منذ انتهاء الانتخابات الرئاسية في مصر، تشهد الأسواق حالة من الاضطراب الشديد، تختفي سلع وتظهر أخرى على ارتفاعات قياسية في الأسعار.
أدى اختفاء البصل المحظور تصديره حتى نهاية ديسمبر/ كانون الأول الجاري، إلى ظهور بعض منتجاته بسعر هائل، حيث يعرض بـ40 جنيها للكيلو المخزن من الصيف الماضي، وارتفع سعر البصل الأخضر الذي يحتاج إلى شهرين للنضوج، إلى 20 جنيها. كما بلغ سعر الثوم البلدي 70 جنيها لأول مرة في مصر، ويباع المستورد بمعدل الضعف.
واختفى السكر الذي ظلت الحكومة توزعه أمام مراكز الاقتراع على الانتخابات بسعر 27 جنيها ليظهر على خفية في المحلات بسعر 55 جنيها. تكشف حالة اضطراب السلع، عن أزمة عميقة تواجه الأسر، يعتبرها اقتصاديون انعكاسا لتدهور قيمة العملة، مع توقع تخفيض مؤلم لقيمة الجنيه مقابل العملات الصعبة خلال الفترة الحالية. كما يتخوف اقتصاديون من موجات جديدة من التضخم، مرتبطة بعودة صعود الدولار أمام الجنيه بالأسواق، ليصل إلى 51 جنيها، بعد تراجع بنحو 7 جنيهات منذ أسبوع.
لن تأتي الانتخابات الرئاسية بجديد، فرغم أنها محسومة مقدما بفوز عبد الفتاح السيسي، تظل الأسواق عند مفترق طرق، وفقا لتوقعات محللين، يرون أن الحكومة ستتجه نحو تخفيض جديد لقيمة العملة، من شأنه أن يضع العملة عند مستوى 50 جنيها للدولار رسميا مقابل الحصول على قروض جديدة من صندوق النقد.
حاولت الحكومة السيطرة على معدلات التضخم، لشهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، الذي بلغ 36.4% بأنحاء البلاد مقابل 38.5% في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بتراجع طفيف للشهر الثاني على التوالي ليستقر عن أدنى مستوياته منذ مايو/أيار 2023.
جاءت مؤشرات جهاز الإحصاء الرسمي على انخفاض متوقع ومواكب لما أسفرت عنه أغلب استطلاعات الرأي التي قامت بها مؤسسات مالية، مطلع الشهر الجاري، متأثرة بارتفاع معدل زيادة الأسعار بنفس الفترة لسنة الأساس، وضغوط الحكومة لتهدئة الزيادة بأسعار الخضروات واللحوم والسلع الأساسية، عبر مبادرات رسمية شاركت بها الغرف التجارية ومنظمات أعمال، للسيطرة على غضب المواطنين، المطلوبة أصواتهم للمشاركة في الانتخابات الرئاسية، التي استمرت 3 أيام.
وبالفعل، زفت وسائل الإعلام الرسمية نبأ انخفاض معدلات التضخم، خلال الانتخابات، لتهيئة الأجواء أمام الناخبين، الذين يتعرضون لكم هائل من الدعاية التي تحثهم على الذهاب إلى مراكز الاقتراع.
وتكافح الأسر في توفير احتياجاتها الشهرية من السلع، بما دفع سالي عبده، الموظفة بمكتب التأمينات الاجتماعية بالهرم، إلى التوجه لأحد المعارض التي أقامتها الحكومة على مقربة من مقر التصويت الانتخابي بمدرسة عامة، على مسافة أمتار من محافظة الجيزة، غرب العاصمة.
بمجرد دخولها المكتب الحكومي والتوقيع على دفتر الحضور، حصلت عبده على إذن رسمي بالغياب للمشاركة في الانتخابات، وقررت أن تشترى احتياجات الأسرة، حتى ينفض الزحام من اللجان الانتخابية. فرحت حينما رأت كميات هائلة من السكر، تنهال على المعرض، ليباع الكيلو بسعر 27 جنيها. تعلم الموظفة الأربعينية أن السكر المختفي منذ أسابيع، سيكون فرصتها الأخيرة للشراء خلال الانتخابات بسعر رسمي، بدلا من البحث عنه بمشقه لدى الموزعين بسعر يصل إلى 55 جنيها للكيلو. التقطت عبده من المعرض، كمية من البصل والثوم والخضروات، وفوجئت عند الحساب، بأن كيلو البصل زاد من 20 إلى 40 جنيها، خلال أسبوع، وطلب البائع 70 جنيها في كيلو الثوم الذي بيع أمس الأول بنحو 30 جنيها ولعدة أشهر.
نزل الطلب على السيدة كالصاعقة، تركت المشتريات بمكانها وهرولت مسرعة، وهي تتمتم: "اعتبرونا اشترينا وانتخبنا وحلينا بالسكر الذي لن يكفي طفلا طوال الشهر". يعكس غضب الموظفة التي تقيم بالقرب من عملها في منطقة متوسطة شديدة الزحام، أحوال الملايين من أرباب الأسر الذين تعصرهم الزيادة المستمرة في الأسعار التي زادت حدتها على مدار الأعوام الماضية.
الأسر بحاجة إلى المال والدولة تعاني من شح الموارد، وتسعى الحكومة إلى السيطرة على الأسعار دون جدوى، بعد إجراء 3 تخفيضات بقيمة الجنيه. تهرب الحكومة للأمام بالبحث عن مزيد من القروض، للخروج من أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد. تشعر عبده خريجة كلية الحقوق بالأخطار التي تواجه أسرتها بعد الانتخابات، وتعلن نتيجتها الأسبوع المقبل رسميا، حيث تدرك بحكم تعليمها العالي وحدسها في إدارة الموازنة العائلية شهريا، أن الأسوأ قادم.
تتحسب الموظفة الرسمية لموجة قادمة من الغلاء، مع استمرار أزمة الحكومة مع النقد الأجنبي الذي دفع الدولار إلى تجاوز 50 جنيها، وعدم استجابة السوق الموازية لأية محاولات حكومية للسيطرة على أسعاره.
وربما تسعى الحكومة إلى توظيف أزمة العدوان الإسرائيلي على غزة، في الحصول على دعم دولي لوقف الانهيار المالي المحتمل، بإجراء مفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي لزيادة قرض معطل منذ مارس/ آذار الماضي بقيمة 3 مليارات دولار ليرتفع إلى 5 مليارات دولار.
ويؤكد محللون أن زيادة قيمة القرض، أصبحت متوقعة في ظل عدم رغبة مديرة الصندوق، كريستالينا غورغييفا، في أن تتعرض مصر لانهيار، مع ذلك يعلنون أن الأسر لن تستفيد من عوائد القرض مباشرة. وفقا لخبراء، ستحصل الحكومة على دعم صندوق النقد بما يساعد على طرحها المزيد من السندات الدولية، والحصول على قروض تمكنها من الوفاء بالتزاماتها المالية المقدرة بنحو 42 مليار دولار عام 2024. وتحدد المؤسسات المالية الفائدة على سندات مصر بالدولار بنحو 15%، وهي العليا على مستوى العالم، لوضعها في المنطقة المتعثرة.
يتوقع محللون أن تتجه الحكومة خلال أيام، إلى تخفيض آخر لقيمة العملة، وفقا لشروط صندوق النقد، بما يؤدي إلى تزايد الضغوط على المواطنين في مواجهة تكاليف المعيشة. كذلك يؤكدون أن استمرار الفجوة في سعر الصرف بين البنوك والسوق الموازية وتعاملات التجار ورجال الأعمال، مع أزمة النقد الأجنبي، يعزز العودة إلى صعود متتال بمعدلات التضخم، في الشهر الجاري.
ستلجأ الحكومة وفقا للاتفاق إلى المزيد من بيع الشركات الحكومية، وبعض شركات الجيش الذي يدير كميات هائلة من المؤسسات.
هكذا، تطفئ نيران الأسعار مظاهر فرحة النظام بالإنجازات التي سوقها للجمهور في موسم الانتخابات الرئاسية، التي تتركز في بناء عاصمة جديدة، فيها أعلى مبنى في أفريقيا وأطول شارع وأكبر الجسور والحدائق.