استمع إلى الملخص
- **استقالة رئيسة الوزراء وتعيين حكومة انتقالية**: استقالت حسينة واجد وهربت إلى الهند، وتم تعيين محمد يونس رئيساً لحكومة انتقالية، مما يعكس رغبة في التصالح الوطني وتجنب تدخل الجيش.
- **دور محمد يونس في المرحلة الانتقالية**: محمد يونس، الحائز على جائزة نوبل، تم اختياره لقيادة الحكومة الانتقالية بفضل نجاحه في تأسيس بنك القرية "غرامين"، مما يعكس رغبة بنغلادش في تحقيق التنمية والنمو بعيداً عن الفساد.
خرجت "حركة ضد التمييز" الطلابية في بنغلادش عن قاعدة تأديب شعوب العالم بتجربة الشعوب العربية الثائرة لضمان خنوعهم وتدجينهم، أياً بلغ الغي والفساد والاستبداد، فالدرس الذي لقنه الحكام لشعوبهم بالسوريين على سبيل المثال، ضمن، أو هكذا خالوا، عدم خروج الشعوب على "سيادته أو سيادتها"، حتى دونما فتوى شرعية من أنصار تحريم الخروج على الحاكم.
فما جرى جراء ثورات الربيع العربي، وللسوريين تحديداً، من قتل واعتقال وتهجير، أعاد قناعات التسليم بالواقع والرضى بقضاء وحكم "الكبار" ومن يختارونه ليحكم الشعوب المقهورة. بيد أن التوق للتغيير والعدالة باقتسام الثروة والمناصب، دفع جامعيي بنغلادش لنسف، ما ظن المستبدون وداعموهم، أنها باتت قاعدة، فرأينا الاحتجاجات الطلابية، منذ يوليو/تموز، التي انطلقت احتجاجاً على التوظيف بالقطاع الحكومي "العام" قبل أن تتوسع ليدخل فيها المعارضون وضباط سابقون، وتتعالى صيحات ومطالب المنتفضون إلى فساد رئيسة الوزراء، حسينة واجد "76 عاماً" بعد أن تمدد حكمها للمرة الرابعة في كانون الثاني/يناير الماضي، لتتقارب مع مسؤولي المنطقة بعقدي حكمها وأخطبوطية تفشيها.
قصارى القول: ثمة مفارقات أولية عن الذي حصل في بنغلادش، قبل مقارنته بما حصل بالمنطقة العربية، مذ أعلن شبابها وطلابها سعيهم للكرامة ونيل الحقوق و إقرار تداول السلطة، من دون إطلاق الأحكام القطعية على ذلك النمر الآسيوي، الذي حقق، قبل عقدين، مع هونغ كونغ وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان، معجزة اقتصادية وسمّوا حينذاك بالنمور.
أولى المفارقات ربما، هروب رئيسة الوزراء، بعد فترة احتجاجات، ليست بالطويلة، وعدد قتلى، لا يقارن البتة بضحايا حلم الحرية بالمنطقة العربية، فأن تثمر انتفاضة شعب، خلال أسابيع ليس إلا، وأن يقتل 430 منتفضا، فذاك في كتب المستبدين العرب، إحماء لا أكثر. وأن تعتقل رئيسة الوزراء الهاربة، نحو 10 آلاف وتحظر جماعة أو تلاحق جناحاً طلابياً، فذاك، على فداحته وجرمه، حدث بسورية خلال ساعات.
وما إن أعلنت الشيخة الهاربة استقالتها، من منفاها بالهند، حتى أمر رئيس البلاد، محمد شهاب الدين بالإفراج عن رئيسة الوزراء السابقة وزعيمة المعارضة، خالدة ضياء وعن جميع من اعتقلوا خلال انتفاضة بنغلادش، في رسالة يمكن فهمها بالوطنية أو التصالحية مع الجميع، خاصة أنها ترافقت بوعود ديمقراطية وإعلان افتتاح المنشآت الإنتاجية والتعليمية والحكومية، فوراً.
ليبقى تسلل الجيش، كما حدث ببعض بلاد الربيع العربي، الخوف الأبرز، قبل أن يأتي خبر اليوم، وهو لب القول، بتعيين محمد يونس الحائز على جائزة نوبل للسلام رئيساً لحكومة انتقالية، بعد حل البرلمان وفرار رئيسة الوزراء إلى الخارج. ولعل المفارقة الأبرز هاهنا، أن اجتماع الرئيس وضباط الجيش وقادة "طلبة ضد التمييز" تمخّض عنه الالتقاء حول مصلحة بنغلادش وشخصية جامعة هو يونس "أبو الفقراء" ليكون الضامن بتجاوز الأزمة عبر حكومة انتقالية. من دون أن تعلن البلاد حالة طوارئ ويتذرع الجيش بسلامة وأمن البلاد، ويسرق لسلطة لعقود.
نهاية القول: ثمة رجالات دولة وزعماء ووطنيون، يمكن أن ينتشلوا البلد المضطرب، أي بلد، إلى حافة السلامة والتنمية والنمو، من دون أن يرتهنوا لداعم أو يرهنوا ثروات ومصير بلدانهم للخارج، ولأن بنغلادش، اكتوت بنيران أبدية سلطة حسينة لعشرين عاماً، ويتطلع أصحاب القرار فيها، للوطن وليس للكرسي، اختاروا محمد يونس الثمانيني، صاحب التجربة النادرة بالعالم، بنك القرية "غرامين" الذي بدأه بقروض ميسّرة وقليلة جداً لقرويات وفلاحين، قبل أن تصل عدد فروعه، في عام 2017، إلى أكثر من 2600 فرع في مختلف مناطق بنغلادش، وعدد المقترضين أكثر من 9 ملايين، بمعدلات استرداد مرتفعة للغاية تتراوح ما بين 97% إلى 99.6%.
ولم يسمحوا، للجيش أو لقادة الحركة الطلابية أو حزب بنغلادش الوطني، بتسلم الحكم كونهم حماة الديار أو أصحاب الثورة وأبطال التغيير، خلال المرحلة الانتقالية على الأقل، ليعيد هذا النمر الآسيوي التقاط أنفاسه ويحدد اتجاهه من خلال بوصلة مصالح نيف و170 مليون نسمة، حققت لهم التنمية ونسبة النمو التي تزيد عن 6%، أعلى الدخول العالمية، بعد أن كانت بنغلادش من أفقر دول العالم وأعلاها كثافة.
ولئلا نركب موجة "لعن حسينة" أو التنكر لما تحقق للبلاد خلال رئاستها الحكومة، ربما يكون مخرجنا، من الجوقة بالقول: إن دوام السلطة يؤدي للمفسدة والفساد لا محالة، مع ترك وجع ما حل ببلادنا العربية جراء بدائل الأنظمة السابقة، سواء من حكم العسكر أو مستبدين بحلل جديدة. طبعاً من دون إغفال المشيئة الدولية ببقاء المنطقة تدور بحلقات التخلف والفقر والاستبداد، والحيلولة دون الوصول لحافة الديمقراطية، فذلك خطر على النجمة الأميركية الواحدة والخمسين بالمنطقة وبداية التطلع لدور دولي، يتناسب مع الطاقات البشرية والموارد المبشرة بالمنطقة العربية.