مصر: غلاء الأدوية بنسب تصل إلى 150% مقابل توفيرها

02 يوليو 2024
مصنع دواء في مصر حيث يشتكي المستثمرون من زيادة التكلفة (زياد أحمد/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت مصر زيادة كبيرة في أسعار الأدوية تتراوح بين 80% و150% بعد مفاوضات استمرت 47 شهرًا، مما أثر على حوالي 1000 صنف دوائي وأثار صدمة بين المرضى، خاصة مع ارتفاع تكاليف المعيشة.
- الزيادة في الأسعار نتجت عن ارتفاع تكلفة الإنتاج، تراجع قيمة الجنيه، وزيادة تكاليف الجمارك، مما أثر بشكل كبير على أسعار الأدوية الأساسية وعلب لبن الأطفال.
- واجهت الزيادة انتقادات واسعة وأدت إلى فوضى في سوق الأدوية واختفاء بعضها من المستشفيات، مما زاد من معاناة المواطنين، وفي محاولة للسيطرة، طلبت هيئة الدواء كتابة السعر الجديد على العبوات من يوليو 2023.

قفزت أسعار الأدوية المحلية والمستوردة في مصر بنسب تتراوح ما بين 80% و150%، مع قصرها على المنتجات الحديثة من المصانع ومخازن المستوردين، وإلزام المنتجين بكتابة سعر الدواء على المنتج قبل خروجه إلى الموزعين والصيدليات، لتشكل القفزة الجديدة صدمة عنيفة لملايين المرضى خاصة من ذوي الأمراض المزمنة في ظل ضعف القدرة الشرائية على مجاراة غلاء أسعار كل السلع والخدمات.

جاءت القفزة الجديدة في سعر الأدوية بعد مفاوضات طويلة بين شركات إنتاج الأدوية والحكومة استغرقت نحو 47 شهراً، وانتهت بفرض مستثمري الصناعات الدوائية إرادتهم عليها، والفوز بموافقة هيئة الدواء الحكومية على زيادة أسعار الدواء المحلي والمستورد، مقابل توفيره للأسواق، وفق الزيادة المعلنة رسمياً بقيمة الدولار، وارتفاع تكاليف الإنتاج والجمارك، مع وضع هامش ربح يحمي استثماراتهم من أخطار التراجع المستمر بقيمة الجنيه، وارتفاع معدلات التضخم.

ووفق مصادر عاملة في قطاع إنتاج الأدوية، " تشمل الزيادة نحو 1000 صنف دوائي، من بين ثلاثة آلاف صنف تقدمت بها شركات الإنتاج وتوزيع الأدوية المحلية والمستوردة". أتت الزيادة الهائلة في أسعار الأدوية مدفوعة بارتفاع تكلفة الإنتاج والتشغيل وتراجع الجنيه أمام الدولار، وفقاً لمصادر في غرفة الصناعات الدوائية في اتحاد الصناعات. 

صدمة الزيادات الكبيرة

اطلعت "العربي الجديد" على قوائم الزيادة بأسعار توريد الأدوية وفقاً للأسعار الجديدة، في عدد من الصيدليات التابعة لأفراد وشركات تشارك في ملكيتها جهات سيادية.

عبر أعضاء في نقابة الصيادلة عن صدمتهم من الزيادة الكبيرة في أسعار الدواء، وأخبروا "العربي الجديد" أنّ الزيادة في أسعار المضادات الحيوية بلغت نحو 100% للمنتج المحلي و150% للمستورد، بالتوازي مع زيادة أسعار نحو 1000 صنف دوائي آخر، مشيرين إلى زيادة سعر علبة المضاد الحيوي من معدل 86 جنيها للعلبة إلى 186 جنيهاً، ودواء كونكور للقلب من 40 إلى 60 جنيهاً (الدولار = نحو 48 جنيهاً).

شملت الزيادة علب لبن الأطفال التي ارتفعت من 80 إلى 220 جنيهاً دفعة واحدة، وتضاعفت أسعار كافة أدوية السكر والضغط وقطرات العين والأنف والجرب زهيدة الثمن، وفقاً لقوائم البيع المعروضة من كلّ شركة. أكدت مصادر في نقابة الصيادلة أن الارتفاع المفاجئ في سعر الأدوية يعرض الصيادلة لمشاكل كبيرة مع الجمهور، الذي أصبح غير قادر على دفع تكلفة العلاج، ويبحث عن بدائل رخيصة، باستخدام الأعشاب والأدوية الشعبية والمنتشرة في الأسواق بعيداً عن الرقابة الصحية والرسمية. 

ولفتت إلى أن حرص المنتجين على التحكم بكميات الأدوية في الأسواق وتحجيمها في الصيدليات، يسبب خسائر فادحة للصيادلة، الذين يعانون من صعوبة الحصول على الدواء، وبالتالي، يحاول الصيادلة إقناع المستهلكين بأنّ الأسعار الجديدة مفروضة عليهم من جانب الشركات وبموافقة الجهات الرسمية في الدولة وليست منهم. 

بدء التطبيق على المنتجات الحديثة

بدأ تطبيق الزيادة الجديدة على المنتجات الحديثة المسلّمة منذ يومين بالصيدليات، على أن يظل المنتج الموجود بالأسواق عند مستوياته القديمة، لحين نفاد الكميات الموجودة على رفوف البيع. طلبت هيئة الدواء من كل شركة كتابة السعر الجديد للدواء على كل علبة منتجة اعتباراً من أول يوليو/ تموز الجاري، في محاولة للسيطرة على المضاربة في سعر الأدوية. 

استبقت بعض الصيدليات قرار رفع الأسعار من قبل الشركات وعدلت تسعير بعض المنتجات المطلوبة بالسوق، وفقاً للسعر الجديد لكل دواء، ما دفع هيئة الدواء إلى إصدار تحذير بإغلاق أي صيدلية مخالفة لتسعير الأدوية وفقاً للقوائم المعتمدة بشركات الإنتاج، مع تحويل المدير المسؤول للنيابة العامة.

فشلت المفاوضات بين الحكومة والمصنعين، مع إصرار هيئة الدواء الحكومية خلال المفاوضات على زيادة سعر الأدوية في حدود 20% - 30%، وفي حدود 150 صنف دواء فقط، وهو ما رفضته الشركات، التي طلبت أن تحدد الزيادة وفقاً لآليات سعر الصرف والتكلفة، بما لا يقل عن 50% من سعر الأدوية، والسماح للشركات بخفض الإنتاج للأدوية الأكثر طلباً، المتعلقة بمرضى القلب والسكر والضغط، والفشل الكلوي والأعصاب، والتي ترفض الحكومة المساس بأسعارها منذ سنوات. 

كبحت شركات تصنيع وتجارة الأدوات إنتاج واستيراد نحو 1200 صنف دواء على مدار الأشهر الماضية، بسبب شح الدولار خلال عامي 2022-2023، أعقبته زيادة في قيمته بلغت نحو 40% في مارس/آذار 2024. تقدر نقابة الصيادلة عدد الأدوية المسجلة بوزارة الصحة بنحو 17 ألف صنف. 

فوضى سوق الأدوية

اختفت الأدوية من المستشفيات العامة والتأمين الصحي بالتدريج، ما دفع المرضى للبحث عن الدواء عبر الصيدليات وشركات التسويق الخاصة التي تروج منتجات مرتفعة السعر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. أدت الظاهرة إلى فوضى في سوق الدواء، بينما تزداد معاناة المواطنين في طوابير الحصول على العلاج من المستشفيات العامة والتابعة للتأمين الصحي والصيدليات الحكومية المحدودة وسط القاهرة. 

عقد ممثلو الحكومة وغرفة صناعة الأدوية وممثلو شركات إنتاج واستيراد الأدوية والمستلزمات الطبية عدة اجتماعات مطولة على مدار الشهرين الماضيين، للتوصل إلى حلول تستهدف زيادة أسعار الأدوية وفقا لمعدلات التضخم في تكلفة شراء المواد الخام من الخارج التي تمثل 90% من مدخلات الصناعات الدوائية، وزيادة الأجور والتشغيل والرسوم والجمارك والضرائب الحكومية. 

شكلت وزارة الصحة لجنة لمراجعة أسعار الدواء كلّ ستة أشهر، بناء على طلب شعبة صناعة الدواء باتحاد الصناعات، تتولى تحديد التسعير التلقائي للأدوية وفقا لتغير سعر الدولار والتكلفة.

اختفت الأدوية من المستشفيات العامة والتأمين الصحي بالتدريج، ما دفع المرضى للبحث عن الدواء عبر الصيدليات وشركات التسويق الخاصة

تأتي الزيادة عقب ارتفاع في أسعار الخبز المدعم، ومواكبة لاتجاه الحكومة نحو رفع أسعار الكهرباء والغاز والمحروقات خلال الفترة المقبلة، بما يعضد من ارتفاع معدلات التضخم، التي تدفع المستهلكين إلى البقاء تحت ضغوط زيادة تكلفة المعيشة مع تراجع قدرتهم على الإنفاق على الصحة والتعليم وتدبير احتياجاتهم المعيشية اليومية، وفقا لخبراء في مركز سياسات بديلة للدراسات الاقتصادية.

يقدر خبراء مشتريات المصريين من الأدوية بنحو 150 مليار جنيه سنويا. وتخصص الدولة نحو 18 مليار جنيه من الموازنة العامة لدعم مشتريات المستشفيات العامة والتابعة للتأمين الصحي من الأدوية خلال العام المالي 2024-2025. برر رئيس هيئة الدواء المصرية الدكتور على الغمراوي السماح للشركات بزيادة الأسعار بحاجة السوق للأدوية، مع شح المخزون لدى الشركات المصنعة من خامات الإنتاج، بسبب ارتفاع الدولار، وحاجة المصانع إلى الحصول على زيادة في السعر تمكنهم من تحريك سعر المادة الخام والتغليف والعمالة، بالإضافة إلى مواجهة التضخم وسعر الفائدة على اقتراض المستثمرين من البنوك.

ووعد في مؤتمر صحافي، عقده منتصف يونيو الماضي، بأن تكون أدوية الأمراض المزمنة أقل مجموعة دوائية زيادة في الأسعار، مستدركا بأن النقص في الأدوية ظاهرة عالمية لا تخص مصر بمفردها. أوضح رئيس شعبة الدواء بالغرفة التجارية علي عوف، في تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، حاجة شركات الأدوية للحصول على الدولار، لتوفير المواد الخام، مذكرا بأنها ظلت تتعامل على تكلفة المنتجات طيلة عام 2023 وحتى مارس الماضي عند سعر دولار يوازي 31 جنيهاً، وعندما قررت الحكومة خفض الجنيه للمرة الرابعة منذ فبراير/ شباط 2022، لم يكن أمام الشركات إلا العمل بالحد الأدنى من الطاقة الإنتاجية، بما يتيسر لها من كميات قليلة من الخامات المستوردة لصالح عمليات التصنيع.