مصير غامض لاستعادة أموال سورية المنهوبة

03 يناير 2025
أحد الصرافين في بنك تجاري بالعاصمة السورية دمشق، 16 ديسمبر 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه حكومة تسيير الأعمال في سوريا تحديات كبيرة في استعادة الأموال المهربة من رموز النظام السابق، بسبب عدم وضوح حجم الأموال وتضارب التقديرات حولها، بالإضافة إلى تعقيدات قانونية وسياسية.
- تقارير تشير إلى نقل بشار الأسد ورموز نظامه مليارات الدولارات إلى روسيا وامتلاكهم عقارات في دول أخرى، مما يعقد عملية الاستعادة، مع عدم تعاون بعض الدول وغياب آليات واضحة.
- المحللون يرون أن التصريحات الحكومية تفتقر للدقة، ويشيرون إلى أن استعادة الأموال من رجال الأعمال داخل سوريا قد تكون أسهل من الخارج، حيث يتطلب الأمر تعاوناً دولياً غير مؤكد.

بدت حكومة تسيير الأعمال في سورية متحمسة إلى استعادة الأموال العامة من رموز النظام المخلوع، إلا أن تحقيق هذا لا يبدو سهلا في ظل معوقات عدة، إذ تتضارب التقديرات حول حجم الأموال التي راكمها نظام الأسد وعائلته خلال عقود، كما أن هناك شكوكاً في تعاون الدول التي جرى تهريب هذه الأموال إليها أو بها أصول عينية.

وقبل أيام، خرج وزير الاقتصاد في حكومة تسيير الأعمال باسل عبد العزيز، ليعلن أن الحكومة ستستعيد الأموال العامة من رموز نظام الأسد، من دون أن يوضح الآليات القانونية والسياسية التي ستعتمد عليها الحكومة في استعادة هذه الأموال التي لم يُعرف بعد حجمها بدقة. بيد أن تقارير إعلامية أشارت إلى أن بشار الأسد نقل مليارات الدولارات إلى روسيا قبيل سقوطه بأيام، وكذا فعل رموز حكمه من عسكريين وأمنيين ومدنيين والذين هربوا من البلاد أيضا.

وتتضارب الأرقام حول حجم الأموال التي نقلها بشار إلى روسيا خلال سنوات حكمه أو قبيل سقوطه بأيام، حيث تحدثت تقارير صحافية، منها صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية التي ذكرت في تقرير لها مؤخراً، أن نظام الأسد نقل حوالي 250 مليون دولار نقداً إلى موسكو بين عامي 2018 و2019. وأشارت الصحيفة إلى أن عائلة الأسد تمتلك ما لا يقل عن 18 شقة فاخرة في موسكو، لافتة إلى أن أفراد العائلة الممتدة كانوا يشترون الكثير من الأصول في روسيا بين عامي 2018 و2019.

ووفق تقديرات صندوق النقد الدولي وبنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي، بلغت احتياطات سورية من الدولار عام 2010 قبل اندلاع الثورة نحو 18.5 مليار دولار. كما ذكر مجلس الذهب العالمي أن سورية كانت تمتلك نحو 25 طنًا من المعدن النفيس في يونيو 2011.

كما نشط الأسد ورموز حكمه في السنوات الأخيرة في عمليات تصنيع وتهريب "الكبتاغون" إلى مختلف دول العالم، وهو ما أدى إلى تراكم الأموال لديهم. ولا توجد أرقام دقيقة عن حجم الأموال من هذه التجارة، إلا أن محللين يقدرونها بمليارات الدولارات، فسورية تحولت في الأعوام الأخيرة إلى أهم مصادر الكبتاغون في العالم، حيث استخدم الأسد هذه التجارة المحرمة للضغط على المجتمع الدولي.

وقدّر تقرير صدر عن وزارة الخارجية الأميركية عام 2022، قيمة الشركات والأصول المرتبطة بعائلة الأسد بما يتراوح بين مليار و12 مليار دولار. ولكن المعطيات المتوفرة تشير إلى أن حجم الأموال أكبر من هذا الرقم بكثير؛ فعائلة الأسد أنشأت امبراطورية مالية ممتدة في العديد من الدول الغربية والعربية خلال عقود، وتملك عقارات وفنادق راقية في دول أوروبية وفي مدينة دبي. ومن المتوقع أن تكون مهمة تعقّب أموال السوريين التي نهبها الأسد وشقيقه (ماهر) وعمه رفعت الأسد وعائلته وأركان حكمه طويلة ومعقدة، وتتطلب مساعدة من الدول التي من المرجح أن تكون هذه الأموال موجودة فيها، إما على شكل أموال في البنوك أو عقارات وأصول.

واعتبر المحلل الاقتصادي السوري يونس الكريّم، في حديث مع "العربي الجديد"، حديث وزير الاقتصاد في حكومة تسيير الأعمال أنه "للاستهلاك الإعلامي وغير دقيق"، موضحا: "حتى الآن لم تتم عملية دقيقة لجرد حجم الأموال التي هرّبها الأسد ورموز حكمه".

وأضاف أنه "في ظل العبث بأرشيف الأجهزة الأمنية بعد سقوط الأسد التي كانت تضم سجلات لحجم هذه الأموال بات الأمر اليوم صعبا". وأشار إلى أن هناك شركات معاقبة دولياً بسبب تعاونها مع الأسد، ولم نلاحظ حتى اللحظة أي إجراءات، خاصة لجهة وضعها ضمن دائرة الحجز والحراسة القضائية، ومنها شركة "الفاضل" المحسوبة على حزب الله.

وتابع أن "الحكومة الحالية تطالب برفع كل العقوبات الغربية، ومن ضمنها رفع العقوبات عن هذه الشركات، وهو أمر غير منطقي". وحول أفضل الآليات لاستعادة الأموال السورية، أوضح الكريّم أن على حكومة تسيير الأعمال المحافظة على أرشيف الأجهزة الأمنية والقصر الجمهوري، للبحث في نشاط الشخصيات التي كانت تابعة للأسد المخلوع بالشأن الاقتصادي.

وقال: "يجب أن تدقق لجنة قضائية مختصة في هذا الأرشيف، وحجز كل الأموال للأشخاص المعاقبين من الدول الغربية، ريثما تتم معرفة أوضاعهم". ودعا إلى التحقيق مع كل الوزراء في حكومات الأسد المتعاقبة ومعاونيهم لمعرفة ما يتعلق بالأموال والشخصيات التي كانت تستفيد من النظام عبر الاستثناءات، خاصة من القصر الجمهوري. ولفت إلى أنه على الحكومة أيضاً إصدار قائمة بكل الأشخاص الذين هرّبوا الأموال إلى خارج البلاد، والطلب من الدول في العالم المساعدة في القبض عليهم واستعادة هذه الأموال.

وفي السياق، يعتقد الباحث الاقتصادي خالد تركاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الأموال التي هرّبها الأسد وأركان نظامه ليست كبيرة الحجم نتيجة العقوبات الغربية التي فرضت عليهم". وتابع: هناك أموال عينية لشخصيات كانت من أركان النظام المخلوع في عدة بلدان مثل الإمارات ومصر والنمسا والعراق ولبنان، على شكل شقق وقصور وشركات تجارية.

ورأى أن "هناك أموالا سورية مهربة موجودة في دول أعتقد أنها لن تتعاون مع الحكومة السورية من أجل استعادتها مثل روسيا، وهي الأموال الخاصة بالأسد وشقيقه وأفراد عائلته". وتابع: الأموال الأكثر وضوحا هي الموجودة لدى رجال الأعمال التابعين أو المحسوبين على النظام المخلوع. من هو موجود داخل سورية من السهل محاسبته واستعادة الأموال منه، أما من هرب خارج البلاد فعلى الحكومة مخاطبة الدول التي يقيمون فيها من أجل تسليمهم.. حتى اللحظة لا نعرف جدية الدول في التعاون في هذا الملف. لذا أنا غير متفائل باستعادة الأموال المنهوبة من جيوب السوريين.

المساهمون