء المتقاعدين" من أجل تسيير أعمالها التي تراجعت بشكل كبير، في ظل نقص العمالة الشابة، بعدما تقرر وقف العمال الفلسطينيين واستدعاء جيش الاحتلال نحو 360 ألفاً من جنود الاحتياط للانضمام إلى المعارك ضد قطاع غزة منذ نحو شهرين، ما قلّص الإنتاج ورفع أسعار السلع في الأسواق، بينما تواجه تجارة إسرائيل الخارجية ارتباكاً بفعل تكثيف الحوثيين استهدافهم السفن الإسرائيلية المارة في البحر الأحمر.
وأكد صناعيون في قطاع الأغذية أنهم يضطرون إلى إغلاق بعض خطوط الإنتاج، ما يدفعهم إلى التفكير في إدخال معدات متقدمة من أجل توفير القوى العاملة، لا سيما في ظل حالة عدم اليقين بشأن عودة الاستقرار قريباً.
وأدت الحرب إلى وقف عمل عشرات آلاف العمال الفلسطينيين، حيث ألغت سلطات الاحتلال تصاريح العمل لجميع العمال من قطاع غزة الذي يُقارب عددهم 18 ألف عامل، فضلاً عن وقف الاستعانة بعشرات آلاف العمال من مختلف الأراضي المحتلة، بينما غادر آلاف العمال الأجانب إسرائيل والذين كان يعمل أغلبهم في الصناعات الغذائية والمزارع والبناء.
بحسب جلعاد زيلبيرغ، صاحب أحد مصانع الأغذية، فإن مصنعه يوظف حوالي 70 شخصاً، بينما لم يعد الكثير منهم منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لافتاً إلى أن "20% من العمال العرب الإسرائيليين لم يعودوا إلى العمل، كما فرت العاملات من أوكرانيا إلى وطنهن، ولا يوجد عمال فلسطينيون.. لدينا أيام دون تشغيل جميع خطوط الإنتاج لأن العمال لا يأتون، بينما ترتفع النفقات الثابتة وينخفض الدخل، لأننا لا ننتج دائماً بكامل طاقتنا".
ويشير زيلبيرغ، وفق تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، أمس الأربعاء، إلى التفكير في إدخال الروبوتات إلى الصناعة، لكن ذلك يصطدم بانخفاض ميزانيات الاستثمار، كما أنه إذا لم تكن المنتجات الغذائية تعتمد في إنتاجها على عمال بسطاء ستصبح أكثر تكلفة.
وأدت الحرب إلى مغادرة أكثر من 17 ألف عامل أجنبي إسرائيل، وفق سلطة الهجرة بوزارة الداخلية الإسرائيلية، لافتة، على لسان رئيسها ايال سيسو، في تصريحات لصحيفة "معاريف"، نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني، إلى مغادرة 9855 عاملاً تايلانديا في قطاع الزراعة، و4331 عاملاً في قطاع البناء و2997 في قطاع التمريض.
وقدّر بنك إسرائيل المركزي الكلفة التي يتكبدها الاقتصاد الإسرائيلي بسبب نقص القوى العاملة، بنحو 2.3 مليار شيكل (618 مليون دولار)، أسبوعياً، موضحاً في تقرير الشهر الماضي أن هذه التكاليف ناجمة عن إجلاء نحو 144 ألف عامل من المناطق القريبة من الحدود مع غزة ولبنان إضافة إلى استدعاء جنود الاحتياط للخدمة. واستدعاء جيش الاحتلال جنود الاحتياط للحرب على غزة هو الأكبر في تاريخ الاحتلال، وهو ما أثر على الكثير من الأعمال التي تأثرت بغياب الموظفين والعمال.
تقليل الإنتاج رغم ارتفاع الطلب
وقال إيريز بالدي، المسؤول في إحدى شركات تصنيع اللحوم: "هناك صعوبة في العمل.. لدينا مسلخ في كفر حباد وسط إسرائيل وآخر في الشمال بينما 20% من القوى العاملة لم تعد للعمل.. نحن مجبرون على تقليل الورديات والنتيجة هي إنتاج أقل، بينما هناك طلب وليس لدينا ما يكفي من السلع".
وأشار إلى أن نقص العمال ليس فقط بسبب مغادرة العمال الأجانب إسرائيل أو وقف العمال الفلسطينيين وإنما أيضاً لأن الإسرائيليين لا يأتون للعمل، بسبب عمليات الإجلاء التي جرت في أعقاب اندلاع الحرب.
وأظهرت بيانات أصدرتها دائرة التوظيف الإسرائيلية أخيراً أن ارتفاعاً حاداً طرأ على عدد الأفراد المسجلين كعاطلين من العمل خلال أكتوبر/ تشرين الأول. وبحسب التقرير الشهري لدائرة التوظيف، الذي نشرته صحيفة "غلوبس" أخيراً، فإن 70 ألف طلب تسجيل تقدم بها إسرائيليون كعاطلين من العمل في الشهر الأول للحرب. ويزيد هذا الرقم بنسبة 460% على أساس شهري، صعوداً من 12.5 ألف طلب تم تسجيلها في سبتمبر/ أيلول.
وقالت ليورا بيرناك، المديرة التنفيذية لأحد مصانع الأغذية، إن شركتها تقوم بتوظيف المتقاعدين في مختلف درجات العمل من الإدارة إلى الإنتاج في ظل نقص العمالة، مضيفة: "يصعب علينا العثور على موظفين إلى حد إغلاق خطوط الإنتاج".
وتابعت أن المصنع يعرض أجوراً أعلى من الحد الأدنى بينما يرفض الكثيرون العمل، مبررين ذلك بأنه غير مناسب لهم، لافتة إلى أنها تتعامل مع ثلاث شركات توظيف لتوفير العمالة، بينما تفشل في تحقيق ذلك.
رواتب أعلى ولا عمال
وقالت: "قبل كل وردية (دوام)، يتصل بي مدير الوردية ويسألني عن الخطوط الأكثر إلحاحاً للتشغيل لأن هناك دائماً نقصاً في العمال.. في الماضي احتفظنا بثلاثة عمال في الاحتياط، وكنا على استعداد لدفع راتب لهم للحفاظ على استمرارية الإنتاج، لكن اليوم لا يكاد يوجد حد أدنى لعدد العمال.. إذا لم يعمل خط الإنتاج، فلا يوجد عمل أيضاً لخطوط التعبئة والتغليف وغيرها".
بدوره، يرى رون تومر، رئيس اتحاد المصنعين، أن "الحل الفوري لأزمة نقص العمالة الداخلية هو إضافة العمال الأجانب"، مشيراً إلى أنه عشية الحرب جرت الموافقة على استقبال 3000 عامل أجنبي إلى قطاع الأغذية، لكنهم لم يصلوا بعد.
وينعكس ارتفاع تكاليف الإنتاج على أسعار السلع في الأسواق، ولم يعد الأمر مقتصراً على السلع الغذائية المصنعة، وإنما أيضاً الخضروات الطازجة التي تشهد الأسواق نقصاً فيها أيضاً بفعل نقص العمالة الزراعية وارتفاع تكاليف النقل. ووفق تقرير منفصل ليديعوت أحرونوت، فإن "حرب السيوف الحديدية" الإسرائيلية على غزة أدت إلى مغادرة ما بين 80% و90% من العمال الأجانب في الزراعة في المستوطنات، لافتة إلى أنه بعد مغادرتهم لم يتم حصاد الخضروات التي زرعت في شهري أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول، كما أنه لم تتم غرس أي بذور جديدة تقريباً في أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني.
وقال مسؤول في تجارة الخضروات "إنها مسألة أيام قليلة حتى نشعر بالنقص الكبير في الخضار، خاصة الطماطم، وفي غضون أسابيع قليلة سيتم استيراد معظم المنتجات التي يجري عرضها على الرفوف".