تتزاحم الأزمات على الأسواق العالمية لتخلف نقصاً حاداً في عدد كبير من السلع الحيوية. وبالرغم من مساعي الحكومات لمعالجة الثغرات التجارية، خاصة أزمة الإمدادات، إلا أن مواطني عدد كبير من الدول سيلمسون أثر الأزمة على حياتهم بشكل جلي خلال احتفالات عيد الميلاد المقبلة.
الأزمة لا تنحصر في الوقود أو الغاز، إذ تمتد إلى تفاصيل كان المستهلك يعتبرها غير مهددة، مثل البطاطس المقلية في عدد من الولايات الأميركية مثلاً، أو الشوكولا في بريطانيا أو مثلاً المياه في لبنان، واستعرضت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، النقص في عدد من الدول، وسط ارتفاع حدة القلق من التأثير على أجواء عيد الميلاد...
فما هي أبرز الدول التي تواجه هذه الأزمة؟ وما هي المواد الأكثر عرضة للاختفاء حتى حلول الميلاد في ديسمبر/ كانون الأول المقبل؟
بريطانيا: أزمة في الوقود واللحوم وأشجار الميلاد والشوكولا
تحرص الحكومة البريطانية على التأكيد في كل مناسبة على أنها لا تواجه أزمة وقود بعينها، وإنما مشكلة شحن الوقود من المصافي إلى محطات التعبئة. إذ إن نقص السائقين وصل إلى رقم مهول يزيد عن 100 ألف مركز شاغر في هذا القطاع، وفقاً للهيئات الصناعية في المملكة.
وتختلف مشكلة بريطانيا عن غيرها من الدول، إذ لا تنحصر الأزمة بتداعيات كورونا على الأسواق، ولا بأزمة الإمدادات العالمية فقط، وإنما بقرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، الذي جعلها شبه معزولة عن محيطها التجاري الأكبر. وتسود التوقعات بأن هذه الأزمة ستطول حتى مع إصدار تأشيرات لمدة ثلاثة أشهر لعشرة آلاف سائق، فهذا الحل يعتبر مؤقتاً.
في المقابل، يقدر مجلس الدواجن البريطاني أن هناك ما يقرب من 7000 وظيفة شاغرة في جميع أنحاء القطاع. فيما يحذر المزارعون من نقص في الديك الرومي في عيد الميلاد، لأن تغييرات التأشيرات للسماح بتوظيف العمالة من الخارج جاءت بعد فوات الأوان.
كما يمكن أن تؤدي "العاصفة الكاملة" المتمثلة في نقص العمالة وتكاليف الشحن وأنظمة العمل بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى ندرة أشجار عيد الميلاد هذا العام، وفقاً لـ "بي بي سي".
كما أن هذه المشكلات طاولت الكثير من السلع على أرفف المحال، حيث أصبح منظوراً النقص في الحليب والشوكولا، وأيضاً في أنواع مختلفة من اللحوم.
الصين: تأثر إمدادات الفحم والورق والمزروعات
تضرب "عاصفة كاملة" في الصين المتسوقين والشركات في الداخل والخارج. يشرح الدكتور ميشال ميدان من معهد أكسفورد لدراسات الطاقة لهيئة الإذاعة البريطانية، أن الأزمة تؤثر على كل شيء من الورق والغذاء والمنسوجات ولعب الأطفال إلى رقائق آيفون. ويقول إن هذه العناصر "قد ينتهي بها الأمر إلى نقص المعروض في عيد الميلاد هذا العام".
تنبع المشكلة بشكل رئيسي من أزمة الكهرباء، حيث شهدت أكثر من 20 مقاطعة انقطاع التيار الكهربائي. حيث يأتي أكثر من نصف كهرباء البلاد من الفحم، الذي ارتفع سعره في جميع أنحاء العالم. لا يمكن نقل هذه التكاليف إلى المستهلكين الصينيين بسبب سقف سعر صارم، لذلك تعمل شركات الطاقة على تقليل الإنتاج.
كما تأثر إنتاج الفحم بفحوصات السلامة الجديدة في المناجم، والقواعد البيئية الأكثر صرامة والفيضانات الأخيرة، كما يقول الدكتور ميدان.
وهذا يعني أنه حتى مع زيادة الطلب على السلع الصينية، فقد طُلب من المصانع تقليل استخدام الطاقة أو الإغلاق في بعض الأيام.
تتعرض سلسلة الإمدادات الغذائية أيضًا للخطر حيث تجعل أزمة الطاقة موسم الحصاد أكثر صعوبة لأكبر منتج زراعي في العالم
وتلفت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية إلى أن إنتاج الصناديق الكرتونية ومواد التغليف تعرض إلى إجهاد بالفعل بسبب الطلب المتزايد خلال الجائحة. الآن، أثرت عمليات الإغلاق المؤقتة في الصين على الإنتاج بدرجة أكبر، مما أدى إلى انخفاض بنسبة 10 إلى 15 في المائة في الإمدادات لشهري سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول، وفقًا لرابوبنك.
كذا، تتعرض سلسلة الإمدادات الغذائية أيضًا للخطر حيث تجعل أزمة الطاقة موسم الحصاد أكثر صعوبة لأكبر منتج زراعي في العالم. حيث تتزايد المخاوف من أن الوضع سيزداد سوءًا حيث تكافح الصين للتعامل مع المحاصيل من الذرة إلى فول الصويا إلى الفول السوداني والقطن.
الولايات المتحدة: تحذيرات من نقص الألعاب وورق التواليت
حذر البيت الأبيض من أنه في عيد الميلاد، "ستكون هناك أشياء لا يستطيع الناس الحصول عليها" بسبب أزمة الإمدادات العالمية.
سوف تتأثر مخزونات الألعاب، وكذلك المواد الغذائية الأساسية مثل ورق التواليت والمياه المعبأة في زجاجات والملابس الجديدة وأغذية الحيوانات الأليفة، وفق "بي بي سي".
جزء من المشكلة هو في الموانئ الأميركية. أربع حاويات شحن من أصل 10 تدخل الولايات المتحدة عبر ميناءين فقط، في لوس أنجليس ولونغ بيتش، كاليفورنيا.
وأكدت "الغارديان" البريطانية أن هناك حالة ذعر خفية تحدث في الاقتصاد الأميركي. حيث تعاني المختبرات الطبية من نقص الإمدادات وتصل المصاعب إلى المطاعم مع ضعف قدرة الحصول على بعض المواد الغذائية، وصولا إلى نقص إنتاج السيارات، والطلاء والإلكترونيات وسط أزمة أشباه الموصلات. وتقول المجلة البريطانية أن مطعم برغركنغ في فلوريدا، وضع لافتة تقول "آسف، لا توجد بطاطس مقلية. ليس لدينا بطاطس". وأضافت: "تخيل ذلك، لا توجد بطاطس مقلية في أميركا".
الهند: نقص في السيارات وشرائح كمبيوتر
كشفت جمعية مصنعي السيارات الهندية (SIAM) أن مبيعات سيارات الركاب في البلاد قد تحطمت بنسبة 41٪ في شهر سبتمبر مقارنة بالشهر نفسه من عام 2020. والسبب الأكبر للهبوط هو النقص العالمي في أشباه الموصلات.
ويشرح موقع "إيكونوميكس تايم" الهندي أن صانعو السيارات لديهم حاليًا مخزون من 220 إلى 225 ألف وحدة، في حين أن إجمالي سجل الطلبات يحوم حول 450 ألف وحدة. وبالتالي، فإن فترة الانتظار لتلبية الطلب على السيارات وصلت إلى خمسة إلى ستة أشهر.
كان الطلب العالمي على الرقائق، التي تُستخدم أيضاً في الهواتف وأجهزة الكمبيوتر، يرتفع بالفعل قبل الوباء، بسبب اعتماد تقنية 5G. أدى التحول إلى العمل من المنزل إلى ارتفاع آخر في الطلب، حيث احتاج الناس إلى أجهزة كمبيوتر محمولة أو كاميرات ويب للعمل. وقد تفاقم النقص في المكونات القادمة إلى الهند بسبب اضطراب الطاقة في البلاد.
البرازيل ونيجيريا: معاناة القهوة والغاز
أثر الجفاف الأكثر حدة في البرازيل منذ ما يقرب من قرن على محصول البن المخيب للآمال هذا العام. وتفاقمت التحديات التي تواجه منتجي البن بسبب ارتفاع تكاليف الشحن ونقص الحاويات.
لا بل سيتم نقل تكاليفها المرتفعة إلى المقاهي في جميع أنحاء العالم، حيث إن البرازيل هي أكبر منتج ومصدر للبن، وفقاً لموقع "بي بي سي".
نظراً لأن معظم كهرباء البلاد تأتي من الطاقة الكهرومائية باستخدام الخزانات، فإن نقص المياه له تأثير مباشر على إمدادات الطاقة.
مع ارتفاع أسعار الطاقة، تطلب السلطات من الناس الحد من استخدامهم للكهرباء لتجنب التقنين. وقال وزير الطاقة إن الوكالات الحكومية طُلب منها خفض استهلاكها للكهرباء بنسبة 20%، بحسب صحيفة واشنطن بوست.
كذا، تعاني نيجيريا من نقص في الغاز الطبيعي المسال، والذي يستخدم بشكل رئيسي في الطهي.
هذا على الرغم من أن البلاد لديها أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في إفريقيا. وارتفع سعر الغاز الطبيعي المسال بنسبة 60% تقريباً بين إبريل ويوليو، مما جعله بعيداً عن متناول العديد من النيجيريين. نتيجة لذلك، تحولت المنازل والشركات إلى الفحم الأكثر تلوثاً، أو الحطب، للطهي.