أضحى الأمين العام لنقابة العاملين في السكك الحديد والخطوط البحرية والنقل البريطاني ميك لينش خلال أسابيع نجما في وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما كان غير معروف. فقد دفعته صراحته إلى واجهة الأحداث، بعدما قاد حركة احتجاجية في قطاع النقل.
سيكون على رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة ليز تراس التي خلفت رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون التحرك بسرعة من أجل التفاوض مع النقابة التي أعلنت عن إضراب في منتصف سبتمبر/ أيلول الجاري، بعدما نظمت إضرابات خنق بريطانيا في يونيو/ حزيران وأغسطس/ آب الماضيين، حيث اعتبرت هذه الحركة الأكبر منذ عقود، والتي تطالب بزيادة الرواتب في ظل تجاوز التضخم 10%.
ويفترض في رئيسة الوزراء الجديدة إقناع الأمين العام لينش والسعي لحل الأزمة العمالية في قطاع النقل. فقد لفت هذا الستيني، الذي يقود اتحادا عماليا يضم ثمانين ألف عضو، الانتباه بقدرته على إحراج الصحافيين والسياسيين عبر سخريته الراسخة من التقاليد الإنكليزية وثباته أمام الصحافيين الذين يحاولون نصب الفخاخ له عبر أسئلتهم.
ويقول أستاذ الإعلام بجامعة برونيل بلندن مايك واين إن له قدرة على إبراز تهافت الفرضيات الأكثر ووضع الإصبع على المشاكل الحقيقية، ما جعله أكثر شعبية لدى الجمهور الذي يواجه حالة من عدم اليقين الاقتصادي كل يوم.
رأي النور في أسرة من المهاجرين الأيرلنديين وشب وترعرع بين أربعة من الإخوة والأخوات في غرب لندن، غير أنه رغم الفقر يتحدث عن الجانب المشرق في أسرته التي عاش فيها طفولة سعيدة بفعل التضامن بين أفرادها. غادر لينش، الذي تلقى تكوينا في الكهرباء، المدرسة بعمر الـ16 كي يعمل في البناء، قبل أن يلتحق في 1993 بـ"Eurostar"، حيث أسس اتحادا عماليا، أضحى أمينه العام قبل عام، ويتميز باتخاذ مسافة عن حزب العمال الذي لا يميزه عن حزب المحافظين.
لا يقدم القائد النقابي البريطاني نفسه على أنه ثوري أو متحدث باسم العمال، بل إنه يؤكد أن من أهدافه في الحياة ترسيخ قليل من الاشتراكية.
واجه بخطاب قوي الصحافيين وخصومه السياسيين عندما استضافته القنوات التلفزيونية الإخبارية، حيث تحدث بالكثير من نكران الذات عن مطالب زملائه من أجل زيادة الرواتب وضد إلغاء فرص العمل ورفع الإنتاجية، كما يدعو إلى المحافظة على القدرة الشرائية للإنجاز في ظل ارتفاع التضخم إلى 10%.
بادره أحد مذيعي برنامج "صباح الخير بريطانيا" الذي تبثه ITV، ريشارد مادلي: "أنت ماركسي أم لا؟ إذا كنت ماركسيا فإن هدفك الثورة وإسقاط الرأسمالية؟"، ليجيبه: "كيف يمكن بدء حوار بمثل هذا الهراء"، قبل أن يوضح أنه ليس سوى ممثل لعمال فوضوه للدفاع عن مطالبهم.
ينتقد هذا الأب لثلاثة أطفال السياسيين. لا يميز بين المحافظين والعماليين، حيث يعتبرهم مدافعين عن مصالح الطبقة الغنية، ولم يتردد في وصف وزير الاقتصاد الرقمي بـ"الكذاب" 15 مرة في دقيقتين.
ورغم سعي وسائل إعلام إلى التشديد على تأثير إضراب النقل على حياة الناس، إلا أن تلك الحركة الاحتجاجية حظيت بدعم الإنكليز. هذا ما تؤكده استطلاعات الرأي وتعليقات المواطنين في وسائط التواصل الاجتماعي. ثم إن بعض الشخصيات الوازنة أبدت دعمها للقائد الجديد، مثل هوغ لوري بطل سلسلة "الدكتور هاوس".
رأي النور في أسرة من المهاجرين الأيرلنديين وشب وترعرع بين أربعة من الإخوة والأخوات في غرب لندن، غير أنه رغم الفقر يتحدث عن الجانب المشرق في أسرته التي عاش فيها طفولة سعيدة
ويرمز لينش إلى الحركة الاجتماعية التي تعرفها بريطانيا في ظل تردي الأوضاع المعيشية، حيث إن الغضب لا يقتصر فقط على عمال النقل السككي، بل يطاول النقل الجوي والبحري والصحة والبريد والمدرسة.
هذا ما يتوقعه لينش، وصرح لـ"بي بي سي": "أعتقد أن الرأي العام البريطاني قد سئم من تعرضه للسرقة من هذه الحكومة والشركات البريطانية، حيث تحقق شركات مثل (BP) و(British Gas) أرباحاً ضخمة بينما بالكاد يكسب الأفراد لقمة عيشهم"، ويؤكد أن الحكومة والشركات الخاصة سعت إلى استغلال ظرفية كوفيد من أجل تقليص المكاسب التي حققها عمال السكك الحديدية عبر أجور أقل وحماية أقل عند المرض وإجازات أقل ومعاشات تقاعد مخفضة.
هو يعتبر أن الأمر يتعلق بمعركة الحياة، مؤكدا أن عدم التوصل إلى اتفاق سيجعل عمال السكك الحديد أكثر فقرا أثناء عملهم وتقاعدهم.
عندما سعت وسائل الإعلام إلى دغدغة مشاعر الزعامة لديه بمحاولة رفعه إلى مصاف السياسيين الذين يمكنهم تولى منصب سياسي رفيع في الحكومة، ظل هو ثابتا على موقفه، حيث يؤكد أنه لا يريد سوى تمثيل العمال والدفاع عن مصالحهم.