منذ بدء الحرب الروسية المباشرة على أوكرانيا قبل عام ونيف، قطعت العلاقات الاقتصادية الروسية الصينية شوطاً كبيراً سواء من جهة اقتراب حجم التبادل التجاري بين البلدين من عتبة الـ200 مليار دولار أو تحول روسيا إلى أكبر مورد للنفط والغاز إلى السوق الصينية.
وفي المجال المالي، تعتمد السلطات المالية الروسية منذ يناير/ كانون الثاني 2023، على اليوان الصيني لإجراء تدخلات في السوق لدعم سعر صرف الروبل، وزيادة اعتماد المواطنين الروس على بطاقات الدفع الصينية "يونيون باي" لإجراء معاملات دولية بعد انسحاب شركتي "فيزا" و"ماستركارد" الأميركيتين من السوق الروسية.
ويقدم الخطاب الرسمي الروسي وضع العلاقات مع الصين على أنها شراكة شاملة وتعاون استراتيجي يدخل عهداً جديداً، وتتطور على مبادئ التكافؤ ومراعاة مصالح الطرف الآخر والتحرر من الظرفية السياسية والأيديولوجية، لا سيما بعد زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى موسكو ومحادثاته مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الأسبوع الماضي.
ومع ذلك، ثمة شكوك بين خبراء اقتصاد وطاقة في قدرة الصين على أن تحل محل أوروبا كسوق رئيسية للنفط والغاز الروسيين، وسط شبهات في استفادة بكين من إطالة أمد النزاع في أوكرانيا واستثمارها عزلة روسيا للحصول على الموارد الطبيعية منها بأسعار تفضيلية.
ويعتبر ميخائيل كروتيخين، الشريك في شركة "روس إنرجي" للاستشارات، أن زيادة إمدادات موارد الطاقة الروسية إلى الصين لا تعوض لموسكو بأي حال من الأحوال خسارة السوق الأوروبية، مشيرا إلى أن مشروع خط أنابيب الغاز "قوة سيبيريا-2" الجاري التفاوض على إنشائه، سيحتاج لسنوات طويلة حتى يبلغ طاقته التمريرية التصميمية.
ويقول كروتيخين في حديث لـ"العربي الجديد": "لا تعوض زيادة الإمدادات إلى الصين خسارة روسيا لسوق النفط الأوروبية رغم أن صادرات النفط الروسي إلى الصين سجلت رقماً قياسياً بلغ نحو 86 مليون طن في العام الماضي مقابل نحو 80 مليون طن في عام 2021، وفق البيانات الجمركية الصينية. أضف إلى ذلك التخفيضات الهامة المقدمة على النفط الروسي حتى تكون أسعاره أقل من سقف الأسعار الذي حددته بلدان مجموعة الدول السبع وأستراليا في نهاية العام الماضي، بـ60 دولاراً".
وفي مجال الغاز، يعتبر كروتيخين أن السوق الصينية لا يمكنها تعويض السوق الأوروبية، موضحاً أنه "منذ سنوات عدة، تروّج روسيا لمشروع خط أنابيب الغاز قوة سيبيريا-2، ولكن الصين لم تحسم موقفها منه بعد. وحتى في حال تحقيق المشروع على أرض الواقع، فإنه لن يبلغ طاقته التمريرية التصميمية بواقع 50 مليار متر مكعب إلا بعد ما بين 12 و15 عاماً، بينما تراجعت إمدادات الغاز إلى أوروبا بمقدار أكثر من 100 مليار متر مكعب خلال العام الماضي وحده".
وكان بوتين قد أعلن خلال المحادثات الروسية الصينية، يوم الثلاثاء الماضي، عن التوصل إلى الاتفاق بشأن كافة معايير "قوة سيبيريا-2" تقريباً والذي من المنتظر أن يربط بين روسيا والصين عبر أراضي منغوليا.
اليوان كعملة احتياط
يلفت مدير مركز بحوث مجتمع ما بعد الصناعية، فلاديسلاف إنوزيمتسيف، إلى مجموعة من العوائد التي تجنيها الصين عن إطالة أمد الحرب في أوكرانيا، بما فيها الحصول على تخفيضات على الموارد الطبيعية الروسية واعتماد اليوان كعملة احتياط في روسيا.
ويقول إنوزيمتسيف في حديث لـ"العربي الجديد": "يبدو لي أن الصين تجني عوائد مهمة عن الوضع الذي وجدت فيه روسيا نفسها اليوم، إذ تبيع موسكو لها كميات متزايدة من الموارد الطبيعية بشروط غير مجدية للبائع".
ويشير إلى أن تجميد الاحتياطات الدولية الروسية المودعة لدى الغرب بالدولار واليورو جعل روسيا تعتمد على اليوان كعملة احتياط، مضيفا: "فعليا، أصبحت روسيا هي الدولة الوحيدة التي تعتمد على اليوان كعملة احتياط، ولم يحدث ذلك حتى في باكستان. كلما ضعفت روسيا، سيزداد اعتمادها على الصين، بما في ذلك من جهة استثمار المناطق الشرقية. أعتقد أن الصين لا تعارض إطالة أمد هذه الحرب".
وبعد يوم على مغادرة شي جين بينغ، بلغ الحجم اليومي لتداول اليوان في تعاملات بورصة موسكو في 23 مارس/ آذار الجاري، ما يعادل نحو 1.8 مليار دولار، مزاحماً الدولار في تعاملات البورصة.
وفي عام 2022، سجل حجم التبادل التجاري بين الصين وروسيا رقماً قياسياً بواقع 190 مليار دولار مقابل 147 مليار دولار في عام 2021.
ويعود ذلك بدرجة كبيرة إلى ارتفاع أسعار المواد الخام الروسية خلال الأشهر التي تلت بدء الحرب، إذ بلغت حصة الوقود الأحفوري (أي النفط والغاز والفحم) في مجموع الواردات الصينية من روسيا نحو ثلثين بقيمة 85 مليار دولار.
وعلى سبيل المثال، ازدادت كمية النفط الخام بالأطنان بنسبة 8.3% وبنسبة 44% بالقيمة المالية من 40.5 مليار دولار في عام 2021 إلى 58.4 ملياراً في عام 2022.
وسجلت إمدادات المنتجات الصينية إلى روسيا هي الأخرى رقما قياسياً بواقع 76 مليار دولار بزيادة نسبتها 13% مقارنة مع عام 2021، لتحل محل مئات العلامات الغربية الرائدة المنسحبة من السوق الروسية.
وبذلك بلغت حصة الصين في الواردات إلى روسيا 30% من أصل الـ259 مليار دولار في عام 2022، وفق بيانات هيئة الجمارك الروسية، وذلك مقابل حوالي 25% عام 2021.
ومنذ ديسمبر/ كانون الأول 2019، يورّد عملاق الغاز الروسي "غازبروم" الغاز إلى الصين عبر خط "قوة سيبيريا-1" الذي من المنتظر أن تصل طاقته إلى 38 مليار متر مكعب سنوياً بحلول عام 2025.
ونظراً لخسارة القسم الأكبر من السوق الأوروبية في عام 2022، يبدو بناء "قوة سيبيريا-2" الفرصة الواقعية الوحيدة لـ"غازبروم" لاستعادة حجم تصدير الغاز، ولو جزئياً، في المستقبل المنظور.