رغم صعوبة التنبؤ بتقلبات الطقس والأضرار التي قد يسببها الجفاف والفيضانات في العديد من دول العالم، فإن ثمة تفاؤل بتراجع أسعار السلع الغذائية خلال العام المقبل 2023. وحتى الآن شهدت العديد من السلع تراجعاً في أسعارها من مستويات الذروة التي بلغتها في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا وما تلاه من تداعيات العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي.
فقد تراجعت أسعار القمح والنفط والأسمدة مقارنة بمستوياتها الجنونية التي بلغتها بعد أسبوعين من غزو روسيا لأوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير/ شباط الماضي. ويشير محللون في مؤسسات دولية إلى أن الهدوء عاد إلى أسواق السلع الغذائية بعد فترة الذعر الاستهلاكي التي شهدتها خلال شهري مارس/آذار وإبريل/ نيسان، التي قفزت فيها الأسعار بمعدلات جنونية وبدأ المستهلكون في تخزين السلع كما حظرت عدة دول صادرات المواد الغذائية.
ويرى المحللون أن من بين العوامل التي تدعم التفاؤل تراجع مؤشر الغذاء الشهري الذي تنشره منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو"، وزيادة الرقعة الزراعية في بعض الدول بسبب الأمطار الغزيرة خلال العام الجاري، وتراجع كلف الإنتاج بسبب انخفاض أسعار الوقود والأسمدة عن مستوياتها المرتفعة في الأشهر الأولى التي تلت الحرب، وزيادة حجم الاستثمار الزراعي مدفوعاً بارتفاع الهامش الربحي المتحقق لدى المزارعين خلال النصف الأول من العام الجاري.
ويضاف إلى ذلك توقعات حصد بعض الدول الكبرى المنتجة للحبوب لمحاصيل وفيرة خلال الموسم الجاري. وكذلك عودة الحبوب الأوكرانية إلى الأسواق العالمية بعد فترة الحصار الروسي لبعض موانئ البحر الأسود.
وكانت أسعار الحبوب قد شهدت قفزات قياسية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث ارتفعت أسعار القمح بنسبة 63% في نهاية الأسبوع الثاني من بداية الحرب، كما ارتفعت أسعار النفط إلى 128 دولاراً للبرميل والأسمدة إلى 940 دولاراً للطن من اليوريا في إبريل/ نيسان.
ولكن يلاحظ أن دورة الغلاء بدأت تتراجع منذ يونيو/حزيران الماضي وتزايد معدل التراجع في أسعار الحبوب والأسمدة بعد الاتفاق الأخير لتصدير الحبوب الأوكرانية، حسب بيانات بورصة السلع في شيكاغو ونيويورك.
ووفق البيانات تراجع القمح من أعلى مستوياته البالغة 1350 دولاراً للطن في مارس/آذار إلى 328 دولاراً للطن في بورصة شيكاغو، أمس الثلاثاء، كما تراجع سعر طن اليوريا بنسبة 50% من الذروة السعرية التي بلغها في إبريل/ نيسان، البالغة 940 دولاراً للطن في إبريل/ نيسان. وتشكل اليوريا إلى جانب البوتاس المواد الرئيسية في صناعة الأسمدة التي تعتمد عليها الزراعة في تخصيب التربة الزراعية وبالتالي زيادة انتاج المحاصيل.
وفي أستراليا تشير بينات "بلاتس أستراليا" إلى أن أسعار القمح الأسترالي تراجعت بنسبة 5.2% للقمح الأبيض الممتاز ليبلغ سعر الطن منه 366 دولاراً، كما تراجع سعر الطن من القمح الأبيض العادي بنسبة 6.2% إلى 347 دولاراً. وتتوقع الحكومة الأسترالية ارتفاع إنتاج القمح في موسم 2022 /2023 إلى كميات تتراوح بين 30 و33 مليون طن، ولكن اتحادات المزارعين تتوقع ارتفاع الإنتاج هذا الموسم إلى 38 مليون طن.
في الشأن ذاته، تقول وكالة فيتش للتصنيف الائتماني العالمية، إن "الانخفاض الحاد في أسعار الحبوب خلال الأسابيع الأخيرة رفع الآمال بحدوث تراجع مؤشر أسعار الغذاء في العام المقبل 2023". ومنذ بدء شحنات القمح الأوكراني تراجعت الأسعار بنسبة 5% حسب بيانات "فورين ريبورت" الأميركي. وتشير الوكالة في تقرير على موقعها إلى ثلاثة عوامل رئيسية تدعم التفاؤل برخص أسعار المواد الغذائية في العام المقبل. أول هذه العوامل، أن أستراليا تتجه لحصاد محصول قياسي من القمح خلال الموسم الجاري، كما تتوقع وزارة الزراعة الأميركية كذلك ارتفاعا كبيرا في محصول القمح والذرة في أميركا خلال الموسم.
من جانبه يرى محلل الأسواق في مصرف "مورغان ستانلي" روبرتو براون، أن أسعار الغذاء تتجه للتراجع أكثر خلال العام المقبل. ويقول براون في تحليل على موقع المصرف أن أسعار السلع الغذائية بلغت ذروة الارتفاع خلال العام الجاري وأن تراجع أسعار الوقود وزيادة الاستثمار في الزراعة واحتمال عودة الهدوء في الحرب الروسية على أوكرانيا سيدعم التراجع في أسعار الغذاء.
من جانبها ترى وكالة "فيتش" أن تواصل الحبوب الأوكرانية للأسواق العالمية تعني أن إمدادات 20 مليون طن من الحبوب ستصل الأسواق، وهذه الكمية تمثل حصة كبيرة من إجمالي إمدادات الحبوب الأوكرانية التي بلغت 45 مليون طن من الحبوب في العام الماضي.
كما تشير وكالة التصنيف إلى أن ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي سيهم خلال الشهور المقبلة في انخفاض أسعار السلع والمعادن والطاقة. وهناك علاقة عكسية بين أسعار السلع الغذائية وسعر صرف الدولار، إذ كلما ارتفع سعر العملة الأميركية ينخفض الطلب على السلع والمعادن والطاقة.
ولكن على الرغم من هذه العوامل الإيجابية، فإن القلق ينتاب العالم، وفق المحللين، من تطور الاضطرابات الجيوسياسية في أوروبا وآسيا وتقلبات الطقس وتأثيراتها غير المتوقعة على الإنتاج الزراعي، خاصة أن أوكرانيا وروسيا، اللتين تواصلان الحرب الشرسة، من كبرى الدول المنتجة للحبوب في العالم.