أصدر رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، قرارا يقضي بعمل موظفي 18 جهة حكومية يوم الأحد من كل أسبوع من منازلهم، بهدف تخفيف أحمال الكهرباء وتقليل الضغط على الشبكة، خاصة في فصل الصيف الذي يزداد فيه لجوء المواطنين لاستخدام أجهزة تكييف الهواء والمراوح، ما تسبب في قطع التيار الكهربائي عن ملايين المنازل في مصر، خلال الأسابيع الماضية.
يشير القرار إلى أن موظفي الحكومة في مصر سيتعين عليهم دفع تكلفة استخدام الكهرباء، وأجهزة الحاسب الآلي، واشتراك الإنترنت، في تلك الأيام من أموالهم الخاصة، وكأن الحكومة بإلقائها هذا العبء على المواطنين تجبرهم على دعمها ماليا في ما تتحمله من نفقات تشغيلية، تخص الخدمة التي تقدمها تلك الجهات.
يحدث ذلك أيضاً فيما نلحظه من تركيز الحكومة المصرية مؤخرا في خطابها على المصريين العاملين في الخارج، بغرض استقطاب أموالهم، حتى تتمكن البلاد من الخروج من الأزمة الاقتصادية المالية الحالية، التي تحتل فيها أزمة العملة الأجنبية مكان الصدارة.
قدمت الحكومة إغراءات كبيرة للمصريين العاملين بالخارج، كشهادات الادخار الدولارية ذات الفائدة المرتفعة، وطرح أراض للبيع بالعملة الأميركية، بالإضافة إلى منح أبنائهم إعفاءً من التجنيد مقابل دفعهم مبلغا ماليا بالدولار.
لم يقتصر الأمر على ذلك، حيث ظهرت بعض الأصوات تنادي بإجبار العاملين بالخارج على تحويل نصف رواتبهم إلى داخل البلاد، حتى يتم استبدالها بالعملة المحلية، بالسعر الرسمي بالتأكيد، وهو ما يقل بنحو 25% على الأقل عن السعر الذي يمكنهم الحصول عليه بطرق شتى.
كل "الإغراءات" التي تقدمها الحكومة المصرية تدور حول حصولها على الدولار الذي يشقى المصريون في الخارج للحصول عليه بسعر يقل عن قيمته الحقيقية، وهو ما يعني مرة أخرى أن الحكومة تسعى للحصول على دعم المواطنين في أزمتها الحالية.
تتوسع الحكومة المصرية في طلب القروض، من الداخل ومن الخارج، وهو ما يعني زيادة الجزء المخصص لسداد أقساط وفوائد الديون من الموازنة المصرية بصورة مطردة، الأمر الذي يأتي على حساب الإنفاق على التعليم والصحة، وكافة أوجه الإنفاق الاجتماعي.
ومع تراجع الإنفاق على هذه البنود، يتجه المواطنون إلى الحصول على تلك الخدمات من القطاع الخاص، وهو ما يكون بتكلفة مضاعفة لما كان ينبغي دفعه للجهات الحكومية.
ومرة أخرى يظهر لنا ما تلقيه الحكومة من عبء على المواطنين، بسبب سياساتها التي نجم عنها هذا الكم الهائل من القروض، على الرغم من التراجع الملحوظ في قيمة الجنيه وما تسبب فيه من تراجع مستويات المعيشة، خلال الأشهر الأخيرة.
الأمر نفسه ينطبق على أغلب ما يتم اتخاذه من قرارات منذ انفجار أزمة العملة الأجنبية في وجهنا جميعا، خلال الربع الأول من العام الماضي، سواء ما يخص تخفيض سعر الجنيه مرة تلو الأخرى حتى فقد 50% من قيمته في أقل من عام، أو رفع معدلات الفائدة الرئيسية 11%، حتى وصلت تكلفة اقتراض الحكومة إلى ما يقرب من 25%، بالإضافة إلى بيع الأصول.
ربما يكون الكثير من هذه القرارات ضروريا للتعامل مع الأزمة الحالية، إلا أنها كلها تصب في زيادة أعباء المواطن المصري، وكل من يحصل على دخله بالجنيه المصري ويستفيد من خدمات الحكومة، على حساب تراجع دخله الحقيقي ومدخراته وما يحصل عليه من دعم حكومي.
هذا فقط على مستوى القرارات الكبرى، فيما يخص السياسات المالية والنقدية التي تنتهجها الحكومة المصرية والبنك المركزي، ولكن يوجد قرارات أخرى على مستوى أقل تسير في نفس الاتجاه بالتأكيد. وأضرب هنا مثلا بموقف حدث مع ابنتي التي ذهبت خلال عطلتها التي تقضيها في مصر لإصدار بطاقة شخصية، حيث أتمت قبل أسبوعين عامها السادس عشر.
فوجئت ابنتي بطلب وزارة الداخلية مبلغ 100 جنيه إضافية، تحت مسمى "غرامة أول مرة"، ولما استفسرت عن السبب أفادوا بأنه التأخر في التقدم لإصدار البطاقة. يا أهل الخير، البنت أتمت السن القانونية قبل أسبوعين فقط، وكانت خارج البلاد. فجاءنا الرد من مدام عفاف في الدور الثاني بأن السن القانونية أصبحت 15 سنة!
هي أمور بسيطة والحمد لله، لكن المبلغ يماثل أجر يوم تقريباً لكل من يحصلون على الحد الأدنى للأجر في مصر، وهو يأتي بالإضافة إلى الرسوم المعتادة التي يتم دفعها عند إصدار البطاقات وغيرها من المستندات، والتي ارتفعت بصورة كبيرة خلال السنوات الأخيرة، كما أنه يوضح سعي الحكومة للحصول على المزيد من أموال المواطنين، في وقت تشتد فيه الصعاب عليهم، وتتراجع دخولهم ومستويات معيشتهم بصورة واضحة.
هذه مجرد أمثلة، ويمكن إضافة عشرات البنود الأخرى، مثل زيادة الضرائب على منخفضي الدخول، والتوسع في تطبيق الغرامات رغم زيادة الرسوم، وتقليص الدعم المخصص للمواطنين، وكلها أمور تدفعنا للتساؤل عمن يدعم من في مصر المأزومة حالياً، وإذا ما كان الضحية يمول الجاني، للمساهمة في الخروج من الأزمة.
في أوروبا وأميركا والدول المتقدمة، تقف الحكومة مع المواطنين وتقدم لهم الدعم في الفترات الصعبة، من خلال إعانات البطالة، أو كوبونات الطعام، وأحياناً المساكن المدعومة إيجاراتها، وأشياء كثيرة أخرى.
هذا ما شهدناه خلال فترة وباء كوفيد-19، ومع المهاجرين الجدد الذين لا تتوفر لهم الدخول التي تسمح بالعيش الكريم. ولا ننسى أن المدارس الحكومية في الولايات المتحدة على سبيل المثال، تقدم خدماتها المتميزة، بالمجان لكل التلاميذ، ويشمل ذلك من لا يتوفر لهم مستندات إقامة شرعية في البلاد.
تبذل الحكومات في تلك الدول قصارى جهدها لرفع الأعباء عن المواطنين، لكي تنال رضاهم وتتجنب التعرض لعقوبتهم، المتمثلة في عدم إعادة انتخابهم، ومن ثم توجه أصواتهم لدعم المنافسين.
لكن في بلادنا، تأمن الحكومات تماما هذه العقوبة، فلا توجد انتخابات ولا منافسون، ولقد قالها حكيم من قديم الزمن، أن من أمن العقوبة أساء الأدب.