قالت منظمة العمل الدولية، اليوم الأربعاء، إن الأجور العالمية تراجعت بالقيمة الحقيقية هذا العام، للمرة الأولى منذ بدء تسجيلها قبل خمسة عشر عاماً، مستدلة بذلك على ضعف مساهمة الأجور في ارتفاع الأسعار والتسبب في معدلات التضخم المرتفعة التي يشهدها العالم في الفترة الأخيرة.
وأظهر التقرير السنوي للمنظمة التابعة للأمم المتحدة أن متوسط الأجور الشهرية العالمية في النصف الأول من عام 2022 كان أقل بنسبة 0.9 في المائة من حيث القيمة الحقيقية مقارنة بالعام السابق، ليسجل أول تراجع مباشر في مستويات المعيشة على المستوى العالمي في السنوات الخمس عشرة الأخيرة، التي شهدت بداية تسجيل ونشر المنظمة لبيانات الأجور.
وأظهرت البيانات أن التراجع الأكبر كان في العالم المتقدم، حيث ارتفعت معدلات التضخم إلى مستويات غير مشهودة في عقود.
ومن بين اقتصادات مجموعة العشرين، التي تمثل حوالي 60 في المائة من الموظفين بأجر في العالم، انخفضت الأجور الحقيقية بنسبة 2.2 في المائة على أساس سنوي في الاقتصادات المتقدمة، وفق منظمة العمل الدولية.
وفي الاقتصادات الناشئة الموجودة في مجموعة العشرين، قالت المنظمة إن نمو الأجور تباطأ، إلا أنه ظل إيجابيًا عند 0.8 في المائة، مشيرةً إلى المساهمة الفعالة من الصين في تحقيق المعدل الإيجابي، وأيضاً إلى تضرر بلدان أخرى، مثل البرازيل.
وتوقعت روزاليا فانكيز-ألفاريز، التي قادت فريق إعداد تقرير المنظمة، أن يتراجع الأجر الحقيقي خلال العام الحالي برمته، بسبب استمرار ضغط معدل التضخم المرتفع، رغم محاولات البنوك المركزية حول العالم الحد من ارتفاعه، من خلال رفع معدلات الفائدة، وتشديد السياسات النقدية.
ورفع بنك الاحتياط الفيدرالي معدل الفائدة على أمواله، في ستة اجتماعات متتالية، هذا العام، بإجمالي رفع 3.75%، في أسرع وتيرة رفع للفائدة منذ أوائل الثمانينات من القرن الماضي.
وتبعت أغلبُ البنوك المركزية حول العالم في رفع الفائدة البنكَ الفيدرالي، بعد وصول التضخم في بلادها لمستويات تجاوزت عشرة في المائة، إلا أن ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء تسبب في محدودية تأثير الرفع على التضخم المشتعل في البلاد، وتسبب في تراجع الأجور الحقيقية وانخفاض مستويات المعيشة.
وقالت روزاليا في التقرير إن معدل نمو متوسط إنتاجية العمالة تجاوز في 2022 معدل نمو الأجور بأكبر هامش منذ أواخر الألفية السابقة، "وهو ما يعني تراجع نصيب العمال من إجمالي الدخل العالمي".
وطالبت المنظمة حكومات العالم ببذل المزيد من الجهد لحماية العمال من أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة، من خلال فرض زيادات على الحد الأدنى في الأجور، دون التذرع بما قد يسببه ذلك من مخاطر لارتفاع معدل التضخم.
وتابع محافظو البنوك المركزية حول العالم ارتفاعات الأجور عن كثب، خوفاً من ترسخ معدل التضخم المرتفع إذا طلب العمال زيادات في الأجور لمواكبة ارتفاع تكاليف المعيشة، مما يدفع الشركات إلى الاستمرار في زيادة أسعارها مع زيادة فاتورة الأجور.
ويوم الثلاثاء، نقلت صحيفة "فاينانشيال تايمز" الإنكليزية عن أندرو بايلي، محافظ بنك إنكلترا المركزي، قوله إن زيادات الأجور في المملكة المتحدة، عند حوالي 6.5 في المائة، كانت "أعلى بكثير من التوقعات في أي حالة طبيعية ".
والأسبوع الماضي، قال فيليب لين، كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي، في مدونته على موقع البنك، إنه حتى لو أدى نمو الأجور المرتفع إلى ضغط تصاعدي على التضخم خلال العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة، فلن يؤدي ذلك بالضرورة إلى أي تغيير دائم في ديناميكيات الأجور، بعد "مرحلة اللحاق بالركب" الأولية، في إشارة إلى الفترة التي تجاوز فيها معدل التضخم معدل ارتفاع الأجور في الاتحاد الأوروبي.