وسط تكتم شديد بدأت وزارة الداخلية هدم سجن القناطر الخيرية الأقدم بتاريخ السجون المصرية، تمهيداً لتحويل أرضه بمساحة تزيد عن 300 فدان (نحو 1.26 مليون متر مربع) إلى منتجع سكني وسياحي فاخر على الجزيرة الفاصلة بين فرعي نيل دمياط ورشيد جنوب دلتا نهر النيل.
انتهت معاول الهدم من تسوية مبنى سجن الأجانب التاريخي بالأرض، وشرعت المعدات خلال الأيام الماضية، في هدم مبنى سجن النساء، تمهيدا للبدء في تحطيم سجن ليمان القناطر للرجال، بعد تفريغه من كافة السجناء السياسيين والجنائيين.
تقررت إزالة سجن جديد ملحق بـ"ليمان القناطر"، أنشأته الوزارة عام 2018، وتأجل افتتاحه عدة مرات، لعيوب تنفيذية وإنشائية، إلى أن ضمته لقرار الإزالة الذي صدر نهاية 2022، أعقبه نقل السجناء وأطقم الحراسة والضباط إلى السجون الجديدة بمدن العاشر من رمضان وبدر (1) و(2) و(3)، ووادي النطرون المتطور، وتوسعات سجن أبو زعبل الجديدة، مع تحويل المحبوسين رهن التحقيق إلى سجون الاستئناف التي أقامتها محافظات القليوبية والجيزة بمدن الصف والشيخ زايد وبنها.
خلاف وزاري
أثارت عمليات الهدم خلافات بين وزارتي الداخلية والري والشركة الوطنية للنقل النهري التابعة للجيش.
تنازع الأطراف الثلاثة على ملكية الأرض، في محاولة من كل طرف الحصول على الأراضي المقام عليها السجون الأربعة، والورش الصناعية ومزرعة السجون، التي تشكل جزيرة متفردة، معزولة عما حولها من المناطق السكنية، وتتصل بها عبر القناطر الخيرية التاريخية، وتحيط بها 500 فدان من الحدائق وأراضي طرح نهر النيل.
تمسكت وزارة الري بملكية أرض السجون وما يتبعها من ملحقات، حيث جرى التخصيص لبناء السجن، على أرض ومباني حدائق القناطر الغناء، التي أقيمت في عهد محمد على عام 1839 وتوسعات أجريت عند ملتقى فرعي النيل أواخر القرن 19، مع زيادة المساحة المخصصة للسجن تدريجياً، أثناء الحرب العالمية الأولى.
مع صدور قرار من الرئيس الراحل أنور السادات بهدم منطقة السجون عام 1972، عطلت الداخلية تنفيذ القرار، إلى أن توسعت في بناء الورش الصناعية والسجن الرابع، وأنفقت ملايين الجنيهات على زيادة تحصين منطقة السجون خلال العقد الماضي.
تبرر وزارة الري تمسكها بأرض سجون القناطر، باعتبارها الجهة المسند إليها الإشراف على الأملاك العامة للدولة ذات الصلة بالموارد المائية والري وإدارتها والحفاظ عليها، وضمان عدم إقامة أية أعمال على أملاكها من شأنها التأثير على سريان المياه بالمجاري المائية أو على جسورها أو أعمال الصيانة للمنشآت المائية.
شكل وزير الري هاني سويلم الأسبوع الماضي، لجنة فنية لحصر أصول أملاك الوزارة من بينها أرض سجون القناطر والمناطق المنتشرة على روافد النيل بالمحافظات، تمهيداً لعرضها على المستثمرين الراغبين في استغلالها.
تتحكم منطقة القناطر في تصرفات المياه لمنطقة الدلتا بالكامل وتوسعات الأراضي المحيطة بها شرق وغرب دلتا النيل، والمتجه لمنطقتي قناة السويس وسيناء، لري نحو 7 ملايين فدان، من بين 10 ملايين فدان موزعة بأنحاء البلاد.
تسعى وزارة الداخلية إلى تحويل أرض السجن بالتوازي مع استغلال أرض منطقة السجون في منطقة طرة على كورنيش النيل جنوب العاصمة، إلى مشروع سكني وسياحي، تابع لصندوق ضباط الشرطة، على غرار المدن التي أقامتها بالقاهرة الجديدة ومدينتي الخمائل والفردوس غرب العاصمة، مع طرح مساحة من العقارات الفاخرة لبيعها للأجانب.
اعترضت الشركة الوطنية للنقل النهري التابعة للجيش، على خطة وزارتي النقل والداخلية، بعد منحها تفويضاً رئاسياً بالإشراف على الأراضي الواقعة بمجرى نهر النيل وشواطئه، على امتداد مجرى النهر، مع وجود قرار رئاسي آخر بتملك القوات المسلحة جميع الجزر الواقعة وسط نهر النيل والتكتلات الأرضية التي تظهر مستقبلاً في مجرى النيل، التي تتشكل من طرح النهر.
يتضمن القرار منح سلطة استغلال المناطق المطلة على شواطئ النهر لشركة الجيش، بما يحول دون استغلال أي جهة أخرى بالدولة للأراضي المطلة على النهر وروافده، في تعارض مع القوانين الحاكمة لأنشطة وزارة الري والبلديات.
فجر تنازع الجهات الثلاث على أرض منطقة السجون والجزر النهرية بمنطقة القناطر، إلى تكليف وزير الري لجنة هندسية لإعداد تقرير فني لرفعه للجنة العليا للنهر النيل بمجلس الوزراء والتي تضم وزراء الدفاع والداخلية والزراعية والري والنقل، لتحديد الموقف النهائي لأرض السجون والمناطق المحيطة بها.
مشاريع إسكان فاخرة
كشفت مصادر لــ"العربي الجديد" عن وجود مخططات مسبقة، لدى مجلس الوزراء باستغلال جزيرة القناطر، ضمن مشروع سكني وفندقي فاخر، يرتبط بمشروع جزيرة الوراق الواقعة منتصف مجري نهر النيل شمال القاهرة، المسمى بمشروع جزيرة "مانهاتن القاهرة".
تشمل المخططات بناء عدد من ناطحات سحاب و5 فنادق كبرى فئة 7 نجوم، ومهبط للطائرات الهيلوكوبتر وميناءين نهريين بكل من الوراق والقناطر، يرتبطان بميناء ثالث بجوار المتحف المصري القديم وسط العاصمة.
وأعلن أسامة شوقي رئيس جهاز تنمية جزيرة الوراق في تصريحات صحافية، مطلع الأسبوع، أن جزيرة الوراق ستصبح إحدى مدن الجيل الرابع التي تنفذها وزارة الإسكان، ضمن مخرجات التخطيط الاستراتيجي القومي للتنمية العمرانية بمصر 2052.
وأشار إلى بدء نقل 400 أسرة جديدة من الوراق إلى مساكن بديلة بمدن 6 أكتوبر والجيزة، ضمن خطة تستهدف نقل 2800 أسرة ممن وافقوا على الخروج من الجزيرة.
وشهدت الجزيرة صدامات أمنية حادة بين السكان وأجهزة الأمن، أثناء عمليات الترحيل القسري للمواطنين من بيوتهم وأراضيهم التي يمتلكون أرضها منذ سنوات طويلة.
مشروع على أرض سجن طرة
في سياق متصل، أخلت وزارة الداخلية مجمع سجون طره، الذي يضم سجن المزرعة على نهر النيل وليمان طره والعقرب شديد التحصين بسجونه الثلاثة، مع نقل السجناء والمحبوسين احتياطياً إلى سجون مدن بدر والعاشر ووادي النطرون والمنيا، تمهيداً لتحويل أرض السجون التي أنشئت في بداية القرن العشرين إلى مشروع سياحي وسكني.
طلبت وزارة الإسكان والتعمير الحصول على مساحة من أرض سجن المزرعة لإنشاء محطة مياه للعاصمة الإدارية تعادل 4 أضعاف محطة المياه المقامة حالياً على مقربة من أرض السجون.
يشير تقرير للشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان إلى بناء النظام 35 سجناً جديداً منذ ثورة يناير 2011، مؤكداً عدم توظيف هذه المنشآت الضخمة، لتحسين الظروف المعيشية وأوضاع السجناء التي تضاعفت لتصل إلى 78 سجناً بأنحاء الجمهورية.
يظهر التقرير الذي يحمل عنوان "كيف تبني مصر نظام سجون موسعاً وقمعياً" وجود 120 ألف سجين جنائي ومن السياسيين المحبوسين والمحجوزين احتياطيا من المعارضين أو المنتقدين أو المنتمين لثورة يناير ينالهم التنكيل والقمع والحرمان من العديد حقوقهم الدستورية والقانونية، مثل حق الزيارة واستقبال الأطعمة والرعاية الصحية والمكالمات التليفونية وبعضهم يحرم من حضور جلسات تجديد الحبس.
يصف ستيفان رول رئيس قسم الأبحاث حول أفريقيا والشرق الأوسط بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، ما يحدث من توظيف المال العام والقروض التي تحصل عليها الدولة لأثراء المؤسسات العسكرية، بأنها عامل حاسم في توطيد رأس النظام.
وأكد أن التدفقات المالية في الوقت الحالي لا تخدم الاستثمارات الإنتاجية المستقبلية، إذ تتجه صوب مشاريع البنية التحتية المشكوك في نتائجها الاقتصادية وتخدم بشكل غير مباشر دعم قمع الدولة البوليسية.
(الفدان = 4200 متر مربع)