يتجهز الصياد الفلسطيني محمد بكر، من مدينة غزة، لخوض البحر بقاربه الصغير، على الرغم من مختلف المُضايقات والاستفزازات التي يتعرض لها مع زملائه الصيادين من قِبل بحرية الاحتلال الإسرائيلي خلال عملهم في المهنة التي تُعتبر مصدر دخلهم الوحيد.
ويستقبل عُمال فلسطين اليوم العالمي للعُمال في ظل تواصل المُمارسات الإسرائيلية العدائية على قِطاع الصيد الذي يضُم نحو 4500 صياد، والتي تنسحب كذلك على الأراضي الزراعية المُحاذية للحدود الشرقية، والتي تفصل قطاع غزة عن الأراضي الفلسطينية المُحتلة عام 1948، ويعمل فيها قرابة 55 ألف فلسطيني.
ويُواصِل الاحتلال الإسرائيلي مُحاولاته الحثيثة لتحويل مهنتي الصيد والزراعة، وتُشكِلان بمجموعهما نحو 40% من الناتج المحلي الفلسطيني في قِطاع غزة، إلى مهن خطرة، إذ تُعتبر على تماس مُباشر معه، على طول الحدود شرقًا وفي عرض البحر غربًا.
ويقول الصياد بكر، وهو يعيل أسرة مكونة من ستة أفراد، لـ"العربي الجديد"، إنه يُجازِف بشكل يومي حين يتوجه للعمل في مهنة الصيد التي تشتهر بها عائلته، وإنه مضطر لذلك، حيث تعتبر مهنته ومصدر دخله الوحيد.
ويبين بكر، الذي ارتقى ابن شقيقه شهيدًا بعد تعرضه لإطلاق نار مُباشر من البحرية الإسرائيلية، أن الصيادين يتعرضون إلى الاستهداف المُباشر من الزوارق الإسرائيلية وبشكل غير مُبرر، وإلى إطلاق النار، وكذلك إلى تمزيق الشِباك، ومُصادرة المراكب، في مُحاولة لإخافة الصيادين وإفراغ البحر من مراكِب الصيد، إلا أنهم يواصلون عملهم للحصول على قوت أُسرهم.
من جهته، يوضح رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في قطاع غزة سامي العمصي أن الاحتلال يُحاول التنغيص على عُمال فلسطين في كل المجالات المُتاحة، ويسعى إلى جعل قِطاعي الصيد والزراعة من المِهن الخطِرة، جراء الاستهداف المتواصل في مُختلف الأوقات والمُناسبات. ويقول العمصي لـ"العربي الجديد" إن الاحتلال ما زال يستهدف قطاع الزراعة، الذي يُشكل نحو 25% من الاقتصاد الفلسطيني، والذي حقق خلال السنوات الماضية اكتفاءً ذاتيًّا، وحاول المُحافظة على الاتزان السعري في السوق المحلي، وذلك من خِلال الاستهداف المُباشر، والتجريف المُستمر للأراضي الزراعية الواقِعة على طول الشريط الفاصِل، إلى جانِب حرق الشتول من خِلال رش المبيدات السامة، علاوة على قصف الأراضي الزراعية وإطلاق النار اليومي عليهم خلال توجههم إلى أعمالهم.
وقام الاحتلال الإسرائيلي، نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بفتح العبارات والسدود شرق مدينتي خان يونس جنوبي القِطاع ودير البلح في الوسط، حيث غمرت المياه نحو 300 دونم زراعي، في مُحاولة لضرب القطاع الزراعي، وإلحاق ضرر مباشر بأراضي المزارعين، وهي عادة سنوية تنتهجها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وتُمني المُزارعين بمتوسط خسائر تُقدر بنحو مليون ونصف مليون دولار سنوياً.
أما بخصوص قِطاع الصيد، فيشير رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين إلى أن بحرية الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت، منذ عام 2022 وحتى اليوم، أكثر من 66 صياداً، أُفرج عن غالبيتهم، فيما لا تزال تحتجز ثلاثة صيادين، وقد أصابت مؤخرًا نحو 28 صيادًا في عمليات استهداف مُتفرقة، كانت آخرها إصابة 4 صيادين في بحر شمال القطاع في التاسع من مارس/ آذار الماضي، علاوة على مُصادرة أكثر من 23 قاربًا، بينها 16 قاربًا دُمّرت.
ويلفت العمصي إلى الآثار السلبية لتواصل الحِصار الإسرائيلي على قِطاع غزة عشية يوم العُمال العالمي، وهي المُناسبة التي تُذكّر العُمال بمأساتهم المتجددة، بفعل تزايد وطأة الحِصار الإسرائيلي المفروض عليهم منذ ستة عشر عاماً، مُعتبراً تواصل الحِصار أنه "أبشع جريمة عِقاب جَماعية ومُستمرة".
من ناحيته، يُشير الناطق باسم وزارة الزراعة في قِطاع غزة، أدهم البسيوني، إلى أن العُمال الكادحين في قِطاع غزة يُعتبرون "عُمالاً استثنائيين"، حيث يعملون تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، وإطلاق النار، والقصف، والمُخاطرة، والمُغامرة، إلى جانب تحديات الواقع الاقتصادي، وقلة العمل، وضعف العائد المادي.
ويلفت البسيوني نظر "العربي الجديد" إلى أنّ نحو 55 ألف فلسطيني يعملون في قِطاع الزراعة والمهن القريبة منه، إلى جانب نحو 4500 صياد، يتعرضون للمخاطر المتواصلة والمُعاناة الشديدة، إذ لا تمُر فترة من دون استهداف أو تحديات، مُضيفًا: "في الحرب الأخيرة على قِطاع غزة، ارتقى نحو 15 شهيداً من العُمال داخل أراضيهم الزراعية، إلى جانب خسائر مادية تُقدر بنحو 55 مليون دولار".
ويلفت الناطق باسم وزارة الزراعة إلى أن يوم العُمال العالمي يُعتبر بمثابة يوم لتقدير العُمال، وتقدير تضحياتهم المتواصلة، وتحديداً في مناطِق التماس، ويقول: "خلف كل شجرة، ونبتة، وسمكة، هناك حكايات طويلة، وعرق، ودم، وتحديات".
بدوره، يقول مدير عام التشغيل في وزارة العمل، محمد طبيل، إنّ عُمال فلسطين يستقبلون يومهم العالمي وسط ارتفاع مُعدلات البطالة، التي تجاوزت 45% بشكل عام، ونسبة 74% بين الشباب وحملة الدبلوم والبكالوريوس، حيث يُسجل لدى الوزارة نحو 223 ألف متعطل عن العمل من الخريجين والعاطلين، منهم 143 ألف عامل. ويشير طبيل في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أن إجراءات الاحتلال الإسرائيلي تُعتبر من أبرز الأسباب التي أدت إلى ارتفاع معدلات البطالة، نتيجة استهداف المنشآت الاقتصادية والزراعية خلال جولات التصعيد والحروب.