كشفت السلطات الجزائرية أخيراً عن الزيادات التي مست أجور العمال، ومعاشات المتقاعدين، ومنحة العاطلين عن العمل، التي صادق عليها الرئيس عبد المجيد تبون، وحملتها موازنة 2023 الأكبر في تاريخ البلاد بقرابة 98 مليار دولار.
يأتي ذلك فيما يبقى التساؤل حول تأثير هذه الزيادات على قدرة الجزائريين الشرائية المنهكة بغلاء المعيشة، وانفلات مستويات التضخم، خاصة أن الهدف الأول من هذه الزيادة يبقى حماية جيوب المواطنين.
زيادات بنسبة 47% للقطاع العام
تراوحت الزيادات التي أقرها الرئيس عبد المجيد تبون بعد اجتماعه مع الحكومة، في الرواتب على مدى السنتين 2023/2024، بين 4500 و8500 دينار (بين 32 و62 دولاراً)، ما يجعل الزيادات خلال السنوات الثلاث 2022، 2023، 2024، تصل إلى نسبة 47 بالمائة.
أما معاشات المتقاعدين فسترتفع مع الحد الأدنى المضمون للأجور في الجزائر، وهو 20 ألف دينار (145 دولاراً)، فيما سترتفع منحة البطالة المقدرة حالياً بـ13 ألف دينار (94 دولاراً) إلى 15 ألف دينار (109 دولارات) مع تكفل الدولة بأعباء التغطية الصحية لهم.
وتعد هذه الزيادات الأولى من حيث الحجم، منذ أكثر من 15 سنة، حيث تعود الزيادات الأخيرة إلى عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، سنة 2007، فيما ينتظر أن تحمل الجريدة الرسمية التي ستصدر في 31 ديسمبر/ كانون الأول تفاصيل الزيادات حسب الرتب وأصناف العمل.
ووفق المعلومات التي تحوزها "العربي الجديد"، فإن الزيادات ستمس أجور 2.8 مليون عامل في القطاع العام، و1.9 مليون بطّال، وقرابة مليوني متقاعد، من أصحاب المعاشات الضعيفة الذين اشتركوا لأكثر من 15 سنة في صندوق التقاعد.
القطاع الخاص
حسب المعلومات نفسها التي حصلت عليها "العربي الجديد"، فإن العمال في القطاع الخاص لن تمسهم الزيادات، وتركت الحكومة الزيادات للاتفاق الجماعي الموقع بين ممثلي العمل والمتعاملين الاقتصاديين في القطاع الخاص، فيما تعود آخر زيادة مست عمال القطاع الخاص إلى الاتفاق الجماعي الموقع سنة 2017 بين الحكومة والاتحاد العام للعمال الجزائريين وتكتلات رجال الأعمال.
وستغطي موازنة سنة 2023 الزيادات، بعدما شهدت ارتفاعاً من 46 مليار دولار السنة الحالية إلى 98 مليار دولار السنة القادمة، مستفيدة من تضاعف عائدات النفط والغاز، وتراجع الواردات بحوالي 40 بالمائة، ما دفع باحتياطي الصرف للارتفاع إلى 60 مليار دولار الشهر الحالي.
ومن المنتظر أن تمس الزيادات التي أقرتها الحكومة على أجور القطاع العام، الرقم الاستدلالي، الذي يؤدي إلى الترقية في الدرجة وزيادة منحة المردودية، ما جعل العمال يتسابقون في توقع الزيادات بالأجور، قبل صبها في يناير/ كانون الثاني 2023.
وفي السياق، يرى الخبير الاقتصادي المختص في الموارد البشرية عبد الحق شباطة أنه "من الناحية النظرية تعتبر زيادة أجور العاملين في القطاع العام من خلال رفع النقطة والرقم الاستدلاليين واللذين يؤثران بشكل مباشر على الأجر القاعدي خطوة أفضل مقارنة بالمساس بالمنح التي تتغيَّر بفعل عوامل معينة كالمنطقة الجغرافية والزمن".
وأشار إلى أنه "يجري حساب الأجر في الجزائر باللّجوء إلى جدول مُحدَّد يُمثِّل الشبكة الاستدلالية لأجور الموظَّفين، بغية تحديد الأرقام الاستدلالية لكل من الصنف الذي يعكس المستوى الدراسي للموظَّف، وكذلك الدرجة التي تعكس أقدمية الموظَّف وخبرته في منصبه، وبعد ذلك يُضرَب مجموع الأرقام الاستدلالية للصنف والدرجة في النقطة الاستدلالية التي تسمح بتَحوُّل تلك الأرقام المجرَّدة إلى مبلغ بالدينار الجزائري يعكس بدوره أجر الموظَّف في القطاع العام".
وأضاف: "يأتي ذلك دون احتساب العلاوات، والتعويضات، والضريبة على الدخل، والاشتراك في الضمان الاجتماعي، لذلك تعتبر النقطة الاستدلالية سبباً رئيسياً في تدنِّي الأجور، وتراجع القدرة الشرائية، وهي حقيقة تغيب للأسف عن كثير من الموظَّفين".
وتابع شباطة لـ "العربي الجديد" أن "مهما كانت الزيادة التي ستمس أجور القطاع العام فإنها ستعمل من جهة على زيادة الاستهلاك وارتفاع الطلب، ولكنها ستُؤدِّي من جهة أخرى إلى دوَّامة لا نهائية من التضخُّم في ظلّ زيادة الأسعار وغياب الرقابة على الأسواق، ومن الناحية الاقتصادية، فإن زيادة الأجور بدون إنتاجية والبحث عن موارد جديدة ما هي إلّا سكب للزيت على نار التضخُّم، ليتأجَّج بعد ذلك ثالوث العجز: الموازنة والبطالة والفقر".
شبح التضخم
تتزامن الزيادات التي وعد بها الرئيس عبد المجيد تبون، كهدية للجزائريين في منتصف عهدته الرئاسية، مع بلوغ التضخم مستويات فاقت توقعات الحكومة، فحسب الديوان الجزائري (حكومي) بلغت نسبة التضخم 9.7 بالمائة نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فيما يواصل الدينار استقراره في المستويات المتراجعة أمام العملات الأجنبية، بعدما فقد سنة 2022 قرابة 37 بالمائة أمام الدولار والعملة الأوروبية الموحدة.
وأجمعت النقابات المستقلة والموالية للحكومة على أن الزيادات التي ستشهدها أجور العمال في القطاع العام، وإن كانت معتبرة، إلا أنها تبقى دون آمال الطبقة العمالية، داعية رئيس البلاد للتدخل، وإعادة النظر في سلم الأجور.
إلى ذلك، أكد رئيس نقابة عمال التربية والتكوين، المنضوية في تكتل النقابات المستقلة الذي يمثل 9 قطاعات عمومية، مزيان مريان، أن "الارتفاع الرهيب للأسعار، أفقد القدرة الشرائية توازنها والطبقة المتوسطة مكانتها، لذلك نجدد المطالبة بإعادة النظر في "قيمة" النقطة الاستدلالية والنظام التعويضي ككل، بالإضافة إلى استحداث المرصد الوطني القدرة الشرائية لمواجهة الغلاء".
وكشف النقابي الجزائري، في حديث مع "العربي الجديد"، عن أن متوسط الأجور في الجزائر يجب أن يفوق عتبة 50 ألف دينار (364 دولاراً)، وألا يبقى تحت هذا المستوى، قائلاً: "نحن كنقابات سنواصل العمل لاسترداد الحقوق ومواصلة النضال حول جملة المطالب المشتركة بين مختلف النقابات".