مع بداية العام 2024 تجاوزت المملكة العربية السعودية هدفها المعلن، بانتقال المقرات الإقليمية للشركات العالمية الكبرى إليها، إذ كان المستهدف 160 شركة، بينما تمكنت المملكة من جذب 180 شركة، بينها المؤسسات المالية الكبرى، حسبما أعلن وزير الاستثمار، خالد الفالح، الأمر الذي مثل مؤشرا جديداً على تصاعد المنافسة الاقتصادية الإقليمية بين السعودية والإمارات.
ولطالما اعتبرت الشركات والمؤسسات المالية العالمية الإمارات، وتحديدا إمارة دبي، مقرا إقليميا لها، غير أن قرار مجلس الوزراء السعودي، في فبراير/شباط 2021، بإيقاف تعاقد الجهات الحكومية بالمملكة مع أي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية ليس لها مقر إقليمي في السعودية، دفع عشرات الشركات إلى إجراء عملية نقل لمقراتها إلى الرياض، حسبما أوردت صحيفة "الاقتصادية" مطلع الشهر الجاري.
ومن أبرز تلك المؤسسات كانت شركة الخدمات المالية الأميركية "نورثرن ترست"، التي تدير أصولا بـ 1.3 تريليون دولار، وحصلت في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي على ترخيص من وزارة الاستثمار السعودية لإنشاء مقر إقليمي لها في الرياض، ما عزز خطة الحكومة السعودية لجعل الشركات الدولية تدير عملياتها في الشرق الأوسط من المملكة، حسبما أوردت صحيفة "المال" السعودية.
وفي الإطار ذاته، تخطط شركة "لازارد" المحدودة لجعل الرياض مقرها الإقليمي، مع تعيين المصرفية السعودية، سارة السحيمي، لقيادة قسمها الاستشاري لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بحسب تقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ" في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
جذب المؤسسات المالية والمنافسة المتصاعدة
ويشير الخبير الاقتصادي والمستشار المالي، علي أحمد درويش، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن نقل المقرات الإقليمية للشركات إلى السعودية يأتي ضمن حملة تغيرات اقتصادية جذرية وشاملة، تجريها حكومة المملكة، لتنويع المداخيل واستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية، والتي تشمل استقطاب المؤسسات الكبرى.
ويوضح درويش أن السعودية لم تكن تملك سوى 6% فقط من المقرات الإقليمية للشركات العالمية في المنطقة، ما اعتبرته حكومة المملكة قليلا مقارنة بحجم الاقتصاد السعودي، ولذا تبنت سياسات من شأنها تشجيع الشركات لفتح مقراتها الإقليمية في الرياض خلال العامين الماضيين.
ومن شأن استقطاب المقرات الإقليمية للشركات الأجنبية جذب رؤوس أموال يتراوح تقديرها بين 15 و20 مليار دولار، إضافة إلى خلق فرص عمل للشباب السعودي المتخصص، خاصة في القطاع المالي، ما يصب في صالح أهداف الخطة الشاملة التي تعمل الحكومة السعودية على تنفيذها، بحسب درويش.
وإزاء ذلك، فإن المنافسة الاقتصادية بين السعودية والإمارات تتجه لأن تزداد حدة، بحسب درويش، مشيرا إلى أن هذه المنافسة ستأخذ منحى متصاعدا في استقطاب الشركات لما لحضورها من إفادة، سواء على مستوى السياحة أو الاستثمار أو على مستوى استقطاب يد عاملة متخصصة.
ويتوقع درويش أن تتطور المنافسة السعودية الإماراتية تدريجيا في المرحلة القادمة في ظل التوازنات الاقتصادية التي تتغير بناء على ما يحدث في السعودية مؤخرا من تنويع اقتصادي بوتيرة سريعة، ما يستدعي بنية تحتية مساعدة.
وفي هذا الإطار، تمكن قراءة التحديثات الاجتماعية التي أجرتها الحكومة السعودية مؤخرا لمواكبة التطوير الاقتصادي، بحسب درويش، مشيرا إلى أن وجود الشركات الأجنبية بكثافة يستدعي بعض التعديلات على مستوى النمط الاجتماعي السائد أو المسموح به في المملكة، وهو ما يجري تنفيذه حاليا عبر استقطاب لمهرجانات ترفيهية، وأخرى للجذب السياحي بوتيرة أسرع من أي وقت مضى.
لكن تصاعد المنافسة السعودية الإماراتية لا يعني بالضرورة أنها ستكون منافسة غير شريفة أو صدامية، بحسب درويش، الذي يرجح سباقا بين البلدين في التعديلات القانونية التي توسع نطاق الإعفاء من الضرائب، وتشجيع الاستثمار والسياحة.
نموذج الاستدامة
ويشير الخبير الاقتصادي، جاسم عجاقة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن المنافسة الاقتصادية بمنطقة الخليج عامة، وخصوصا بين الإمارات والسعودية، تبين أن الاقتصادات الخليجية تتجه نحو الحداثة والتطور واعتماد نموذج الاستدامة، والدليل أن حجم الاستثمارات بها يتصاعد بنسب كبيرة خلال السنوات الأخيرة.
ويلفت عجاقة، في هذا الصدد، إلى تصريح وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، باجتذاب استثمارات بقيمة 33 مليار دولار سنة 2022، واصفا إياه بأنه تعبير عن مدى الفرص الاقتصادية التي يتوقعها المستثمرون باقتصادات الدول الخليجية، وخاصة السعودية، في ظل طموحها الكبير برؤية 2030.
ويرى عجاقة أن اهتمام المؤسسات الدولية الكبرى بفتح مقراتها الإقليمية في الرياض نابع من إيمان بالقدرات التي يتمتع بها الاقتصاد السعودي والطموحات الكبيرة التي تجسدها رؤية 2030، لكنه لا يعني بالضرورة تنافسا حاداً بين السعودية والإمارات.
ووفقاً لعجاقة، يظل الإطار الاقتصادي للمنافسة إيجابيا، بينما تظل المهددات الخاصة بالاقتصاد سياسية بالأساس، خاصة أزمتي: هجمات الحوثيين في البحر الأحمر واستمرار الحرب في غزة، وهي المؤشرات التي دفعت إلى توقعات بانخفاض النمو في السعودية، كما في دول المنطقة الأخرى.