يواجه العراقيون مرحلة جديدة من الأزمات. الدينار ينهار أمام الدولار وينعكس على التضخم ارتفاعاً، وعلى الفقر اتساعاً، في بلد يعوم على النفط وسكانه يغوصون في المعاناة. للأسبوع الثاني على التوالي تحلّق أسعار المواد الاستهلاكية والإنشائية في الأسواق. الواقع يزداد صعوبة وتعقيداً، ما دفع خبراء اقتصاد للتحذير من انفلات المشكلات المعيشية، وزاد من السخط الشعبي الذي يتراكم منذ سنوات. وسجل الدولار في بورصة الكفاح الرئيسة للتداول بالعملة الصعبة في بغداد رقما قياسيا أمام الدينار، إذ أغلق الخميس، وهو آخر يوم للتداول الأسبوعي، عند 1320 ديناراً، ارتفاعاً من 1200 دينار في مطلع ديسمبر/ كانون الاول الحالي.
وقال خبراء إن الارتفاع الجديد سببه سعي الحكومة لرفع سعر صرف الدولار حتى يتسنى لها تقليص الفجوة بين الواردات بالعملة الصعبة من بيع النفط وما تنفقه على الموازنة التشغيلية للبلاد، إذ يبيع العراق نفطاً بقيمة نحو 3.4 مليارات دولار، بما يوازي أربعة تريليونات دينار، وهو رقم لا يكفي لدفع مرتبات الموظفين البالغة نحو 6 تريليونات دينار شهرياً، ومع خفض قيمة الدينار تتراجع نسبة العجز ويتعزز حجم الإيرادات العامة.
واعتبر متابعون أن هذا الاتجاه الرسمي تمت ترجمته في تسريب مسودة موازنة الدولة العراقية لعام 2021، وتضمنت تحديد سعر صرف مقداره 1450 ديناراً للدولار، ما أدى إلى تهافت المواطنين على شراء العملة الأميركية مع تصاعد المخاوف من الأزمة النقدية.
وتضمنت مسودة الموازنة المسربة فقرات أخرى مثيرة للجدل، من بينها تخفيضات بنسب كبيرة تطاول رواتب الموظفين، وفرض رسوم على البنزين والسجائر. وتلقف عدد من النواب عملية تسريب مسودة الموازنة بانتقاد الحكومة.
وقال السياسي والنائب السابق عزت الشابندر في تغريدة على تويتر إن "تسريب مكتب رئيس مجلس الوزراء مسودة الموازنة التي تتضمن مقترح رفع سعر الدولار، مع استمرار البنك المركزي ببيع 250 مليون دولار يومياً بسعر 1190 ديناراً إلى المصارف، أديا إلى انهيار الدينار ليزداد الفقراء فقراً واللصوص فحشاً".
فيما اتهم عضو البرلمان ثامر ذيبان قادة أحزاب سياسية يمتلكون مصارف بالوقوف وراء ارتفاع الدولار، موضحاً في إيجاز صحافي أن البرلمان لم يتسلم مشروع موازنة 2021.
من جهتها، قالت النائبة نجيبة نجيب، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار أثر بشكل كبير على أسعار البضائع في السوق العراقية، وخصوصاً السلع الاستهلاكية المستوردة". وأضافت أن "95 في المائة من معروض السوق العراقية هي بضائع مستوردة بالعملة الصعبة، ما يعني ارتباطها مباشرة بسعر الدولار، وبالتالي الانعكاس السريع على القدرة الشرائية والمستوى المعيشي للفرد، الذي يعاني من ضعف السيولة النقدية بسبب تأخر الرواتب وارتفاع البطالة إلى مستويات مخيفة".
وشرحت نجيب أن "معظم عمليات البيع والشراء داخل السوق العراقية والتعاملات كبيع السيارات والعقارات وبدلات الإيجار تدفع بالدولار، لذلك فإنّ آثار ارتفاع سعر العملة الأميركية ستتسبب بمشاكل مجتمعية في الأيام المقبلة، إلا إذا أعادت الحكومة العراقية والبنك المركزي النظر بالسياسة المالية والنقدية والسيطرة على سوق العملة الصعبة في البلاد".
وبحسب عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي جمال كوجر، فإن هناك توجهاً حكومياً لرفع سعر الدولار بهدف خفض العجز الكبير في مشروع قانون موازنة العام المقبل.
وأوضح كوجر، في إيجاز صحافي قدمه في مبنى البرلمان للصحافيين، أنّ "هناك توجهاً حكومياً لزيادة سعر الصرف بشكل تدريجي، لأن قانون موازنة 2021 فيه عجز مالي كبير، وأحد سبل تخفيض هذا العجز هو زيادة سعر الدولار".
وبيّن أن "سعر الدولار سيواصل الارتفاع في الأيام المقبلة، ما سيؤثر بشكل كبير على المواطنين". كذلك، أكدت عضوة لجنة الاقتصاد والاستثمار في البرلمان العراقي، ندى شاكر جودت، وجود "مخاوف شعبية كبيرة من ارتفاع سعر الدولار مقابل الدينار العراقي".
وبينت خطورة هذا الارتفاع على أسعار البضائع، "حيث يكون المتضرر هم الفقراء، الذين يشكلون النسبة الكبرى من المجتمع العراقي". وأوضحت أن المنتفعين من ذلك في الدرجة الأولى هم تجار العملة، بالإضافة إلى عدد من التجار، مشددة في بيان لها على "ضرورة وضع الحكومة العراقية والجهات المختصة فيها حلولاً سريعة للسيطرة على سوق النقد".
وشكا مواطنون عراقيون من الغلاء الفاحش في الأسعار الذي طاول الكثير من البضائع والسلع الاستهلاكية التي يكثر الطلب عليها في مثل هذه الأيام. وقال المواطن محمود الجميلي في حديث مع "العربي الجديد" إن "ارتفاع سعر الدولار بشكل مفاجئ مع الحديث عن إمكانية صعوده لأكثر من 1500 دينار عراقي أربك السوق العراقية وأحدث ارتفاعاً ملحوظاً في الأسعار".
وأشار إلى أن ارتفاع الدولار دفع المواطنين إلى شراء احتياجاتهم الضرورية خوفاً من تأثرها بسعر الصرف، ما أدى إلى ارتفاع أسعار هذه المواد بأكثر من 20 في المائة". وأضاف الجميلي أن "السوق العراقية سرعان ما تتأثر بارتفاع سعر الدولار بسبب جشع بعض التجار الذي يعتاشون على الأزمات ليعمدوا إلى رفع أسعار البضائع، مستغلين غياب سلطة الدولة والرقابة على السوق".
ولفت الانتباه إلى أن "استمرار سعر صرف الدولار بالصعود بالإضافة إلى فقدان السيطرة على السوق العراقية ينذران بكارثة حقيقة تؤدي إلى انفجار غضب الشارع العراقي الذي يعاني من أوضاع معيشية مزرية للغاية". وقال المواطن عدي العكيدي في حديث مع "العربي الجديد" إن "قيمة الدينار العراقي بدأت تنهار تدريجياً مصحوباً بارتفاع كبير في الأسعار داخل السوق".
وبيّن أن "الوضع المعيشي في العراق يسير نحو الأسوأ ولا أمل بانتعاش الاقتصاد العراقي مرة أخرى، في ظل سيطرة الفاسدين على مقدرات الدولة ومواردها". وأضاف أن "كلّ ما يتم استيراده إلى السوق المحلية من مواد بناء وأجهزة كهربائية ومواد غذائية وقطع غيار السيارات التي غالباً ما يتم بيعها في الدولار شهدت قفرة كبيرة في الأسعار، بما لا ينسجم مع حجم الارتفاع في قيمة صرف الدولار". وكان البنك الدولي قد توقّع في تقرير سابق أن ينكمش الاقتصاد العراقي بسبب انخفاض أسعار النفط وتفشي جائحة كورونا، ونتيجةً لذلك رجّح تزايد العجز المزدوج وزيادة الضغط على سعر الصرف واحتياطيات البنك المركزي.