مصر: إجراءات حكومية لتقليل الدعم قد تطاول مجانية التعليم لأكثر من طفلين

29 يوليو 2024
تكفل الدولة مجانية التعليم بمراحله المختلفة /القاهرة 21 يونيو 2020 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **اجتماع الرئيس السيسي وخطط الحكومة الجديدة**: اجتمع الرئيس السيسي مع وزير التربية والتعليم لمناقشة خفض الدعم الحكومي لقطاع التعليم، تنفيذًا لشروط صندوق النقد الدولي.
- **توقعات خفض الدعم التعليمي وتأثيره**: الحكومة قد تقصر مجانية التعليم على طفلين فقط في الأسر الحديثة، مما يثير قلق الرأي العام حول جدوى خفض ميزانية التعليم.
- **موافقة مشيخة الأزهر وتاريخ خفض الدعم**: القرار يتطلب موافقة مشيخة الأزهر، والحكومة تعمل منذ سنوات على خفض الدعم عبر رفع أسعار المحروقات والخبز والكهرباء.

قبل اجتماع المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، اليوم الاثنين، لإقرار المراجعة الثالثة لبرنامج التمويل الذي يتيح لمصر صرف شريحة بقيمة 820 مليون دولار، اجتمع الرئيس عبد الفتاح السيسي، السبت الماضي، مع وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف، وسط أنباء عن نية الحكومة الجديدة في مصر التي تشكلت برئاسة مصطفى مدبولي، اتخاذ المزيد من الإجراءات الخاصة بخفض الدعم المقدم للمواطنين- تنفيذاً لشروط صندوق النقد الدولي- ومنها الدعم الحكومي المقدم لقطاع التعليم.

توقع مراقبون أن تقدم الحكومة المصرية على خطوة كانت قد أجلتها لفترات قبل ذلك، في إطار ما يسمى بمواجهة الزيادة السكانية في مصر والحد من فاتورة الدعم، وهي قصر مجانية التعليم على طفلين فقط واستبعاد الطفل الثالث من المجانية في التعليم الحكومي، في الأسر الحديثة، وذلك بعد أن جرت مؤخراً سلسلة اجتماعات بين ممثلين عن وزارات الصحة والتعليم والأوقاف. ورغم أن الخطوة المرتقبة تحمل في ظاهرها توجهاً إلى الحد من الزيادة السكانية، لكن مساعي الحكومة المصرية في الوقت الحالي، والتي أتت مواكبة لمراجعة صندوق النقد، تشير إلى أن تلك الخطوات جاءت لتنفيذ مطالبات صندوق النقد الدولي وشروطه للحصول على برنامج القرض المقدر بـ8 مليارات دولار.

وفي السياق، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي المصري سعيد صادق، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "طرح هذا الموضوع الذي يمس تعليم الملايين ومستقبل مصر قد يقلق الرأي العام حول استراتيجية الحكومة، فهل حل الأزمة الاقتصادية يتطلب خفض ميزانية التعليم التي تتراوح ما بين 2٪؜ إلى 3٪؜ من الميزانية؟"، متسائلاً: "هل لا يوجد بند آخر في الميزانية يتم خفضه مثل تقشف الحكومة بدلاً من الضغط على التعليم الذي يعاني أصلاً أزمات مزمنة تؤثر على قوة مصر الناعمة!؟".

وأكد الخبير في الاجتماع السياسي أنه "من الواضح عدم وجود استراتيجية قومية مستقرة وثابتة خاصة في قطاع استراتيجي مرتبط بالأمن القومي للبلاد مثل التعليم، فهو قطاع يجب أن لا يتأثر بتغيير وزير، ويتبع فقط استراتيجية ثابتة"، مضيفاً أن "أي وزير جديد يجب أن تكون وظيفته متابعة الاستراتيجية وتنفيذها، لا الارتجال وخلق سياسة جديدة". وأشار صادق إلى أن "الحكومة هي سلطة تنفيذية لاستراتيجيات تمت صياغتها علمياً وبموافقة ودعم مجلس النواب في النظام البرلماني أو من رئيس الدولة في النظام الرئاسي، وهي في قطاعات استراتيجية لا تتغير مع كل حكومة جديدة ، فتغيير السياسات يكون وفقاً لاستراتيجيات تعلن ويكون حولها حوارات لضبطها".

وتنص المادة (19) في الفصل الأول من الباب الثاني في دستور مصر (المقومات الاجتماعية) على أن "التعليم حق لكل مواطن هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمي في التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه في مناهج التعليم ووسائله، وتوفيره وفقاً لمعايير الجودة العالمية". وعلى أن "التعليم إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية، وفقاً للقانون. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية". 

ويتطلب القرار الذي تدرسه الحكومة موافقة مشيخة الأزهر، التي يبدو أنها تحفظت على تلك الخطوة، وهو ما استدعى لاحقاً إشراك وزير الأوقاف أسامة الأزهري، مستشار رئيس الجمهورية السابق للشؤون الدينية في المشاورات الجارية، وتكليفه بإعداد رؤية شرعية شاملة للتمهيد للخطوة المرتقبة، توضح مدى تطابقها مع الشرع، و"حق ولي الأمر أو الحاكم في اتخاذ إجراءات تصب في الصالح العام".

وطالب الرئيس المصري، في تصريحات بإحدى الفعاليات في فبراير/شباط 2021، المصريين بتحديد النسل من أجل تحقيق التنمية، قائلاً إنه "يكفي طفلين فقط". وكانت الحكومة المصرية ممثلة في وزارة التضامن الاجتماعي قد أطلقت في عام 2018 مبادرة تحت عنوان "2 كفاية"، تهدف إلى الحد من الزيادة السكانية وعدم إنجاب أكثر من طفلين.

"إملاءات" صندوق النقد على مصر

وتعمل الحكومة المصرية منذ عدة سنوات، وتحديداً منذ بدء الاعتماد الواسع على آلية الاقتراض من صندوق النقد الدولي لمواجهة الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، على خفض حجم الدعم المقدم في الموازنة عبر مجموعة من الإجراءات التي لم تجرؤ حكومات سابقة على المساس بها، مثل رفع أسعار المحروقات، والتي بلغت مستويات قياسية، وكذلك رفع أسعار الخبز المدعم، وزيادة أسعار شرائح الكهرباء، ومنع إصدار بطاقات تموينية جديدة للمتزوجين حديثاً، وقصر الدعم التمويني في البطاقات القديمة على طفلين فقط واستبعاد الطفل الثالث، إضافة إلى قصر الدعم النقدي في برنامج المساعدات النقدية المشروطة "تكافل وكرامة" الخاصة بالفئات الأشد احتياجاً على طفلين فقط في الأسرة بدلاً من 3 أطفال منذ الأول من يناير/ كانون الأول 2019.

وقررت الحكومة المصرية الأسبوع الماضي زيادة أسعار مجموعة واسعة من منتجات الوقود، للمرة الثانية خلال سنة 2024، في خطوة اعتبر مراقبون أنها تستهدف الحصول على موافقة صندوق النقد الدولي على المراجعة الثالثة لبرنامج قرض موسع، بعد تأجيل لأكثر من 3 أسابيع. وكان من المفترض أن يبت المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في الموافقة على المراجعة الثالثة لبرنامج القرض لمصر بقيمة 8 مليارات دولار في العاشر من يوليو/تموز الجاري، قبل تأجيل ذلك حتى 29 يوليو.

ويبلغ حجم الدعم الموجه إلى التعليم قبل الجامعي في الموازنة العامة للعام المالي الذي دخل حيز التنفيذ يوليو الجاري 565 مليار جنيه (نحو 11.7 مليار دولار)، في حين بلغ دعم التعليم العالي والجامعي 293 مليار جنيه.

وفي السادس من مارس/ آذار  الماضي، كشف رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي عن أن مصر وقعت اتفاقية مع صندوق النقد الدولي لرفع قيمة التمويل الممنوح للبلاد من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات دولار ، وذلك بعد قرارات حكومية شملت خفض قيمة العملة خفضاً كبيراً ورفع أسعار الفائدة.

ويخشى سياسيون وأحزاب وجهات عدة معنية بحالة الشارع في الدولة المصرية من الإقدام على خطوات أكثر قسوة في ما يخص مسألة الدعم المقدم للمواطنين، خاصة بعد الزيادة التي وصفت بالكبيرة في أسعار المحروقات، وفي مقدمتها السولار الذي يسبّب التبعية في زيادة أسعار كل السلع والطعام، إذ يعد العمود الفقري في عمليات النقل من مناطق الإنتاج إلى الحلقات التالية حتى يتم وصول السلع إلى المستهلك. 

(الدولار= 48.3 جنيهاً تقريباً)
 

المساهمون