تعلو أصوات المدافع بين روسيا وأوكرانيا على بعد 1000 ميل من شواطئ مصر، لليوم الرابع، بعد وقف صادرات القمح والحبوب، من موانئ البحر الأسود، فيشد وطيس الحرب حبل المشقة على أكبر مستورد للقمح بالعالم، في وقت تلاحقه الأزمات من كل جانب.
تدير الحكومة ظهرها للمخاوف التي ترتبت على إلغاء روسيا المفاجئ لاتفاقية البحر الأسود، الاثنين الماضي، تسهل خروج ملايين الأطنان من القمح والحبوب والزيوت، إلى دولة مختلفة، مع وفرة في عروض القمح والحبوب من أسواق بديلة، أعادت الهدوء سريعا لبورصة القمح بشيكاغو، بعد ساعات من اندلاع القتال.
تبحث الحكومة عن بدائل تمكنها من مواجهة تغيرات سعرية بواردات القمح، وتدبير 95% من احتياجاتها من الزيوت، وسط اضطراب سلاسل الإمداد ونظام دفع ميسر بالعملة الصعبة، تحصل عليه حاليا من الطرفين المتصارعين، مع صعود مستمر في الطلب المحلي على القمح، يزيد عن 50% من احتياجات 108 ملايين نسمة، يعد خبز القمح عماد قوتهم يوميا.
يبقى المشهد مضطربا في البحر الأسود، منذ عاودت أوكرانيا ضرب الجسر الواصل بين شبه جزيرة القرم والبر الروسي، قبل ساعات من موعد تمديد العمل باتفاق إسطنبول لتسهيل حركة الملاحة البحرية للأغذية والأسمدة من البحر الأسود، إلى السوق الدولية، الموقع في 22 يوليو/تموز 2022.
نكأت الضربات جراح الرئيس الروسي بوتين، الذي يشعر بآلام الحظر الدولي الذي فرضه الغرب على اقتصاده، مع بوادر انتفاضات داخلية، تهدد عرشه، فاستغل المشهد، ليعيد تشكيله، بما يتوافق مع مصالحه. حدد بوتين 5 شروط، أفصح عنها المتحدث الرسمي باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، لم يتنازل عنها، رغم الوساطات الدولية، التي تحركها الأمم المتحدة والمفوضية الأوروبية، والتهديدات الأميركية، منذ اندلاع الأزمة.
طلبت روسيا إعادة ربط البنك الزراعي المملوك للدولة بخدمة "سويفت" الخاصة بالمدفوعات الدولية عبر الحدود التي تديرها الولايات المتحدة، ورفع القيود المفروضة على التأمين البحري، وقطع الغيار المستخدمة في الآلات الزراعية، وإنهاء العقوبات المفروضة على شركات الأسمدة والأشخاص المرتبطين بها، واستعادة العمل بخط أنابيب الأمونيا الذي يعبر أراضي أوكرانيا.
رفع الكرملين شعار "العودة مقابل الوفاء"، في إشارة إلى تمسّك روسيا الكامل بإلغاء الحظر. يؤكد محللون أن تنفيذ هذه المطالب لن يكون بالأمر الهين، في ظل إصرار واشنطن على استمرار الحظر المالي والحصار الاقتصادي لروسيا لإجبارها على وقف الحرب والتراجع عن احتلال أوكرانيا.
وتأتي مصر في مقدمة الدول المستوردة للقمح في العالم، الأمر الذي دفعها إلى عقد اتفاقيات مع روسيا لشراء القمح بالروبل ومقابل صادرات محلية، وتعتمد على أوكرانيا في توفير القمح والذرة الصفراء وفول الصويا والزيوت النباتية. بلغت واردات مصر من الطرفين نحو 80% من احتياجاتها الخارجية، من الحبوب والزيوت، على مدار 15 عاما الأخيرة.
تقدّر وزارة الزراعة الأميركية احتياجات مصر من القمح خلال العام المالي الحالي 2023- 2024، بنحو 9.8 ملايين طن، دون تعديل عن موسم توريده ينتهي موعده نهاية يوليو الجاري. تقدّر البيانات الأميركية التي تعتمد على إحصاءات هيئة السلع التموينية وجهاز التعبئة والإحصاء وزارة الزراعة المصرية، إجمالي الاستهلاك بالعام المالي المنصرم بنحو 20.1 مليون طن، بنسبة تراجع 1.95% عن عام 2021-2022، مدفوعا بزيادة أسعار الدقيق ومنتجات المخبوزات على المواطنين، أدت إلى خفض الاستهلاك المحلي.
يظهر مساعد وزير التموين المصري إبراهيم العشماوي، في تصريحات متلفزة، لجوء الحكومة إلى تنويع مصادر استيراد القمح، منذ اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، قائلا: لقد تعلمنا الدرس من الأزمات التي سببتها الحرب وعرضت البلاد لتوقف مفاجئ لوارداتها من السلع الاستراتيجية.
يبين العشماوي استيراد القمح من 22 منشأ دوليا حاليا، في وقت وقعت فيه الحكومة اتفاقا مسبقا مع مزارعي القمح يمنحهم حرية توريد الإنتاج إلى الحكومة بسعر ارتفع من 855 جنيها إلى 1500 جنيه للأردب (الطن = 6.6 أردب).
يبشر العشماوي بأن الدولة لديها احتياطي ضخم من القمح يكفيها لأكثر من 6 أشهر، جاء أغلبه من السوق المحلية، مع وجود اتفاقات مسبقة مع عدد من الموردين القادرين على تخزين وارداتهم، مع زيادة السعة التخزينية بالصوامع إلى 5 ملايين طن متري. وقلل العشماوي من مخاطر التوقف المفاجئ لصادرات القمح والحبوب من روسيا.
يترقب خبراء توجه شركات الشحن للتعامل مع أزمة الحرب، مع وجود تحذيرات من شركات التأمين البحري، من مخاوف التعامل مع شاحنات القمح والحبوب بالمنطقة، قد تشغل اضطرابا في سوق النقل البحري.
وتأتي الزيادة في الأسعار في اتجاه معاكس لتوقعات منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" التي أعلنت 7 يونيو/ حزيران الجاري عن انخفاض بأسعار الحبوب والسكر والزيوت والألبان، وفقا لمؤشر "الفاو" بلغ 122.3 نقطة في يونيو الماضي، بتراجع 1.7 نقطة توازي 1.4% عن أسعار مايو/أيار 2023.
ينضم نائب رئيس غرفة صناعة الحبوب عبد الغفار السلاموني، إلى قافلة المتفائلين في مواجهة أزمة مخيفة للمستهلكين، الذي يمدهم القمح بنحو 45% من البروتين الغذائي يوميا، وفقا لدراسات" الفاو".
يقول السلاموني، في تصريح لـ "العربي الجديد": عادت مصر إلى تنويع مصادرها من القمح والحبوب، بعد ارتباط مع الطرفين المتحاربين لمدة 15 عاما، ظلتا مصدر 80% من الإنتاج، لتشتري من الأرجنتين والبرازيل والهند وأوروبا والولايات المتحدة وغيرهم. يتوقع السلاموني أن تعود روسيا عن قرارها، وتسمح بخروج القمح والحبوب، من موانئ البحر الأسود، مذكرا بأن لديها احتياطيا هائلا يزيد عن 40 مليون طن من الحبوب، لن تستطيع التصرف به إلا بالشحن البحري من البحر الأسود.
يترقب خبراء توجه شركات الشحن للتعامل مع أزمة الحرب، مع وجود تحذيرات من شركات التأمين البحري، من مخاوف التعامل مع شاحنات القمح والحبوب بالمنطقة
ويبين صعوبة تصرف الطرفين الروسي والأوكراني بالكميات الهائلة لديهما لعملاء آخرين عن طريق البر، منوها إلى محاولة أوكرانيا تصدير القمح بعيدا عن ميناء أوديسا، ونقله عبر السكك الحديدية أو الأنهار إلى أوروبا، ومنه إلى باقي المستوردين، بما يحمله ذلك من مخاطر نقص الكميات وارتفاع التكلفة.
يؤكد السلاموني أن المزارعين، بعد أن حصلوا على قيمة القمح بسعر عادل، هذا الموسم، ساهموا في توريد 3 ملايين و810 آلاف طن من القمح، رفعت الاحتياطي المحلي، بالإضافة إلى امتلاكهم كميات أخرى بمنازلهم والقطاع الخاص، تمثل الفارق بين الإنتاج الكلي وكميات التوريد للحكومة.
يشير إلى أن الناتج المحلي من القمح بلغ نحو 10 ملايين طن، وهي كميات تكاد تتطابق مع بيانات وزارة الزراعة الأميركية التي تقدر الإنتاج بنحو 9.8 ملايين طن، من مساحة 4 ملايين فدان.
أضاف السلاموني أن الحكومة تمنح أولوية لمستوردي القمح في الحصول على الدولار، أسوة بموردي السلع الأساسية والأدوية، بما يمنحهم فرصة جيدة في تدبير احتياجات السوق، وعدم المرور بأزمة شح العملة التي تواجهها الصناعات الأخرى.