تصفيق قوي في القاعة. قادة أكثر من 40 دولة ونشطاء شاركوا في افتتاح قمة "ميثاق مالي عالمي جديد" في باريس الخميس، عبروا عن تأييدهم لكلمة رئيسة وزراء جمهورية بربادوس ميا موتلي. الأخيرة طالبت بـ"تغيير كلي" للنظام المالي وعدم الاقتصار على "الإصلاح".
القمة التي وصفها العديد من المحللين بأنها محاولة لن تفضي إلى نتائج ملموسة على الأقل في المدى المنظور، كشفت عن حجم الاستياء الذي يطاول منظومة التمويل العالمية، بقيادة صندوق النقد والبنك الدوليين، التي انبثقت عن مؤتمر بريتون وودز منذ 79 عاماً، خاصة مع وجود ثقوب في آليات التمويل أفضت في العديد من تدخلات صندوق النقد الدولي مثلاً إلى زيادة البؤس بؤساً.
وفي ختام القمة الجمعة، لم يتم الاتفاق على فرض ضريبة عالمية على الشحن الدولي، وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن "إجماع تام" على "إصلاح عميق" للنظام المالي العالمي، لكن اللقاءات انتهت في الوقت الحاضر بسلسلة من التعهدات المحددة التزمت بها مجموعات من الدول، من غير أن يصدر الإعلان المشترك الذي أملت به الرئاسة الفرنسية لفترة، وفقاً لوكالة "فرانس برس".
وقالت القيادات العالمية المجتمعة إن من المتوقع زيادة بنوك التنمية متعددة الأطراف الإقراض 200 مليار دولار في السنوات العشر المقبلة، من خلال إدارة ميزانياتها العمومية بصورة أكثر إحكاما وتحمل المزيد من المخاطر. وعبر العديد من هؤلاء عن مخاوفهم من أن البنك وصندوق النقد الدوليين يتزايد تقادم نماذج عملهما في مواجهة تحديات مثل تغير المناخ وأعباء الديون في الدول الفقيرة بعد جائحة كوفيد-19.
ووضعت الدول الغنية، خلال القمة، الصيغة النهائية لتعهد تمويل مناخي متأخر بقيمة 100 مليار دولار للبلدان النامية، وأنشأت صندوقا للتنوع البيولوجي وحماية الغابات. إلا أن الكاتب ميهير شارما قال في مقالة في "بلومبيرغ" إنه مهما كانت النوايا الحسنة، فإن المحاولات لإعادة صياغة الهيكل المالي الدولي ليشمل الجنوب العالمي لن تنجح حتى يدرك الغرب أن "الجنوب العالمي" ليس كتلة واحدة. الدول المختلفة لها أولويات مختلفة، وهناك أربعة أولويات مختلفة على الأقل تعمل هنا.
إذ إن أفقر البلدان بحاجة ماسة إلى تخفيف عبء الديون. تحتاج الدول الجزرية الضعيفة والدول الساحلية إلى تمويل للتكيف مع تغيير المناخ. تريد الاقتصادات الناشئة متوسطة الدخل جذب تمويل البنية التحتية ورأس المال الخاص. ومحركات النمو الكبيرة مثل الهند والصين تحلم بالريادة العالمية.
واعتبر شارما أنه "يبدو أن البعض في الغرب يعتقد أنه لمجرد أن هذه القضايا الأربع ليست على أجندة الغرب، فهي مرتبطة بعضها ببعض ويمكن حلها معًا. في الواقع، لا يمكنهم ذلك".
وكانت موتلي قالت في الجلسة الختامية للقمة الجمعة: "هناك توافق سياسي على أن القضية أكبر من كل واحد منا، وعلينا أن نعمل معا، وسيتعين على بنوك التنمية متعددة الأطراف تغيير طريقة عملها، وهذا مقبول".
وأضافت: "لا نترك باريس ببساطة وقد أدلينا بخطب، ولكن بالتزام بالخوض في تفاصيل دقيقة للتأكد من إمكانية تنفيذ ما نتفق عليه هنا".
وكان القادة يأملون أيضا في إصلاح المؤسسات المالية في فترة ما بعد الحرب وإطلاق أموال لمكافحة تغير المناخ، من خلال تحقيق توافق في الآراء حول كيفية الترويج لعدد من المبادرات المحبوسة في مجموعة العشرين ومؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب) وصندوق النقد والبنك الدوليين والأمم المتحدة مثلا.
والتعهد البالغ 100 مليار دولار أقل بكثير من الاحتياجات الفعلية للدول الفقيرة، لكنه أصبح رمزا لإخفاق الدول الغنية في تقديم التعهدات المالية لمكافحة تغير المناخ، وفقاً لوكالة "فرانس برس".
وقالت موتلي "إذا لم نتمكن من وضع القواعد في هذا التوقيت مثل ما فعل آخرون من قبل، فسنكون مسؤولين عما قد يكون أسوأ واقع للبشرية".
وأكدت "الغارديان" البريطانية أن خريطة طريق قمة باريس تتضمن مقترحات، ستُسلّم في الاجتماعات المقبلة لقمة مجموعة العشرين، والاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، والاجتماعات الدولية الأخرى، حتى قمة المستقبل التي ستعقد في سبتمبر/ أيلول المقبل.
وناشد زعماء دول من الشمال والجنوب في باريس تقديم آلاف مليارات الدولارات الضرورية للانتقال الطاقي وتكيف البلدان الأكثر عرضة لاحترار المناخ، وهي مشكلة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتنمية.
ودعا ماكرون إلى "صدمة تمويل عام" لمواجهة الفقر واحترار المناخ، لمحاولة إعادة صياغة النظام الاقتصادي العالمي. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إن "الهيكلية المالية الدولية فشلت".
وأضاف أن القواعد التي تخصص بموجبها الأموال من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي "أصبحت غير أخلاقية للغاية"، و"الجمود ليس خيارا". وأوضح أنه في ما يتعلق بحقوق السحب الخاصة عام 2021، "حصل المواطن الأوروبي في المتوسط على نحو 13 ضعف ما حصل عليه المواطن الأفريقي".