يُنتظر أن تصاحب الزيارة المرتقبة لولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد إلى أنقرة ولقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مناقشة عدة قضايا، بينها مسألة استثمار تركيا في مشروع المحور الإماراتي الإيراني التركي (محور الشارقة - مارسين)، والذي يرى مراقبون أنه سيؤثر على مكاسب قناة السويس.
وفي المقابل، رفض مصدر مسؤول بهيئة القناة المصرية التعليق على الزيارة. واكتفى المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، بالتأكيد على أن الحديث عن أي مشروع آخر يهدد قناة السويس "ليس دقيقًا"، وأن "قناة السويس لا بديل عنها، وهي تمثل شريان الحياة للعالم"، على حد وصفه.
ورغم المخاطر التي تهدّد قناة السويس من الممرات التجارية البديلة، وآخرها محور الإمارات وإيران وتركيا، تواصل الحكومة المصرية توسعة القناة بهدف زيادة قدراتها الاستيعابية.
وأعلن رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع، الأسبوع الماضي، انضمام الكراكة حسين طنطاوي، وهي أحدث وأكبر كراكات الهيئة، للعمل بنطاق مشروع توسعة وتعميق المنطقة الجنوبية لقناة السويس. وقال ربيع إن المشروع يعمل بداية من الكيلومتر 132 وحتى الكيلومتر 162 ترقيم قناة السويس، ضمن مشروع تطوير القطاع الجنوبي بالمجرى الملاحي للقناة.
مميزات الممر الجديد
والممر التجاري الجديد (محور الشارقة - مارسين)، ينطلق من الإمارات إلى إيران وتركيا ويحتاج وصول البضائع الإماراتية من الشارقة عبره لما بين 6 و8 أيام، الأمر الذي سيجعله مفضلا على المسار القائم حاليا عبر قناة السويس الذي يحتاج وصول البضائع عبره إلى 20 يوما بالمعدل.
وكشفت السلطات الإيرانية، يوم 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، عن عبور أول حمولة تجارية من الإمارات إلى تركيا عبر الأراضي الإيرانية، مشيرة إلى أن ذلك "يسرع عملية النقل 8 أيام بعد أن كان نقل البضائع من ميناء الشارقة بالإمارات إلى ميناء مرسين التركي عبر مضيق باب المندب وقناة السويس والبحر الأحمر يستغرق فترات طويلة.
وتعتبر الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري لإيران. وكان المتحدث باسم الجمارك في إيران روح الله لطيفي قد أعلن، في شهر أغسطس/ آب الماضي، أن حجم التبادل التجاري بين إيران والإمارات سجل زيادة نسبتها 24% بالوزن و54% بالقيمة، خلال آخر خمسة أشهر، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ومن المرتقب أن تصدر الإمارات نفطها عبر الممر الجديد بدلا من قناة السويس، ما سيؤدي إلى تكبّد مصر خسائر باهظة.
وقالت وسائل إعلام تركية، بينها صحيفة "إندبندنت" بالنسخة التركية، وموقع "haber7"، أمس الاثنين، إن بن زايد سيبحث مع الرئيس التركي بشأن قضايا اقتصادية، إضافة إلى تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين.
وفي مجال الاقتصاد الذي يعد أهم عنصر في حقيبة بن زايد، ستفتح الإمارات طريقا تجاريا إلى تركيا مع مرور الممر عبر إيران.
كما من المقرر أن تتم خلال محادثات بن زايد وأردوغان مناقشة الاستثمارات الإماراتية في تركيا. يشار إلى أن آخر زيارة لابن زايد إلى تركيا كانت في فبراير/ شباط 2021، بحسب موقع "إرم نيوز" الإماراتي.
وحسب رويترز، أمس الاثنين، قال مسؤولان تركيان إن ولي عهد أبوظبي سيزور تركيا ربما يوم 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري لإجراء محادثات مع الرئيس التركي، حيث يعمل الخصمان الإقليميان على إصلاح العلاقات المتوترة بينهما.
وخلال السنوات الأخيرة الماضية، شهدت العلاقات بين تركيا والإمارات توترا ملحوظا على خلفية الحصار الخليجي لقطر في 5 يونيو/ حزيران 2017، والذي انتهى بتوقيع بيان العلا في السعودية في مطلع العام الحالي.
مخاطر أخرى
ولا تتعرض قناة السويس لتهديدات من الطريق التجاري الجديد بين الإمارات وإيران وتركيا فقط، بل تواجه تهديدات أخرى، ومنها عمل سلطات الاحتلال الإسرائيلي والإمارات بشكل حثيث، منذ شهور، على إنجاز مشروع ضخم يتم عبره نقل النفط والمنتجات البترولية من الإمارات إلى إسرائيل ثم إلى أوروبا، عبر خط ممتد من ميناء إيلات على البحر الأحمر إلى ميناء أسدود على البحر المتوسط.
وهذا الخط، في حال تنفيذه، يترتب عليه تقليل الإمارات استخدام ممر قناة السويس في نقل نفطها إلى أوروبا، بزعم أنّه أعلى كلفة واستهلاكاً للوقت من وجهة نظرها، وربما يقلل استخدام دول خليجية أخرى القناة المصرية لنقل جزء من نفطها مستقبلاً إلى أوروبا.
وفي شهر يوليو/ تموز الماضي، أعلنت شركة موانئ دبي العالمية تعاونها مع روسيا بغية توحيد جهودهما لتطوير ممر شحن حاويات تجريبي عبر القطب الشمالي في مسار روجت له موسكو على أنه بديل لقناة السويس المصرية.
وتُشغِّل موانئ دبي العالمية التي تسيطر عليها حكومة دبي 78 مرفأ بحريا وبريا، مدعومة بأكثر من 50 شركة ذات صلة بأكثر من 40 دولة.
متابعة مصرية للمشروعات المنافسة
وكان مستشار الرئيس المصري لمشروعات محور قناة السويس، الفريق مهاب مميش، قد قال إن قناة السويس لا بديل عنها، فهي تمثل شريان الحياة للعالم، مضيفا خلال تصريحات، في يوليو/ تموز الماضي، أن هناك مجموعات من مسؤولين في قناة السويس لمتابعة ما يشاع حول وجود مشروعات منافسة لقناة السويس ومتابعة القنوات المنافسة البديلة، وهي القناة الإسرائيلية، وقناة القطب الشمالي، وقناة نيكاراغوا.
وأثارت الخطوة الإسرائيلية الإماراتية مخاوف فعلية بالنسبة إلى القناة المصرية، خاصة أن الأرقام الرسمية تؤكد أن حركة ناقلات البترول عبر قناة السويس تمثل نسبة 27 في المائة من إجمالي حركة التجارة في القناة، منها 5 في المائة حصة السعودية و1.4 في المائة للكويت.
وتعد الممرات التجارية البديلة أكبر تهديد لكل من قناة السويس وخط أنابيب سوميد المصري الذي ينقل جزءاً مهماً من النفط الخليجي لأوروبا.
وبالإضافة إلى تدشين خط أنبوب "إيلات عسقلان" لنقل المواد السائلة وضمنها النفط الإماراتي لأوروبا، فإنّ "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي اقترح أخيراً تدشين خط سكة حديد يصل إيلات بميناء أسدود، ليكون قادراً على نقل المواد الصلبة، التي تصدّر من الخليج إلى أوروبا أو العكس.
في فبراير/ شباط الماضي، وبالتزامن مع تفعيل الاتفاقية، أصدرت هيئة قناة السويس بياناً، لم تنف فيه وجود تأثير لمشروع خط أنابيب "إيلات – عسقلان" على تنافسية قناة السويس وحركة الملاحة بها
وكان خبير النقل واللوجستيات حسين فوزي قد قال، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، إنه مع إعلان شراء شركة مبادلة الإماراتية حصة في حقل غاز تمار الإسرائيلي، إلى جانب الأنباء عن خط أنابيب "إيلات - عسقلان" لنقل الغاز والبترول دون المرور بقناة السويس، من الضروري أن تتحرك الدولة المصرية لتنشيط مشروع محور قناة السويس القديم، والذي سيحولها إلى منطقة لوجيستية جاذبة للتجارة العالمية.
وأضاف فوزي أن مشروع محور قناة السويس يجب أن يكون على رأس أولويات الدولة، لكي يصبح أهم مشروع قومي، نظراً إلى أنه قادر على إدخال عوائد ضخمة للاقتصاد الوطني في مدة قصيرة.
وتابع خبير اللوجستيات أن الإمارات "تحاول بكل الوسائل تأخير هذا المشروع، لأنه سيجعل من محور قناة السويس منافساً قوياً لمنطقة جبل علي اللوجستية التي تقدم الخدمات نفسها"، مضيفاً أنه "بعد الخطوة الأخيرة من الإمارات في اتجاه مزيد من المشروعات المشتركة مع إسرائيل لإضعاف قناة السويس، أصبح لا يوجد بديل عن إخراج مشروع محور قناة السويس من أدراج الحكومة ليصبح على قمة أولويات الدولة في الفترة المقبلة".
وفي فبراير/ شباط الماضي، وبالتزامن مع تفعيل الاتفاقية، أصدرت هيئة قناة السويس بياناً، لم تنف فيه وجود تأثير لمشروع خط أنابيب "إيلات – عسقلان" على تنافسية قناة السويس وحركة الملاحة بها، لكنها قللت من أهميته، فأكدت أن الحديث عن تأثير الخط في حال إعادة تشغيله على حركة تجارة البترول المارة بالقناة تم تداوله بصورة خاطئة ومجتزأة.
منافسة عالمية
وأضحت قناة السويس المصرية في مواجهة لا يستهان بها مع العديد من مشروعات المسارات البديلة التي تتبناها دول كبرى في بقاع شتى من المعمورة، بعضها يحمل أجندات سياسية وأخرى تبحث عن مكاسب اقتصادية، بجانب زيادة نفوذها على ممرات التجارة العالمية، آخرها إعلان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، في سبتمبر/ أيلول الماضي، عن تأييده لإنشاء ما وصفه بـ"مسار الأرز"، الذي من المخطط أن يمتد عبر منطقة سيبيريا ليصبح بديلاً لقناة السويس، التي تزايد الإعلان عن مشروعات منافسة لها من دول أخرى، منها الاحتلال الإسرائيلي وإيران وإيطاليا.
واستحوذ شريان الملاحة المصري على حركة التجارة الدولية لأكثر من قرن ونصف، ليقلل مسؤولون مصريون خلال الأشهر الأخيرة من إمكانية خلق مسارات بديلة. لكن خبراء شددوا على ضرورة أخذ دعوات البحث عن ممرات أخرى بعيدا عن مصر على محمل الجد، خاصة أن قناة السويس تمثل أحد المصادر الرئيسية لإيرادات النقد الأجنبي وتمنح البلد الأكبر في المنطقة بعداً استراتيجياً أعمق.
ومن جهته، حذر المهندس المصري ممدوح حمزة من استمرار التعامل مع قناة السويس المصرية باعتبارها ممراً ملاحياً فقط. ولفت، في دراسة سابقة، إلى أنه منذ افتتاح قناة السويس عام 1869 وحتى الآن ينحصر دخلها في العائد من الملاحة فقط، ولم تحقق أي عائد من الموقع، إلا ميناءي شرق بورسعيد (شمال شرق)، والعين السخنة على البحر الأحمر، شرق البلاد (تستغله شركة موانئ دبي)، عند مدخلي القناة، اللذين قام بتخطيطهما وتصميمهما.
وحسب حمزة، فإن "العائد من الميناءين لمصر هو الفتات، بينما العائد الحقيقي ذهب للشركات المحتكرة التي تسلمت الميناءين من الحكومة المصرية تسليم مفتاح بعقود أقل ما يقل عنها إنها ضيعت على مصر حقها".
وبجانب التكتلات الاقتصادية الضخمة التي تبحث عن مصالح أكبر وتقليل للوقت والكلف المالية، تصاعدت في الأشهر الأخيرة دعوات للبحث عن مسارات بديلة في محاولة لتحجيم دور مصر، وفق محللين، منها سلطات الاحتلال الإسرائيلي.