تزايدت معدلات نزوح المزارعين من مناطق جنوبي العراق إلى المدن خلال الأشهر الخمسة الأخيرة، وفق مسؤولين ومواطنين، بفعل اتساع رقعة الجفاف وانخفاض منسوبي المياه في نهري دجلة والفرات وجفاف مسطحات الأهوار المائية بشكل غير مسبوق منذ إعادتها للحياة عقب الغزو الأميركي للبلاد عام 2003.
ويشير مختصون إلى خروج مئات آلاف الهكتارات الزراعية من الخدمة بفعل الجفاف في الموسم الحالي، وسط تحذيرات من تفاقم الأزمة، خاصة في ظل عدم تبني الحكومة إجراءات لدعم المزارعين ومربي الماشية وتعويضهم عن الخسائر التي تكبدوها هذا الموسم
وتعتبر محافظات واسط وذي قار وميسان والمثنى أبرز مناطق جنوبي العراق تأثراً بتراجع منسوبي المياه في نهري دجلة والفرات وكذلك الأهوار، فيما تواصل الحكومة العراقية اتهام إيران بالتسبب في الأزمة.
ويقول المتحدث باسم وزارة الموارد المائية في بغداد، عون ذياب لـ"العربي الجديد"، إنهم رفعوا تقريرا كاملا إلى وزارة الخارجية يتضمن الموقف المائي في البلاد، بهدف التحرك دبلوماسياً لرفع دعاوى قضائية لدى المحاكم الدولية على إيران "لأنها ألحقت ضرراً كبيراً وخالفت القوانين والمواثيق الدولية في تقاسم الضرر المائي".
وأضاف ذياب: "هناك تواصل من وزارة الخارجية للتوصل إلى صيغة مناسبة تكون ضاغطة ومؤثرة على الجارة إيران، لمعالجة أسباب الأذى على العراق بسبب قطع الأنهر التي تغذي نهر ديالى العراقي فهو المتضرر الأول، فقد وصل الضرر به إلى 75% لكون هذه النسبة ذاتها هي مقدار مصادر المياه الإيرانية التي جرى قطعها".
وتابع أن "الخزين المائي المتاح محدود مع وجود أسبقيات لتأمين الاحتياجات المائية، خاصة مياه الشرب والاستخدامات البشرية التي تأتي في الترتيب الأول ثم سقي البساتين والمساحات المزروعة، وأيضا تأمين الجانب البيئي في الجزء الجنوبي من العراق والذي يتعلق بالأهوار وشط العرب، إذ تأثرت هذه السنة بشكل كبير بسبب نقص المياه وبدأت حالات الجفاف واضحة في مناطق كثيرة منها".
وفي وقت سابق من هذا العام، قال وزير الموارد المائية العراقي مهدي الحمداني إن "العلاقة مع تركيا تحسنت بشكل كبير بما يخص ملف المياه وقاسمتنا الضرر، لكن ملف المياه مع إيران يختلف ولم تقاسمنا طهران الضرر بشأن الشح"، متهما إيران بقطع روافد أنهار وتغيير مجرى أخرى إلى داخل ايران.
ويقول عضو البرلمان العراقي باسم الغرابي، إن "معالجة أزمة المياه الحالية، تنطلق من التحرك نحو إيران وتركيا"، مضيفا لـ"العربي الجديد"، أن "الضرر الذي تعرض له الفلاحون كبير ودفع كثيرا منهم للهجرة من الريف وترك الزراعة والبحث عن عمل آخر".
بدوره، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة حميد النايف لـ"العربي الجديد" إن الوزارة اقترحت زراعة مساحة تبلغ 5 ملايين دونم فقط هذا الموسم (الدونم يعادل ألف متر مربع)، لكن وزارة الموارد المائية اعتذرت حتى عن ذلك لعدم توفر المياه الكافية لهذه المساحة، وهذا الأمر أدى إلى تقليص مساحة الأراضي المزروعة إلى 50% وانخفضت المحاصيل بذات النسبة عن السنة الماضية.
وفي ظل عدم وجود حلول ناجحة لإدارة الأزمة، حذر رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية العراقية حسن نصيف في تصريح لـ"العربي الجديد" من تزايد الهجرة من الأرياف باتجاه المدن.
وأشار نصيف إلى أن الكثير من الفلاحين هجروا أراضيهم وتركوا الزراعة بسبب أزمة المياه وهذا يؤدي إلى ضرر كبير في الأراضي الزراعية وسينعكس بشكل واضح على قطاع الزراعة.
وفي السياق، لفت علي الرميح مزارع من مدينة الديوانية التي تبعد نحو 180 كيلومترا جنوبي بغداد، إلا أن حياة الريف جنوبي البلاد باتت مهددة، موضحا "أغلب من حولي من المزارعين وعوائلهم هاجروا تجاه المدينة.. لا توجد حياة زراعية هنا، ذهبوا ليبحثوا عن عمل وفرص حياة.. ماء الشرب غير متوفر في أيام كثيرة ومياه الزراعة لا تغطي سوى نسبة ضئيلة جدا".
ولفت الرميح إلى أن الهجرة من الريف ليست بسبب المياه فقط، وإنما لعدم وجود أي دعم للزراعة فالأسمدة أسعارها ارتفعت لأربعة أضعاف، وصرف مستحقات الفلاحين تأخر أكثر من سنة، بينما تكلفة الزراعة أصبحت مرتفعة جدا لذلك هجرها الكثيرون.